ما هي التطوّرات الثّلاثة التي تَرسُم خُطوط السّيناريو المُرجّح في المنطقة بعد مُفاجأة إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمِئة؟ ولماذا يبدأ “حزب الله” فجأةً في تخزين الوقود والدّواء والغِذاء؟
من المُؤكّد أنّ إيران قبل الإعلان عن بَدء تخصيبها اليورانيوم في مُنشأة نطنز التي ادّعت إسرائيل أنّها دمّرت أجهزة الطّرد المركزي الحديثة فيها، هي غير إيران بعده، وإذا انهارت مُفاوضات فيينا الجارية حاليًّا ببُطِئ السّلحفاة، بينها وبين الدّول السّت الكُبرى، وفَشِلَت بالتّالي في التوصّل إلى تسويةٍ مُرضيةٍ تُعيد الحياة إلى الاتّفاق النووي، فإنّ منطقة “الشّرق الأوسط” ستَقِف أمام خِيارين: إمّا الحرب الإقليميّة العُظمى، أو انضِمام إيران إلى النّادي النّووي العالمي.
***
هُناك ثلاثة تطوّرات رئيسيّة يجب أخذها في الحُسبان إذا أردنا استِقرار المشهد الإقليمي الشّرق أوسطي وأحداثه المُحتَملة في الأشهر القليلة المُقبلة:
الأوّل: تصريحات أدلى بها الجِنرال غابي أشكنازي على هامِش اجتِماع لوزراء خارجيّة اليونان وقبرص وإسرائيل، وممثّل عن وزارة الخارجيّة الإماراتيّة، قال فيها “إنّ إسرائيل ستفعل كُل ما يلزم لضَمان عدم امتِلاك إيران أسلحةً نوويّة، وأخذنا وقتًا لمُناقشة التحدّيات التي تُشكّلها إيران و”حزب الله” والمُتطرّفون الآخرون على استِقرار الشّرق الأوسط والسّلام الإقليمي”.
الثّاني: الرّسالة التي بعث بها السيّد علي خامئني المُرشد الإيراني الأعلى إلى قائد الجيش اللواء عبد الرحيم موسوي ويقول فيها “إنّ الجيش يجب أن يكون حاضرًا في السّاحة وعلى أُهبَة الاستِعداد لتنفيذ المهام التي يُكلّف بها”، وتزامن ذلك مع كشف الجِنرال يوسف قرباني قائد سلاح الجو امتِلاك إيران أكبر أُسطول للمروحيّات في الشّرق الأوسط.
الثّالث: اتّخاذ “حزب الله” إجراءات طوارئ استِعدادًا للأسوأ، بما في ذلك انهِيار الدولة اللبنانيّة، واحتِمال انفِجار الحرب، تشمل توزيع بطاقات تموين، ومُستودعات أدوية، ومواد غذائيّة، وتجهيز صهاريج لتخزين الوقود القادم من إيران، وعدم العمل بالاعتِبار الطّائفي في توزيع حصص الدّواء والغذاء والوقود في مناطقه.
من الواضح أنّ “حرب السّفن” التي أشعلت حُكومة نِتنياهو فتيلها، وعمليّات جهاز “الموساد” في اختِراقه العُمق الإيراني، وتنفيذ هجمات استفزازيّة استعراضيّة كان آخِرها زرع قنبلة في غرفة التحكّم بالطّاقة الكهربائيّة في مُنشآة “نطنز” قد أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، فالرّد الإيراني لم يَقتصِر على قصف سُفن إسرائيليّة في باب المندب وبحر عُمان، ووصل إلى الرّد “السّوبر” الذي لم يتوقّعه أحد، أيّ رفع نسبة تخصيب اليورانيوم بمِقدار الضّعفين، أيّ 60 بالمِئة.
