ما هي الرّسائل التي تَحمِلها زيارة ظريف المُفاجئة لبغداد؟ ولماذا اختار الكاظمي الرياض وليس طِهران المحطّة الأولى لجولتهِ الخارجيّة؟ وهل سينجح في تكريسِ “حِياد” العِراق حيث فَشِل حُلفاء أمريكا في لبنان؟ وكيف سيكون الرّد الإيراني؟
تضاربت الآراء حول زيارة السيّد محمد جواد ظريف وزير الخارجيّة الإيراني إلى بغداد التي قام بها اليوم والرّسائل التي يحملها إلى القِيادة العِراقيّة وخاصّةً إلى السيّد مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء، الذي يستعدّ لشدّ الرّحال إلى الرياض في أوّل جولةٍ خارجيّةٍ له مُنذ تولّيه مهام منصبه.
اختَيار السيّد الكاظمي للعاصمة السعوديّة وليس طِهران، لكيّ تكون المحطّة الأولى في هذه الجولة، وإصراره على دور مُتوازن للعِراق “مُحايد” في المِنطقة، خطوةٌ مدروسةٌ بعنايةٍ، ورسالةٌ واضحةُ المعالم، تُؤكّد أنّ النّفوذ الإيراني في العِراق الذي بلغ ذروته بعد الاحتِلال الأمريكيّ عام 2003، لن يكون بالصّورة “المُهيمِنة” التي كان عليها في عهد الحُكومات السّابقة، حسب اعتقاد الكثير من المُراقبين، وهذه “مُغامرة” تتّسم بالكثير مِن الشّجاعة، ولكنّها محفوفةٌ بالمخاطر أيضًا، ولعلّ صاروخيّ الكاتيوشا اللذين سقَطا قُرب السّفارة الأمريكيّة في المِنطقة الخضراء فور مُغادرة السيّد ظريف لها، أحد الأدلّة في هذا الصّدد.
السيّد ظريف الذي التقى بالسيّد الكاظمي بالمِنطقة الخضراء، حَرِصَ أيضًا على أن تكون البُقعة التي اغتيل فيها اللّواء قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري، قُرب مطار بغداد، المحطّة الأولى في زيارته، وقراءة الفاتحة على روحه، وكُل الذين كانوا في صُحبته ساعة تفجير السيّارة، وخاصّةً رفيق دربه أبو مهدي المهندس، ولعلّه أراد مِن خِلال هذه “اللّفتة” تذكير السيّد الكاظمي وحُكومته بهذه الجريمة الأمريكيّة، والتّأكيد أنّ الثّأر “للمرحومَين” لم يَكتمِل بعد.
الإيرانيّون لم يكونوا قطعًا من بين “السّعداء” باختيار السيّد الكاظمي رئيسًا لوزراء العِراق، بعد إجبار الحِراك الشعبي الديمقراطي رجلهم المُفضّل عادل عبد المهدي على الاستِقالة، وإفشال مسعى المُرشّحين الآخَرين لخَلافته، السيّدين محمد توفيق علاوي، وأسعد العيداني مُحافظ البصرة السّابق، في الحُصول على ثِقَة البرلمان، وهُم يملكون الكثير مِن أوراق الضّغط مُمثّلةً بفصائل الحشد الشعبي التي يُمكن أن تجعل تقارب الكاظمي مع أمريكا ومِحورها، مسألةً صعبةً ومحفوفةً بالمخاطر، حيثُ تُفيد التّقارير الإخباريّة أنّ واشنطن قد تكون المحطّة الأخيرة في جولتهِ الخارجيّة الأولى.
السيّد الكاظمي يُريد أن تكون الرياض الحليف الأقوى لأمريكا والمِنطقة، والسّند الحقيقيّ لحُكومته، من حيثُ الوفاء بوعودها التي قطعتها لسلفه السيّد حيدر العبادي أثناء زيارته للرياض قبل الإطاحة بحُكومته في الانتخابات الأخيرة، وأبرزها المُساعدات الماليّة، وإقامة مدينة رياضيّة، وفتح أربع قُنصليُات في المُدن العِراقيّة الرئيسيّة، وتزويد العِراق مِن حاجته مِن الكهرباء، وهي مطالب مشروعة بالنّظر إلى الأزمات التي يعيشها العِراق حاليًّا، ولكن هُناك في إيران، بل وداخِل العِراق نفسه، لا يُريد مثل هذا التّقارب، وسيسعى إلى عرقلته، لأنّه يرى في السعوديّة والولايات المتحدة عدوّين رئيسيّين، الأمر الذي يُقلّل مِن شأن الكثير من التكهّنات التي تتحدّث عن احتِمال قيام السيّد الكاظمي بجُهود وساطة لإزالة الخَلافات وتحقيق التّقارب بين طِهران والرياض، ولكن لا شَيء مُستبعد في السّياسة.
مَهمّة السيّد الكاظمي في تكريس هُويّة “حيادية” للعِراق أشبه بطُموح الجناح “المُعتدل” والقريب من أمريكا، أي الابتعاد عن إيران وحُلفائها (حزب الله)، ولهذا تبدو هذه المَهمّة الطّموحة محفوفةً بالمخاطر الجمّة، ليس لأنّ العِراق العظيم ليس لبنان فقط، وإنّما أيضًا لأنّه مُلتَصِقٌ جُغرافيًّا وتاريخيًّا مع الجارِ الإيرانيّ القويّ أيضًا، وللجُغرافيا والجِوار أحكامهما التي لا يُمكِن تجاوزهما.
مِن حقّ السيّد الكاظمي “الاجتِهاد”، وهذه شجاعة تُحسَب له، فإذا أصاب فلَهُ أجران، وإنْ أخطأ فلَهُ أجْرُ المُجتهدين على الأقل، وكانَ الله في عَونهِ في جميع الحالات.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية