ليس بالخوف وحده (وائل عبد الفتاح)
وائل عبد الفتاح
ــ 1 ــ
لا تنتظروا اكتمال الاحلام… المثالية.
كاد المسؤول الأمني الكبير ان يروج لفكرة «اقبلوا بنصف مكسب»، فما زال الخوف قائماً من مخططات ومؤامرات تهدف الى «إسقاط الدولة..» في مصر او «تركيعها..».
لماذا؟
المسؤول الأمني يعبر عن شعور حقيقي لأصحاب القرار في الدولة: «..إنهم يخافون من عبد الناصر جديد على النيل..» …وهذا الخوف يدفع الى خوف الأجهزة الأمنية من «المؤامرة…» ولهذا فالعقلانية الراهنة تقول: «دعها تمر ولو بنصف أحلامك…».
والمدهش في هذه النظرة ليس تكرار أسلوب قديم في ترويج الخوف كمعيار لبناء الدولة، ولكن في أنه يحمل جزءاً من الحقيقة، فهناك خوف في الأوساط الغربية المهتمة بهذه المنطقة من «شيء ما غامض» في التجربة المصرية ربما يذكرهم بالنزعة الناصرية أو يثير رعبهم من عدم إدماج الإسلاميين في السلطة والمجتمع مما يعيدهم الى سراديب الانتقام الكامل الشامل.
هذه النظرات تعتمد على مقاييس قديمة، وتمثل شيئاً اكبر من الهاجس، إنه جمود الموقف الذي يدفع الدول الغربية الى حالة «ترقب وانتظار»، عنوانها المتداول: «هل تسير مصر في اتجاه ديكتاتورية عسكرية مدعومة شعبياً؟».
ــ 2 ــ
ليس هناك غرب واحد في التعامل مع مصر.
الولايات المتحدة اكثر مرونة. تتحرك لكي لا تترك جزءاً من مساحتها شاغراً برغم أن قيادات الجناح الأمني في تركيبة «30 يونيو» يعتبرون حراك كيري «هدنة مؤقتة..» لا يتعاملون معها بالجدية، او بالصفاء القديم.
الأوروبيون على تنويعاتهم يلعبون في اتجاه دعم «السلفيين» كطرف لا بد من تواجده في تركيبة المستقبل السياسي.. من دون ان يكون هناك اهمية لفكرة التناقض بين وجودهم ككتلة غير ديموقراطية تنزع الى حرب على الهوية وبين تعبير هذا التواجد عن «شكل ديموقراطي».
ــ 3 ــ
ولأن العقل الأمني ينزع الى القائم، فإنه من أجل تطمين الأوروبيين يستعاد من تجربة السادات/ مبارك ما يتعلق بإدماج «السلفيين» باسترضاء هواجسهم الهوياتية (وربما سعياً لهزيمتهم سياسياً عبر الصناديق).
ومن أجل تمرير الهدنة الأميركية تستلهم تجربة عبد الناصر في تنويع المصادر والتحالفات… وتظهر تحركات باتجاه روسيا او الصين.
إنها حركة في أطراف متناقضة، تدير أزمة، لا تؤسس دولة جديدة، وهذا سيظهر في توافقات الدستور لكي لا يسمح للسلفيين بتفجيره /وينجح المخطط بتعطيل «خارطة الطريق»…الخوف حاكم من تحويل اللحظة الانتقالية في الثورة الى أزمة ولا بد ان تمر لكي لا تسقط الدولة.
تباين يظهر بوضوح مهدداً تركيبة /تحالف 30 يونيو في لحظة لا يصلح فيها الخوف مبرراً للاستمرار.
هنا فان التفكير الأوروبي/ الأميركي المشغول بهواجس الديكتاتورية العسكرية، اسير تفكير قديم، بالضبط كما انتهت صلاحية ادارة الدولة بمفهوم «السلطة» تتحكم في «خلطة» سياسية توزع فيها الأنصبة وتحقق التوازن بينها.
الجديد هنا هو انتهاء فعالية العناصر القديمة، من دور الرعاة الدوليين في ادارة السلطة، الى قدرة السلطة القائمة على ترويج نفسها بالخوف/ الى بناء الدول على البطولات الشعبية… هذه عناصر لم تعد الارض لها وحدها، او ان المؤمنين بها يدركون اكثر من غيرهم ان «لا شيء سيعود كما كان ..».
و«ما سيكون»… هو رهن دخول او تفعيل العناصر الجديدة التي تواجه الف حاجز ليخترق التغيير الحادث فعلا في المجتمع الى السلطة.
صحيفة السفير اللبنانية