هُناك نظريّتان تُسَلِّطان الأضواء على أهداف هذه الخطوة الإيرانيّة التي لم يتوقّعها أحد، وصدَمت الأمريكيين والأوروبيين وحُلفاءهم الإسرائيليين والعرب في منطقة الخليج:
الأولى تقول إنّ إيران لم تُقدِم على قرار رفع نسبة التّخصيب إلا كورقة ضغط لتحسين موقفها في مُفاوضات فيينا من حيث “ترهيب” الولايات المتحدة وحُلفائها الأوروبيين، ودفعهم للتّجاوب مع جميع شُروطها ورفع 1650 قرارًا بفرض العُقوبات بِما في ذلك المُتعلّقة بالأنشطة النوويّة.
الثّانية تُؤكّد أنّ قرارًا بالتّخصيب على هذا المُستوى المُرتفع، لا يُمكِن أن يكون مُناورةً وإنّما في إطار استراتيجيّة مُحكَمة الإعداد، للانتِقال إلى المرحلة الأخيرة، أيّ إنتاج يورانيوم مُخصّب بنسبة 90 بالمِئة، وبِما يُؤهّلها من امتِلاك القُدرة لإنتاح أسلحة نوويّة، وبشَكلٍ سريع إذا صدرت التّعليمات من المُرشد الأعلى في هذا الصّدد.
يَصعُب علينا أن نستبق الأحداث، ونُرجّح أيّ من النّظريّتين، ولكن اتّخاذ قرار التّخصيب فجأةً وبنسبة 60 بالمِئة يكشف عن ثقة بالنّفس وقرار مدروس ومن موقع القويّ القادر على تحمُل جميع التّبعات التي يُمكِن أن تترتّب عليه سِلمًا أو حَربًا.
لا نعتقد أنّ قِيادة “حزب الله” التي تُنَسِّق بشَكلٍ دائم ومُستمر مع القِيادة الإيرانيّة، وتملك معلومات مُوثّقة عن ما يدور في عقل هذه القِيادة، وتعلم علمًا يقينًا بكُل مُخطّطاتها في المرحلة الحاليّة، تُقدِم على تخزين الغذاء والدّواء والطّاقة، وتُوزِّع البِطاقات التموينيّة على سُكّان الضّاحية الجنوبيّة والجنوب حاضِنتها الأهم، تَحَسُّبًا لانهِيار الدولة اللبنانيّة فقط، وإنّما تَحَسُّبًا لوقوع حرب، سواءً كانت أهليّة أو إقليميّة، ومن يقول بغير ذلك لا يَعرِف السيّد حسن نصر الله، ولا يَعرِف حالتيّ اليأس والقلق التي تعيشها “إسرائيل” والولايات المتحدة وقد تدفعهما للإقدام على هُجوم ما ضدّ إيران والحزب بسبب فشل كُل خطط التّجويع وتدمير الدولة اللبنانيّة وتقويضها من الدّاخل في نزع سِلاح الحزب، خاصّةً بعد تضخّم ترسانة صواريخه الدّقيقة القادرة على ضرب كُل مراكز البُنى التحتيّة في العُمق الفِلسطيني المُحتل، علاوةً على مشاريع ومنصّات إنتاج الغاز شرق البحر المتوسّط.
***
مُعظم الأطراف في منطقة الشّرق الأوسط، إن لم يكن كلّها، تعيش حالةً من القلق والارتِباك، باستثناء دُول وأذرع محور المُقاومة، ونُضيف إليها الولايات المتحدة التي تتلقّى الصّفعات في أوكرانيا والبحر الأسود، وجنوب بحر الصين، وتستجدي إيران للعودة إلى الاتّفاق النووي، وتُقَدِّم لها التّنازل تِلو الآخَر، وسُبحان مُغيّر الأحوال.
قواعد الاشتِباك تتغيّر، ليس في صالح إسرائيل وأمريكا وحُلفائهما في المنطقة، وإنّما في صالح الشّعوب المقهورة التي عانت، وتُعاني من حُروب هذا المحور وحِصاراته ومُؤامراته طِوال المئة عام الماضية، والأيّام المُقبلة حافِلةٌ بالمُفاجآت، وقد يكون أوّلها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم الإيراني إلى 90 بالمِئة، ألم يَقُل أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي إنّ إيران على بُعد أسابيع من إنتاج أسلحة نوويّة قبل أربعة أشهُر؟ نَتْرُك الباقي لفهمكم.. واللُه أعلم.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية