مالئ الدنيا وشاغل الناس
يسعى الإسلام السياسي عن سابق إصرار وترصد، أن يظهر بمظهر ” مالئ الدنيا وشاغل الناس ” فكأنه قد حزم الأمر وآل على نفسه ضمن استراتيجية إعلامية تضليلية، وعلى طريقة غوبلز النازية، أن يكون حديث الواحد بين ” جلاّسه كلما طلعت شمس أو غربت”.. مع التنزيه الكبير لقصيدة الحلاج الصوفية الجليلة طبعا.
تبدأ هذه الخطة بإقحام الإسلاميين لأنفسهم في كل شاردة وواردة حتى وإن كانت لا تعنيهم من قريب أو بعيد، وذلك للتذكير بأنهم موجودون كالملح في الطعام، وللإيحاء بأن عقيدتهم التكفيرية تسع سلطتها السماوات والأرض، الدين والدنيا، الفردي والأسري والجماعي، الداء والدواء والنقاهة والاستشفاء.
الكثير من المنابر الإعلامية في العالمين العربي والإسلامي وحتى في الغرب الأوروبي، قد رضخت لرغبتهم في المثول من حيث لا تدري، فاستدعت حضور الإسلاميين بهيئات وتلوينات وعمائم مختلفة، وأقحمتهم في البلاتوهات التلفزيونية والندوات التخصصية والبرامج التوعوية وحتى في الندوات الإعلامية. كل ذلك كي لا تتهم بإقصاء الإسلاميين واستبعادهم أو تهميشهم وهلم جرا من تلك الكليشيهات التي تروّجها وتسوقها المظلومية الإسلامية.
باسم الحيادية والموضوعية والخوف من تهمة الإقصاء والتهميش، صار معد التحقيق الصحفي على صفحات الجرائد، أو المذيع على شاشة الندوة التلفزيونية يقحم عبارة ” أما عن رأي الشريعة في هذه المسألة فيسرنا أخذ رأي فضيلة الشيخ فلان” فيتنحنح فضيلته، يسوي عن عمامته ويبدي رأيه بعد ديباجة سمجة في قضية لا تخص الدين من أساسه أصلا، كأن يتحدث عن قول الشريعة في الفوتبول أو المسرح أو الطبخ أو الحياكة أو قيادة السيارات أو غيرها من تلك النشاطات البشرية التي لا علاقة ولا رابط للدين فيها غير النطق بعبارة ” باسم الله ” ـ إن أردت ـ أثناء البدء في مزاولتها.
يسعى الإسلاميون أن يحوطوا أنفسهم بهالة من الحضور الذي لا بد منه عبر الادعاء بإحاطتهم بكل شيء واصطناع الليونة واللطف وافتعال روح الدعابة لضمان التقبل والقبول خصوصا لدى البسطاء والعامة. وهم بهذا الأسلوب الاقتحامي يزرعون فكرة مفادها أن الطريق الآمنة نحو حياة الدنيا والآخرة لا يمكن أن تمر إلاّ من خلال فتاواهم التي لا يأتيها الباطل.
حين فشلت مساعيهم السياسية ومنيت جماعاتهم المسلحة بهزائم مشينة، وانفضت جماهير عريضة من حولهم بعد انكشاف مزاعمهم، اتجهت خطط الإسلاميين ومشاريعهم بنحو أفقي وتحتي، يركّز على التفاصيل وتفاصيل التفاصيل، مدركين من وراء هذه اللعبة أن الناس لم تعد تعنيهم الشعارات الكبيرة التي أعلنت إفلاسها ووقع دحرها. واتجهت عامة الناس إلى تدبر أمورهم والإقبال على الحياة بمعناها الاجتماعي العريض والبسيط والجميل، حينها قفز الإسلاميون من مخابئهم ليعلموا الأحياء كيف يعيشون الحياة ولكن على طريقتهم بإفساد الحياة وتسميمها عن طريق فتاواهم المسمومة.
يحاول التكفيريون أن يوهموا أنفسهم بأن كل شيء مدلّس إلى أن يصححه الإسلاميون، وكل طبخة هي فاسدة إلى أن يطلع الإسلاميون على مكوناتها، وكل كتاب هو مسموم حتى يسمح الإسلاميون بقراءته، وكل لباس هو غير شرعي إلى أن يبدي الإسلاميون رأيهم فيه.
ولأن التطرف لا دين له، فإن الأصولية الإسلامية تشبه الأصولية المسيحية في القرون الوسطى وعصر محاكم التفتيش كما أنها تشبه الأصولية اليهودية في تحريم أكل اللحوم التي لا يباركها الحاخام اليهودي قبل ذبحها.
الإسلام السياسي يحاول أن يجد له “في كل عرس قرص “، فيحشر أنفه في كل حديث وشراب وطعام ويريد التلصص حتى على غرف النوم، وذلك في محاولة بائسة للقول بأن طيفه في كل مكان، وأن الحياة مستحيلة دون أسلمة والأحزاب مضيعة للوقت دون خونجة والسياسة ماجنة دون خلقنة والأحزاب مفسدة دون تديين أوتطييف.