كل صفحة تقرأها من كتاب وزير الخارجية الروسي ‘تجعلك تخوض في معان تدفعك للبحث أكثر في تفاصيل شخصيات رجال السياسة، وربما تمنح القارئ نوعاً من الإحساس أن هؤلاء أبطال في رواية الحياة‘.
لا يمكنني أن أنتقد ما جاء في كتاب “نحن شعب مهذب” للروسي سيرغي لافروف الصادر عن دار الرافدين من ترجمة محمد خميس وتقديم وتحرير د. ياسر عبدالحسين، لأن السياسة تحمل عدة أوجه من وجهات النظر.
إلا أن لهذا الكتاب تأملاته الخاصة في السياسة الخارجية الروسية، والقول الأقوى من حيث الكشف عن رؤية السياسة الخارجية الروسية لما يحدث من صراعات في المنطقة بشكل عام وعن كون كاتبه شخصية دبلوماسية عالمية مرموقة أثبتت كفاءة عالية في دورها الروسي الفعّال خاصة في ملف العلاقة المتوترة ما بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية ، فما فائدة هذا الكتاب الذي يحتوي المقالات والأحاديث واللقاءات المترجمة ؟
ربما الهدف هو تقديم مميزات شخصية سياسية لفهم أبرز السمات ” القيادية الروسية بشكل خاص” وهذا قد يولّد الكثير من الاستنتاجات القائمة وإن كانت تمثل عملية معقدة داخل صندوق أسود من الصعب فك شفراتها، فهل يمكن كشف أخطاء الشخصيات السياسية من كتب تقدم الرؤية السياسية التي تقودها شخصية تفرّدت باستمراريتها لمدة طويلة من الزمن؟ أم أننا في نهاية قراءة الكتاب نكتشف ميزة الافتقار للأخطاء في من نجحوا في الإدارات السياسية؟ وما دور رواية الحرب والسلام للروائي العالمي تولستوي في هذا الكتاب ؟ ومن قال أن تنفيذ توجهات الرئيس لا تحتاج لشخصية مختلفة تضفي على السياسة انعكاسات حفرت مكانها في السياسة الخارجية الروسية ؟
لا يمكن أن ننكر أهمية هذه الكتب للقراء والدور الذي تحققه عبر التاريخ، كمرجع يمكن اللجوء إليه عند دراسة ما أو البحث عن تفاصيل هي استثناءات تحتفظ بها هذه النوعيات من الكتب التي تتنافس وبشكل قوي مع كتب الخيال العلمي أو الفنتازيا، وقد يستغرب قارئ مقالي لهذا الكلام.
إلا أنه الحال في أغلب الكتب التي تحمل ميزة شخصية سياسية أميركية أو صينية أو حتى روسية أو حتى عراقية أو سورية أو لبنانية كما هو الحال في كتاب “نحن شعب مهذب” .فمتغيرات العالم الجديد تفرض معرفة عميقة بشخصيات كثيرة لها القوة في إدارة صنع القرار بمختلف الانتماءات السياسية، والتي تجعلنا نفهم عوامل النجاح أو السقوط أو الفشل والنجاح على صعيد من يحمل فكراً سياسياً ويناضل من أجله. فهل حققت روسيا مكاسب استراتيجية وكانت الرابح من الجهتين إن نجحت في سوريا أو فشلت؟ وما هي المحصلة التي تعزز هذا الرأي؟ وهل روسياً فعلا لا تغضب بل تركز اهتمامها على مقولة أصبحت تاريخية؟ وما هو “الصبر الاستراتيجي”؟
تساؤلات كثيرة تدفعك للبحث -بجدية- عن معان مبطنة، لتغوص أكثر وربما تعيد قراءة بعض الصفحات أكثر للربط بين ما حدث ويحدث وبين مميزات شخصيات محنكة منتمية لإرثها وتملك قدرات على التفاوض ربما هي من تأثيرات المدرسة السوفيتية والبوتينية وبين تأثيرات التربية في الطفولة والنشأة التي لها الأثر الأكبر لما وصلت إليه هذه الشخصية السياسية المولودة من أم روسية وأب أرمني واستمعت في الطفولة المبكرة إلى القصص العديدة عن البلدان الأخرى، فمن المؤكد أنه لا يجادل بل يفاوض لإثارة الانتباه لفهمه العقدة والحبكة والسرد والصبر للوصول إلى نهايات ترضي الأطراف.
ربما أكون قد تخيلت تأثيرات القصص في الطفولة على شخصيته التي نمت في المدرسة الروسية المتأصلة في رؤيتها التربوية والمعروفة للجميع وكما يقول لافروف “لم يعلموننا بالحزام أبداً، فقد كان الكلام طيباً، ومعسولا، ولكن كان هناك أيضاً الكلام بالترهيب، وإنه أمر لا مفر منه”.
فهل من صناعة للدبلوماسي فعلاً؟ أم أن ذلك يحتاج للكثير من المميزات الخاصة في الشخصية التي تلقت العلوم الدقيقة ولا سيما مادة الفيزياء؟ وهل الفيزياء الاجتماعية لها أهمية كبرى في مثل هذه الشخصيات الدبلوماسية؟ وهل فعلا في حيوات هؤلاء علاقات شخصية مبنية على الثقة؟
لا أبالغ إن قلت إن كل صفحة تقرأها تجعلك تخوض في الكثير من المعاني التي تدفعك للبحث أكثر في تفاصيل شخصيات رجال السياسة، وربما يمنح القارئ نوعاً من الإحساس أن هؤلاء أبطال في رواية الحياة ولا أخصص هنا سيرغي لافروف إنما كل رجل سياسة ترك علامة فارقة في مساره الحياتي .لأنك – تلقائيا – ستشعر بعد أن تقرأ هذا الكتاب أنك بحاجة لمعرفة جميع المدارس السياسية التي نشأ منها رجال سياسة ذات سمات شخصية أثرت في دورها؟ وهل مقولة “نحن شعب مهذب” يفرضها هذا الكتاب الذي يضعك وجها لوجه أمام مدرسة سياسية – فعليا- قد تكون نجحت أو أخطأت إلا أنك تقتنع بأهمية إطلاق الحوار الإستراتيجي لمناقشة التهديدات والمخاطر الراهنة.
ميدل إيست اونلاين