ماريسا سيلفر: أحبّ «ألف ليلة وليلة» ونجيب محفوظ وعلاء الأسواني
«لا أستطيع الكتابة إلا وأنا أسمع صوت أطفالي». هكذا عبرت الكاتبة الأميركية ماريسا سيلفر عن ارتباط «فعل» الكتابة بالنسبة إليها بمسار حياتها اليومية ذاتــه بما فيــه من حيوية وصيرورة. هي تطرقت أخيراً إلى ذلك خلال محاضرة لها ضمن فاعليات مهرجان القـاهـرة الأدبـي في دورته الثانية.
تفرغت ماريسا سيلفر للكتابة بعد أن تركت عملها في السينما، وحظيت مجموعتها القصصية الأولى «بابي في الجنة» 2001 باحتفاء نقدي، حتى أن «نيويورك تايمز» اعتبرتها من أهم كتب العام، بينما اعتبرتها «لوس أنجليس تايمز» أفضل كتب العام. كانت روايتها «ماري كوين» ضمن أكثر الكتب مبيعاً عام 2013، وفازت بجائزة الرواية من اتحاد كاليفورنيا الجنوبية المستقل للكتب الأكثر مبيعاً. لم يترجم من أعمال ماريسا سيلفر إلى العربية غير عدد من القصص ترجمها الكاتب أحمد شافعي على هامش الملتقى.
عملت ماريسا سيلفر مخرجة ومنتجة، وأول أفلامها كان في عنوان «كبير بما يكفي»، وقد أخرجته وهي في الثالثة والعشرين من عمرها وكانت وقتذاك تدرس في جامعة هارفارد، وفاز هذا الفيلم بجوائز عدة عام 1984. ثم أخرجت ثلاثة أفلام أخرى حتى عام 1991 وشاركت زوجها المخرج كين كاوابس في العمل كمساعد مخرج. بعد ذلك اتجهت إلى كتابة القصة القصيرة ونشر قصتها الأولى في مجلة «نيويورك» عام 2000. وصدرت لها حتى الآن ثلاث مجموعات قصصية وثلاث روايات، آخرها «اللاشيء الصغير» التي صدرت عام 2016.
هنا حوار معها:
• ما سر هذا التحول في مجال عملك بعد مشوار ليس بقصير مع السينما في هوليوود؟ هل لهذا علاقة باهتمامك بالجانب البصري في كتاباتك، وتقنيات السينما الواضحة في النصوص التي قرأتها لك حتى الآن؟
– رغم أنني استمتعت للغاية بتجاربي في صناعة السينما، إلا أنني كلما اشتغلت أكثر في ذلك المجال، أدركت أن نوعية الحكايات التي تثير اهتمامي هي تلك الحكايات التي تركز على التعاملات الدقيقة بين الناس، أكثر من المدى الواسع للحبكة التي تكون القوة الدافعة لحكايات كثير من الأفلام. بتحولي إلى الأدب، تمكنت من الحكي بطريقة شعرت بأنها في جوهرها طبيعية بصورة أكبر. وبعد أن قضيت عقداً من الزمان أتخيل الحكايات بصورة بصرية، فإن ذلك قد أثر بالطبع في أسلوب كتابتي، بخاصة في الطريقة التي أتخيل بها العلاقة بين الشخصية والمكان الذي يسكن أو تسكن فيه، سواء كانت غرفة محددة أو صحراء. أنا منبهرة بالطرق التي تؤثر بها الأماكن التي نسكنها في شخصياتنا، وكيف يصبح الهواء الذي نتنفسه والأرض التي نمشي فوقها جزءاً من أرواحنا. شخصية يتم تصويرها على خلفية معينة – إنه اهتمام سينمائي للغاية.
• حظيت أعمالك القصصية والروائية بتقدير نقدي كبير، وحققت مبيعات كبيرة، رغم أن هناك نوعاً من الفصل بين الأعمال ذات القيمة التي غالباً لا تحظى برواج وبين الأعمال التي توضع في قوائم الأكثر مبيعاً، والتي غالباً ما يعتبرها النقاد أقل قيمة… هل حققت أعمالك هذا التوازن؟
– هذا السؤال يثير اهتمامي بسبب كلمة «قيمة» التي تتحدثين عنها. لديَّ شكوك حول فكرة القيمة هذه. مَن الذي يحدد؟ ومَن يمكنه القول أن كتاباً يحقق مبيعات عالية، لكنه تبعاً للآراء النقدية ليست له قيمة أدبية، لا قيمة له بالنسبة إلى الأشخاص الكثيرين الذين قرأوه ومِن المفترض أنه حاز إعجابهم؟ لذا، فعلى رغم أنني أتفق مع أن كتباً كثيرة وجدتها مثيرة للاهتمام وملهمة للغاية لا تحقق عادة مبيعات كبيرة، إلا أنني مهتمة بصورة أكبر بالطرق التي نعين بها نحن كمجتمع قيمة معينة للإنجازات الفنية.
• الولع باللحظة الآنية التي تعيد إلى البطل أو البطلة لحظات ماضية مؤثرة في حياته، إلغاء الحد الوهمي الفاصل بين الحاضر والماضي، يبدو واضحاً في نصوصك القصيرة… إلى أي حدٍ يمثل هذا محركاً لعالمك؟
– أجد العلاقة بين الماضي الذي نتذكره من جهة وأفعالنا الحاضرة من جهة أخرى مثيرة للغاية. واستخدمت كلمة «نتذكره» لأن الذاكرة ليست استدعاءً مباشراً لصورة مطابقة من الماضي، بل هي خيال منسوج من حقيقة ما حدث لنا ومن إعادة تخيل هذه الحقائق تلونها المشاعر والحنين إلى الماضي. ومن ثم نأخذ هذه الذكريات الخيالية ونستخدمها كأساس لكثير من خياراتنا في الحاضر. لذا، فإن الحاضر، والمستقبل المنبثق منه، يمكن اعتبارهما تطوراً لخيالٍ نصنعه عندما نتذكر.
• بطلة روايتك «اللاشىء الصغير» قزمة ومحور العمل تطور علاقتها بجسدها وبالعالم، وكما قرأت فإن بطلة روايتك «ماري كوين» أيضاً كان جسدها يمثل لها عبئاً… هل علاقة المرأة بجسدها ما زالت تفرض ذاتها على المجتمع الأميركي وليس على المجتمع الشرقي «العربي تحديداً» فقط؟
– بالطبع، فقضايا كثيرة تحصل في أميركا متعلقة بجسد المرأة. ما زلنا نخوض الحرب الخاصة بالحق في الإجهاض، وقضية الإجهاض لها علاقة كبيرة بما إذا كانت النساء لهن حق التصرف في أجسادهن أم لا. وحوادث الاغتصاب في الجامعات قضية كبيرة في الولايات المتحدة، ونرى الكثير من الحالات حيث يتم النظر إلى أجساد النساء على أنها أشياء يحق للرجال انتهاكها. ولقد نشأ حوار متكامل حول قضايا القبول المتبادل في العلاقات الجنسية، وهذه فكرة معقدة للغاية للنساء، إضافة إلى الرجال، لأنها تثير الكثير من القضايا بخصوص الطرق التي يفكر بها كل من الرجال والنساء في ما يتعلق بإتاحة الجنس والجسد. وبالطبع، كما شاهدنا جميعاً خلال فترة الانتخابات لدينا، فإن اللغة التي يستخدمها كثرٌ من الرجال للحديث عن المرأة قد تكون فظَّة، وبذيئة. وأكثر ما أجده مثيراً للقلق هو أن الطريقة التي تفكر بها النساء والفتيات في أجسادهن قد تأثرت بالطريقة التي تم بها تشويه سمعة أجسادهن واحتقارها بصورة منتظمة عبر الزمن.
• ليست بطلات القصص الخيالية فقط بحربهن مع صور أجسادهن المتعددة ما يشغلك، لكن أيضاً السيدات العاملات اللاتي يواجهن الحياة بأدق تفاصيلهن النفسية ويواجهن التهميش ويحملن طموحاً أكبر مما يتيحه لهن المجتمع… أليس هذا هو صراع المرأة في أميركا وفي مصر وفي كل مكان في العالم؟
– أجل، وتتعامل النساء مع هذه القضية بدرجات متفاوتة تبعاً لعوامل عدة، أين يعشن، والطريقة التي تربين بها، وكونهن قررن تكوين أسر أم لا. ومما هو مثير للاهتمام أيضاً بالنسبة لي، الطريقة المعقدة التي تنظر بها المجتمعات إلى النساء اللاتي هن طموحات، قويات وقائدات. تثير اهتمامي الطريقة التي يعتبر بها الطموح لدى المرأة متناقضاً مع فكرة المجتمع عن الأنوثة. يجب على النساء إعادة تعريف مفهوم الأنوثة في مواجهة هذه الفكرة. إنه صراع. وتثير الكتابة الاهتمام دائماً بالصراع في مواجهة المصاعب.
• حين طالعت أهم الكتب التي قرأتِها من وجهة نظرك لم يكن من بينها كتاب واحد بالعربية وهو أمر لم أستغربه، لكن كتاباً مثل «ألف ليلة وليلة» له شهرة كبيرة لدى كثير من الكتاب في الغرب، وفي الغالب يطرحونه باعتباره من أهم الكتب التي قرأوها، فهل اطلعت عليه رغم اهتمامك بالقصص الشعبية القديمة؟
– لا أعتقد أن أي قائمة أذكرها في أي وقت ستشمل جميع الكتب التي ألهمتني أو تفيها حقها، لقد قرأت «ألف ليلة وليلة» بالفعل، وفكرت فيه تحديداً وأنا أكتب رواية «اللاشيء الصغير»، التي تهتم تماماً مثل «ألف ليلة وليلة» بقوة الحكايات وفوائدها. لقد قرأت وأحببت أعمالاً لنجيب محفوظ وعلاء الأسواني. والآن بعد أن زرت مصر وألهمني الناس الذين قابلتهم هنا، سأبحث عن الأدب العربي وأقرأه حيثما وجدته. قراءة أعمال من ثقافات مختلفة هي أمر مهم للغاية بالنسبة لي ككاتبة وكشخص يسعى إلى فهم العالم البالغ التعقيد الذي أحيا فيه.
صحيفة الحياة اللندنية