ماذا يُخبئ “عش الدبابير” لإسرائيل؟..
يومًا بعد يوم تكتشف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بأن كل المخططات “الصارمة” التي وضعتها للسيطرة على مدن الضفة الغربية المحتلة، والتحكم بيد من حديد في مقاومتها ومعاجلة غضب الفلسطينيين، تفشل مجددًا وتتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى.
وبعد أن كان مخيم “جنين” شمالي الضفة الغربية، يمثل العقبة الأمنية الأبرز والأخطر بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي وجيشه، لما يمثله من مقاومة باسلة وعنيدة داخل المخيم وخارجه، إلا أن مناطق ومدن أخرى بدأ تقتضي بهذا “النموذج المقاوم”، لتظهر شوكة أمنية أخرى ستزعج إسرائيل كثيرًا خلال الفترة المقبلة.
الحديث هنا يدور عن مدينة “نابلس”، التي عجت خلال الساعات الماضية الكثير من الصحف والمواقع العبرية في الحديث عنها، وكانت لها لما يُطلق عليها “عش الدبابير” نصيب الأسد في التغطية والمتابعة، لما شكلته خلال الاشتباكات المسلحة الأخيرة مع جيش الاحتلال من حدث أمني خطير بعثر مخططات إسرائيل، وفقًا للتحليلات والمراقبين داخل دولة الاحتلال.
وتشهد مناطق الضفة الغربية تصاعدًا في مقاومة الاحتلال ومواجهة اقتحاماته اليومية والتصدي لها، حيث شهدت البلدة القديمة بنابلس، فجر الأحد، تصديًا فريدًا من نوعه لاقتحام الاحتلال واشتباكات عنيفة من قبل المقاومين مع قواته، أدت لاستشهاد المقاومين الفلسطينيين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح.
ووفقًا للإعلام العبرية فإن الحوادث الأخيرة التي شهدتها نابلس تصفها أجهزة أمن الاحتلال بأنها “خطيرة”، وتثير قلقا كبيرا لدى المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، ومنها الاشتباك المسلح العنيف الطويل نسبياً في حي “القصبة” بالمدينة، ما كشف عن وجود وسائل قتالية كثيرة أو الخشية الإسرائيلية من فقدان السلطة الفلسطينية تدريجيا لقبضتها الأمنية على المدينة، كما حدث في جنين التي أصبحت الآن “عاصمة المقاومة” في الأراضي الفلسطينية، وفق التوصيف الإسرائيلي.
وتستخلص المحافل العسكرية الإسرائيلية من هذا الاشتباك أن جنود الاحتلال وضباطه أمام مزيد من العمليات المعقدة في المستقبل، لأنهم يشهدون زيادة في استخدام الأسلحة من قبل قوى المقاومة، ما يعني أن الاحتلال سيكون أمام فترة طويلة من النشاط لإحباط الهجمات المسلحة.
ويقول العقيد الإسرائيلي أريئيل غونين قائد لواء جفعاتي الذي شارك في عملية نابلس إننا “شهدنا اشتباكا كاملا، تخلله تبادل لإطلاق النار، واقتحام ثلاثة مبان، وإطلاق صواريخ لاو وماتادور على البناية التي تحصن فيها المسلحون، فيما جاء آخرون لمساعدتهم، وأطلقوا النار على القوات الإسرائيلية من فوق أسطح المنازل في البلدة القديمة من نابلس، وبعد انتهاء المعركة، ودخول الجنود إلى المبنى، عثروا على العديد من الأسلحة والعبوات الناسفة، ما يؤكد معلوماتنا عن زيادة في استخدام الأسلحة في المنطقة”.
وأضاف في حوار مع صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن “منطقة شمال الضفة الغربية تستيقظ، حول جنين كما كان في السابق، والآن حول نابلس، ما يعني أن الوضع الأمني العام ما زال متوترا، وخطر وقوع المزيد من الهجمات سيبقى قائماً، وفي تقديري سيكون هناك وقت طويل لنكون فيه مشغولين بملاحقة منفذيها ومخططيها، من خلال جهود الجيش وتعزيزاته الميدانية، ولكن ستكون هناك دائمًا حوادث مسلحة، ومحاولات لتنفيذ عمليات، وهذا لن يختفي في يوم واحد”.
ويكشف حديث الضابط الإسرائيلي عن إحساس إسرائيلي بالقلق من التطورات الأمنية المتلاحقة في الضفة الغربية، رغم حالات الهدوء النسبي بين حين وآخر، ما يجعل جيش الاحتلال في حالة استنزاف مستمرة على مدار الساعة استمرارا لعملية “كاسر الأمواج” التي بدأها عقب سلسلة هجمات مارس وأبريل ومايو، من خلال مواصلة الاعتقالات اليومية، وإغلاق مئات الثغرات على طول خط التماس، وتحصيل المعلومات الاستخباراتية الميدانية، لوقف ما يسميها الاحتلال “القنابل الموقوتة”.
