ماذا فعل المواطن الحربوق ؟!

قال لي صاحبي : أنا حربوق !

ولم أفهم في البداية معنى العبارة، لكني استعدتها سريعا من ذاكرة الحارة الشعبية، فالحربوق هو الشاطر الذي يعرف كيف يدّبر حاله، ويقلّب الأمور لصالحه بأقل الخسائر، وبأيسر السبل، وحَرْبَقَ في عمله كما ورد في معجم تاج العروس/ أَفْسَدَه.

وصاحبي، خاف من تبعات الحرب، فدفعتهُ (حربقته) إلى نسج شبكة مثل شبكة العنكبوت، لضمان أموره المالية، تلافيا لأي حال تأتي عليه بالسوء، وخاصة إذا ما حدثت تطورات مفاجئة:

اشترى مئات الدولارات ومئات اليورهات وجمع عدة مئات من الألوف من الليرات، كذلك وضع راتبه في صرافات المصرف العقاري، ووضع حساباً في المصرف التجاري، ووضع كمية من العملة الصعبة في أحد البنوك الخاصة، وترك في بيته مبلغا مهما من المال . وقال لي: أنا جاهز لأي مستجد !

فسألته وأنا أعد الآلاف القليلة التي في جيبي : ــ كيف ؟!

فأجابني : الحرب تفاجئ الجميع، وعلينا أن لا نُفاجأ بأي شيء ..وقال يوضح خطته: افترضْ مثلا أن النقود التي معي ضاعت أو فُقدت، فلدي في البنوك ما ينقذني من أزمتي، أو افترضْ أن البنوك أغلقت، فلدي في البيت ما ينقذني، وإذا أغلقت البنوك الخاصة، فلدي في بنوك الدولة، والعكس صحيح..

وظل يضع الفرضيات حتى شعرت أن بإمكاني الاعتماد عليه في كل الأوقات !

وتفاقمت الحرب..

ارتفعت الأسعار، وانخفضت قيمة العملة المحلية، وراحت القذائف والسيارات المفخخة والانفجارات ودويّ القصف تقض مضاجعنا، وتهز أرجاء الأمكنة التي نعيش فيها. لم تعد الرواتب والأجور تكفي، وضاعت مدخراتنا في جحيم الغلاء، أما العملة الصعبة فلم يعد أحد يُفرّط فيها لأنها طوق النجاة، كما تبدّى للبعض ..

ثم فجأة شاهدتُه. كانت حالي حال. الأوضاع سيئة. وراتب الشهر لا يكفي بنزين السيارة وفاتورة الهاتف الجوال. أشرقَ وجهي. لا أعرف لماذا شعرت أن صاحبي (الحربوق) اشتغل (عينْ العقلْ ) بخططه الجهنمية. وعانقتُه، وأنا أسأله بشوق:

ــ أين أنت يا رجلْ ؟!

ارتبك صاحبي (الحربوق) . لم يشأ أن يجبني على سؤالي . بل سألني :

ــ أنت الذي غبت . هل سافرت؟ فقلتُ : لا ! وسريعا ، دخلت في الموضوع، وصارحته :

ــ أنا بحاجتك ، فالوضع تعبان ! وأضفت وأنا ألهث تعبيرا عن صدق الحال، فرد بسرعة :

ــ خليها لربك !

ــ خير يا رجل ؟ قلت لي أنك حسبت حسابا لكل الاحتمالات ، فما الذي حصل ؟!

بلع ريقه كمن صام يومين متتاليين ، ثم قال :

ــ كل ما ادخرته في جيبي. ضاع مثل شربة ماء. أنت تعلم المعيشة تحتاج إلى نهر!

وقبل أن أسأله عن الدولارات واليورهات والمصارف، قطع عليّ الطريق ، وقال :

سحبتُ كل ما لديّ من البنوك، وجمعت ما بحوزتي من عملة صعبة، واشتريت ذهباً لأن الذهب كان أفضل المقتنيات التي لا تخسر قيمتها !

فقلت له : ممتاز . هذا يعني أنك ربحت الكثير .. فهز رأسه يتصنع الحزن، وقال:

ــ وضعت الذهب في بيتي ، وماهي إلا أسابيع حتى هاجمنا المسلحون ، وهاجرنا ، ولم أتمكن من سحب الذهب الذي أخفيته في البيت. ولا أعرف ما الذي سيؤول إليه مصيره!

مضت سنة أو سنتان، قبل أن أراه من جديد، وكانت المنطقة التي يسكن فيها قد عادت إلى سيطرة الدولة، ووجدتُه فرحاً بعد أن وجد بيتَه على ماهو عليه، قال لي :

ــ البيت يحتاج لتصليحات، وفرش والذي منه .. والحمد لله .. صار وقت الدولارات واليوروهات التي خبأتها لتحل المشكلة !

سألته : والذهبْ ؟!

ارتبك صاحبي .. الحربوق لم يحسب حسابا لسؤالي، فدارى ارتباكه قائلاً :

ــ خليها لربك يارجل !

فأجبتُه، وأنا أهز رأٍي وأبتسم :

ــ إذا احتجت لشيء فأنا جاهز!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى