مجلس الشعب السوري (2من 2) :هوية الحياة البرلمانية السورية!

من المهم جدا، في هذه المرحلة التوقف عند أهمية الحياة البرلمانية عند الشعب السوري، فالحديث عن المرحلة القادمة المتوخاة في سورية يرتبط حكما بطبيعة البرلمان الجديد الذي يفترض تشكله بعد الاتفاق بين أقطاب الصراع ((إذا تم))، والذي يفترض أيضا أن يجمع تناقضات الطيف السياسي السوري تحت قبة البرلمان : مجلس الشعب الحالي.
ظل اسم ((البرلمان)) متداولا على ألسنة السوريين حتى اللحظة الراهنة، بل إن الشارع الذي يقع فيه مجلس الشعب الحالي كان ولا يزال معروفا باسم : ((شارع البرلمان)) ، وقد شرع السوريون ببناء هذا الصرح عام 1928 تحت اسم دار البرلمان السوري، ولكن المرحلة الأولى من تشييده انتهت عام 1932 ، وكانت تلك المرحلة شاهدا على أحداث كثيرة تتداخل فيها الحياة الوطنية بالدستورية ..
اليوم مر زمن طويل على ذلك، فاستقلت سورية ، وانتخبت كثيرون لشغل مقاعده، لكن ((البرلمان)) يحمل المضامين والمعاني نفسها التي عرفها العالم عنه عبر التاريخ، وأن الوفاق إذا تم سيجمع المتحاربين تحت سقف بعد أن تم تدمير نصف سورية ! ..
لقد اندفع السوريون منذ اللحظة الأولى التي صار يمكن فيها الحديث عن الكيان السوري بعد انهيار الدولة العثمانية اندفعوا إلى تشكيل أول مؤسسة تشريعية، هي ((المؤتمر السوري الأول)) عام 1919،وكانت هذه المؤسسة في دوراتها الثلاث التي عقدت بين عامي ((1919 – 1920)) ممثلاً سياسيًا ودستوريًا للسوريين في سورية الطبيعية. وعبّر هذا التمثيل عن التغيرات الاجتماعية-السياسية الجارية، فتشكلت في إطاره كتل أو أحزاب برلمانية تحمل مختلف الاتجاهات ..
كانت سورية في مطلع القرن العشرين محطة مهمة جدا في تاريخ الحراك النهضوي والسياسي الوطني والإقليمي، على الأقل لأنها دفعت ثمنا كبيرا نتيجة انضواء البلاد تحت الحكم العثماني أربعة قرون، فواجهت التتريك لفكر قومي ونهضوي واستفادت من مجاورتها للسلطنة وقربها من الأستانة إضافة إلى معاناتها من الحرب العالمية الأولى حيث سيق الكثير من أبنائها للحرب بجانب الأتراك ..
مع الانتداب الفرنسي كان الشعور الوطني عند السوريين أمام محك آخر، وخاصة أن الانتداب انكشف سريعا عن كونه نوعا من الاحتلال حمل اسم ((الاستعمار))، ومع ذلك ، وفي أقل من عقد من الزمن ، أقيمت أكثر من محاولة لانتخاب مجلس نيابي سوري ولكنها كانت دائما تتعرض للتعطيل ، ففي عام 1936جرت انتخابات من أجل مجلس نيابي، و لكن لم يدم المجلس المنبثق عنها إلا إلى سنة 1939 حيث عطله المندوب السامي الفرنسي بسبب رفض و احتجاج المجلس على سلخ لواء اسكندرون و تسليمه لتركيا. وفي سنة 1943 جرت انتخابات تشريعية نتج عنها مجلس نيابي دام حتى 29 أيار 1945, حيث هاجم الفرنسيون مبنى المجلس النيابي السوري بدمشق و قتلوا حاميته بوحشية و قصفوا دمشق و المدن السورية بالمدافع!
ومن يدقق في تاريخ هذا الهجوم على البرلمان يكتشف ببساطة أنه نتج عن مكاسرة وطنية مع الفرنسيين الذين أرداوا من حامية البرلمان أن تأدية التحية للعلم الفرنسي .. رفضت الحامية. وكانت تلك شرارة لهجوم قوات فرنسية على جميع أنحاء دمشق و المارة في الشوارع وبالمدفعية الثقيلة و العربات المصفحة والدبابات, و اشتعلت دمشق بحرائق كبيرة، والمهم في سياق حديثنا أن البرلمان سجل واقعة وطنية تاريخية مشرفة استشهد فيها كل المدافعين عنه تقريبا ، وكان هذا قيمة وطنية مضافة لهويته الاستقلالية المعروفة عنه !
عندما استفلت سورية في 17 نيسان عام 1946 بعد سلسلة ثورات وتضحيات كبيرة من السوريين ، شكل الاستقلال دافعا لتأسيس برلمان حقيقي من خلال حياة سياسية وطنية طبيعية. فكانت الانتخابات العامة سنة 1947 و تشكل المجلس النيابي, و بدأ العهد البرلماني في ظل السيادة الوطنية و بناء مؤسسات الشعب.
وقع انقلاب حسني الزعيم عام 1949 ، وجعل هذا الانقلاب الحياة الديمقراطية في خطر و قلق دائم, وتتابعت الانقلابات العسكرية و استمرت المواجهة بين المجالس المنتخبة, وبين قادة الانقلابات, و نادرا ما أكمل مجلس تشريعي مدته, أو اتيح له تأدية مهماته بأسلوب ديمقراطي سليم. و بين عامي 1951 – 1954 حكم الإنتقاليون البلاد حكما مباشرا كما نقرأ في تاريخ سورية الحديث .
بعدها أجريت انتخابات جديدة و تشكل مجلس نيابي دام ثلاث سنوات و هو المجلس الذي أقر الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 1958. و في عام 1960 جرت انتخابات لمجلس الأمة في الجمهورية العربية المتحدة, و لم يعمر هذا المجلس طويلا بسبب الانفصال و سقوط دولة الوحدة في أيلول 1961.
أجرى الانفصاليون في سوريا انتخابات عامة في كانون الثاني 1961، وتشكل المجلس النيابي الذي مارس عمله لغاية 8 آذار عام 1963 حيث انتقل التشريع في البلاد إلى ماسمي المجلس الوطني للثورة عام 1965.
بعد حركة تشرين الثاني عام 1970 وتولي الرئيس الراحل حافظ الأسد قيادة البلاد تم تشكيل مجلس شعب بالتعيين ليعد للمرحلة الدستورية التالية وضم المجلس مختلف الفعاليات السياسية والدينية: بعثيون وشيوعيون وناصريون واشتراكيون عرب ومستقلون حتى أن خالد بكداش أمين عام الحزب الشيوعي السوري نفسه كان عضوا في هذا المجلس، كما كان شارك فيه المفتي العام الشيخ أحمد كفتارو، لكن هذا المجلس المعين لم يدم طويلا ، ففي عام 1973 انتخب أول مجلس شعب سوري بعد 8 آذار 1963 ، وهو نفسه الذي يجدد دوراته حتى الآن.