ويعد اقتحام قوات الاحتلال لمنطقة القصبة في نابلس سلوكا معقدًا وخطيرًا للغاية، لأنها تعتبر “أعشاش الدبابير” للمسلحين الفلسطينيين في شمال الضفة، وتعتبر تجمعا سكانيا كثيفا، ووفق مزاعم أجهزة أمن الاحتلال فقد بدأت تعمل فيه في الآونة الأخيرة خلايا مسلحة تتجول بحرية، وتقوم بتنفيذ العديد من عمليات إطلاق النار ضد قوات الجيش والمستوطنين على الطرق المرورية القريبة.
وتشير تقديرات جيش الاحتلال إلى أن 75% من حوادث إطلاق النار جاءت من هذه المناطق، ورغم مزاعم الاحتلال بأن الهدف من اقتحام نابلس، بجانب اغتيال عدد من المقاومين، أنه يسعى الى إشعار باقي المسلحين بأنهم يعيشون في حالة من المطاردة المستمرة، وجعلهم يشعرون بأنهم غير آمنين، حتى في القصبة، التي تعتبر مكانا آمنا لهم، ورغم ذلك فإن ضابطا كبيرا شارك في العملية أكد أنه “من المستحيل منع الهجمات المسلحة بمجرد إغلاق جدار الفصل، وتنفيذ هذه الاقتحامات، لأننا أمام عمليات خطيرة”.
وفي هذا الصدد يؤكد الكاتب والمحلل السياسي محمد القيق على أن حالة المقاومة التي شهدتها نابلس، هي امتداد لحالة المقاومة في جنين والتي تشعبت في طوباس، وانتقلت مؤخرا بشكل نسبي إلى رام الله والخليل.
وأوضح القيق أن هذه المقاومة الممتدة في الضفة ملهَمة من معركة “سيف القدس”، التي ثبتت قواعد جديدة في المواجهة مع الاحتلال، وعززت نظرية الجبهة الداخلية الفلسطينية والحاضنة الشعبية للمقاومة، قائلاً “إن حجم الجماهير التي شاركت في التشييع وحجم التفاعل مع المواجهات، يصفع نظرية الاحتلال الترويضية للضفة الغربية من خلال خطة دايتون ومولر، أو من خلال الخطة الأمنية الاقتصادية التي بناها نتنياهو سابقا”.
وأضاف المحلل السياسي: “في ظل هذا التطور للمقاومة، وجب على الفصائل أن تعطي قرارا بتحريك قواعدها وجماهيرها ليكونوا إسنادا من خلال التفاعل السلمي الشعبي الثوري في مدن الضفة الغربية، ولا يكفي أن نقوم بإدانة وشجب الجريمة، ولا يكفي أن نحيي مقاوما يواجه الاحتلال”.
ولفت إلى أن “عملية كاسر الأمواج التي تشنها قوات الاحتلال لكسر المقاومة، ليست سهلة، ويجب ألا نبخس منها، بقدر ما يجب أن نواجهها كي تكون قواعد مواجهة جديدة وموسعة”.
وشدد على ضرورة مواجهة عملية الاحتلال لكسر المقاومة بالحاضنة الشعبية والدرع الشعبي، من خلال الفصائل وقواعدها وتفعيلها بالضفة الغربية، عبر مسيراتها وفعالياتها؛ حتى يكون شعبنا أمام المجتمع الدولي شعبًا ينشد حقه، ويحمي مقاومته ويسند نفسه.
بدوره، أوضح المختص في الشأن الصهيوني عماد أبو عواد أن شهداء نابلس ومواجهتهم القوية لمواجهات الاحتلال حظيت اهتمامًا واسعة لدى إعلام الاحتلال، وقال: “يستغربون تصاعد المواجهة والمقاومة، كأنّهم تشربوا كذبة بن جوريون أنّ الصغار سينسون، لكن الواقع على الأرض يؤكد أنّ الاحتلال إلى زوال وبأنّ الجيل الفلسطيني الجديد على درب الأجداد وعمله أكثر تأثيرا، وهذا الوضع الطبيعي لأي شعب يخضع تحت الاحتلال”.
وتابع: “المشكلة أنّ ما يعيه الاحتلال بأنّ القوّة الفلسطينية في تصاعد وأكثر إصرارا على مواجهته، هناك أطراف فلسطينية لا زالت تعزف على وتر تأجيج الصراع الداخلي، بدل الالتحام مع قوى الشعب المختلفة”.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية