ماذا يجني اردوغان من أيا صوفيا غير استغلال الدين في السياسة
قال البابا فرنسيس الأحد إنه يشعر بالألم لقرار تركيا تحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد ليصبح بذلك أحدث زعيم ديني يندد بهذه الخطوة.
وقال خلال عظته الأسبوعية في ساحة القديس بطرس “فكري مشغول باسطنبول. أفكر في القديسة صوفيا والألم يعتصرني“.
وطالب مجلس الكنائس العالمي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعدول عن قراره الذي وصفه البطريرك بارثولوميو الزعيم الروحي للمسيحيين الأرثوذكس في العالم والذي يتخذ من اسطنبول مقرا له بأنه مخيب للآمال.
كما تلقت اليونان قرار تركيا تحويل آيا صوفيا الموقع الأرثوذكسي العريق، إلى مسجد بوصفه “استفزازاً”، في حدث من شأنه أن يزيد من تدهور العلاقات بين أنقرة وأثينا.
وقال أردوغان ان تركيا مارست “حقها السيادي” عندما حولت المبنى إلى مسجد وأنها ستعتبر انتقاد هذه الخطوة تعديا على استقلالها.
وأدانت اليونان الخطوة التركية وقالت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) إن لجنتها للتراث العالمي ستبحث وضع آيا صوفيا وإن قرار تركيا أثار التساؤلات بشأن تأثيره على قيمة المبنى العالمية باعتباره موقعا تتجاوز أهميته الحدود والأجيال.
ويقول مدير المعهد اليوناني للعلاقات الدولية قنسطنطينوس فيليس لوكالة الصحافة الفرنسية إنّ “هذا الاستفزاز التركي الجديد، الموجه إلى الغرب لا إلى اليونان فحسب، يلقي عبئاً إضافياً على (العلاقات) بين أثينا وأنقرة”.
وكان مجلس الدولة التركي وافق الجمعة على طلبات قدمتها منظمات عدة تدعو إلى إبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 ينص على جعل آيا صوفيا متحفا. بعد ذلك بقليل، أعلن إردوغان أن أبواب هذا الصرح البيزنطي ستفتح أمام المسلمين للصلاة في 24 تموز/يوليو.
وأثار هذا القرار ضجة وسخطاً في عواصم العالم، من واشنطن إلى باريس، وخصوصاً في الدول الأرثوذكسية كاليونان وروسيا.
ودان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس القرار التركي “بأشدّ العبارات”.
وقال ميتسوتاكيس، في بيان، إنّ القرار “لن يؤثر على العلاقات بين اليونان وتركيا فحسب، بل أيضاً على علاقات تركيا بكل من الاتحاد الأوروبي ويونيسكو والمجتمع الدولي بأسره”.
وكانت وزيرة الثقافة اليونانية لينا مندوني وصفت القرار التركي بأنّه “استفزاز للعالم المتحضر”.
والأحد، ندد رئيس أساقفة أثينا وكل اليونان إيرونيمس بـ”استغلال الدين من أجل غايات حزبية أو جيوسياسية”.
وأضاف أنّ “الازدراء والغطرسة لا يعنيان الأرثوذكسية والمسيحية فحسب، وإنما البشرية المتحضرة برمتها، بمعزل عن الدين”.
بالنسبة إلى قسطنطينوس فيليس، فإنّ القرار ينطوي على “رسالة مزدوجة”، واحدة موجهة إلى الداخل التركي حيث يواجه إردوغان تراجعاً في شعبيته، فيما الثانية موجهة إلى الغرب.
ويعود ذلك إلى واقع أنّ تركيا تريد الهيمنة على المشهد في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي الشرق الأوسط.
ويذكّر فيليس “بالعدائية التركية المتواصلة منذ عام في المنطقة: محاولاتها استغلال موارد الطاقة في جنوب-شرق المتوسط، مواصلة الهجمات في شمال سوريا وفي العراق أخيراً، وتدخلها في النزاع الليبي”.
وتاريخياً، تتصف العلاقات بين اليونان وتركيا البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، بالتشنج، وتراجعت في السنوات الأخيرة على خلفية ملف الهجرة غير الشرعية.
وتقول المؤرخة كريستينا كولوري “بلا أدنى شك، القرار بشأن آيا صوفيا لم يعكس حاجةً لأن اسطنبول لا تفتقر إلى المساجد”.
تعتبر كولوري، وهي أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة بنتيون في اثينا، إنّ “لهذا القرار رمزية خاصة وهو يفيد بكونه أداة ضغط على أوروبا حيث يمثّل التنازع بين المسيحية والإسلام عاملا بارزا في الهوية الأوروبية”.
وتقول إنّ سيطرة العثمانيين على القسطنطينية في القرن الـ15 شكّل “قطيعة في تاريخ أوروبا التي كانت تمثّل العالم المسيحي، وهذا اعتقاد يتواتر في اللاوعي الجماعي”.
وآيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وأدرجت على لائحة اليونسكو للتراث الإنساني.
وفي اليونان، فإنّ تعريف القسطنطينية كما لا يزال يونانيون يسمون اسطنبول، ملتصق التصاقا وثيقاً بآيا صوفيا.
وتوضح كريستينا كولوري أنّ “الإمبراطورية البيزنطية إحدى مكوّنات الهوية اليونانية، وإحدى مكوّنات تاريخ وديانة البلاد، وهي الصلة بين العصر الإغريقي واليونان المعاصرة”.
وشغل حدث تحويل آيا صوفيا إلى مسجد العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام اليونانية في نهاية هذا الأسبوع. وتناولت يومية كاثيميريني الشهيرة “البعد السياسي” لهذا القرار في الداخل التركي، معتبرة أنّه “يلغي علمانية الدولة” ويعكس “غطرسة إردوغان”.
وبقيت آيا صوفيا مسجداً منذ سيطرة العثمانيين على القسطنطينية في 1453، إلى العام 1934 حين أصبحت متحفاً بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية مصطفى كمال أتاتورك بهدف “إهدائها إلى الإنسانية”.
وعلّقت “جريدة المحررين” اليونانية (يسار) أنّ “الرئيس التركي اختار لحظة تتصف بتراجع شعبيته من أجل اتخاذ قرار يلغي إرث مصطفى كمال”.
ميدل إيست أونلاين