محور المقاومة «يحشد» في فلسطين إعلان النفير العام
تقاطعت الرؤية المشتركة لأطراف محور المقاومة في اختبارٍ أوّلي وفعليّ لأداءه بعد سنوات من البرود والركود في ما يخصّ القضية الفلسطينية، بعد اشتعال وانشغال معظم الدول العربية في حروب هبّت عليها خلال أحداث «الربيع العربي». ثمة فرصة تلوح لانتفاضة ثالثة يطلقها الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يواصل احتجاجه في الشارع ويراكم القلق والخوف لدى كل من الأميركيين والإسرائيليين. تصريحات السيد حسن نصرالله من جهة، واتصال الجنرال قاسم سليماني بقيادتي العسكر لدى «الجهاد الإسلامي» و«حماس» من جهة أخرى، وتواصل قيادة الأخيرة مع حسن روحاني، أكملت مشهداً محفّزاً للفلسطينيين لمواصلة المواجهات.
بات واضحاً بعد خمسة أيام على بدء الاحتجاجات على الاعلان الأميركي «القدس عاصمة لإسرائيل»، أن الشعب الفلسطيني، وإن تركته قيادته الرسمية وحيداً، بات اليوم مدعوماً بقرار معلن وواضح لدى محور المقاومة ــ والفصائل الفلسطينية ــ باستمرار الاحتجاج والتظاهر، أولاً حتى يتراجع الأميركيون عن قرارهم، وثانياً لإشعال الانتفاضة الثالثة امتداداً لـ«هبّة القدس» المستمرة منذ عامين، وذلك في وقت بدأت فيه ملامح احتواء دولية وإقليمية تبرز من خلف الستار.
ولا يزال الفلسطينيون، في القدس والضفة وقطاع غزة، في بداية طريقهم الطويل لإجبار رئيس أقوى دولة في العالم على التراجع عن قراره سلب عاصمتهم، إذ مرّ على قرار دونالد ترامب خمسة أيام، وملامح تطوّر المواجهات الحالية إلى انتفاضة ثالثة أصبحت أكثر واقعية، خاصة مع إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، دعم محور المقاومة للفصائل الفلسطينية وانتفاضة الشعب الفلسطيني.
ووصلت أصداء خطاب نصر الله بصورة واضحة إلى مناطق الاشتباك، حيث حملت صور له بجانب رايات لحزب الله في مسيرات في الضفة والقدس، إلى جانب مواكبة غالبية الإعلام الفلسطيني، خاصة التابع للفصائل المسلحة، كلمته أمس، التي جاء فيها مطالبته القوى والفصائل بلملمة جراح السنوات الأخيرة والتوحد لمواجهة إسرائيل. كما أعلن بوضوح أن «حزب الله جاهز وسيقوم بمسؤولية كاملة في هذا المجال»، حاثّاً على إشعال «انتفاضة فلسطينية ثالثة على كامل الأراضي المحتلة».
بعد ذلك، جاء إعلان بارز ولافت فحواه اتصال قائد «قوة القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، اللواء قاسم سليماني، بقيادتي «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، و«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«الجهاد الإسلامي في فلسطين»، ليتعزز المشهد أكثر فأكثر: محور المقاومة مع انتفاضة ثالثة تعيد فلسطين إلى الواجهة.
في التفاصيل، أكد سليماني «دعم إيران الكامل والشامل لقوّات المقاومة الفلسطينية»، مشدداً على «جاهزية حركات المقاومة كافّة في المنطقة للدفاع عن المسجد الأقصى»، وهو ما يعكس التوجه الجديد والقرار الذي اتخذته المقاومتان اللبنانية والفلسطينية بالتصعيد التدريجي للمواجهات في فلسطين، مع ترك الساحة للجمهور حالياً.
من جهة أخرى، هاتف رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، الرئيس الإيراني حسن روحاني، قائلاً له إن «قيادة حماس تتطلع إلى أن تصدر قرارات واضحة من القمة الإسلامية المنعقدة في تركيا من أجل إسقاط القرار الأميركي»، مضيفاً أن «القرارات يجب أن تكون بشكل يرقى إلى مستوى الجموع الثائرة في كل العالم». وعبّر هنية عن إشادته بموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية «قيادة ورئاسة وشعباً في دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ومقاومته المباركة ومواقفهم الثابتة من قضية القدس».
في المقابل، أكد روحاني «موقف الجمهورية الإسلامية برفض هذا القرار (الذي هو) قمة العدوان من دول الاستكبار العالمي»، قائلاً إن «إيران سوف تكون بكل إمكاناتها إلى جانب الشعب الفلسطيني ليكون له دولته الكاملة وعاصمتها القدس… ولن تدّخر جهداً من أجل إنجاح القمة الإسلامية المنعقدة في تركيا وصدور قرارات تدعم الحق الإسلامي في فلسطين والقدس».
المواجهات متواصلة
على مشارف الأسبوع الثاني من المواجهات، ومع ارتقاب الجمعة المقبل الذي يتوقع أن يكون حاشداً كسابقه، شهدت الضفة والقدس وغزة مسيرات متواصلة، مع استمرار الاشتباكات في مناطق المواجهة ونقاط التماس. وأصيب أمس، وفق «جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني» ووزارة الصحة في غزة، 103 مواطنين، من بينهم 66 في الضفة بما فيها القدس، و37 في غزة.
وبينما تجددت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين وجنود العدو على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث ردّ الجنود بإطلاق الرصاص الحيّ والمطاطي على الحجارة، شهد القطاع مساءً قصفاً إسرائيلياً، بعد حديث عن استهداف المقاومة موقع «كيسوفيم» (جنوب) ومستوطنة «أشكول» (شمال) بثلاثة صواريخ، ردّ عليها العدو بقصفي مدفعي.
وفي الخليل، توجّهت طالبات مدارس بلدة سعير في مسيرة إلى حاجز بيت عينون، كذلك خرجت مسيرات في بلدات أخرى في المحافظة. واقتحمت قوات الاحتلال كلية فلسطين التقنية في العروب وأوقعت إصابات بالاختناق في صفوف الطلبة والهيئة التدريسية، كما اندلعت مواجهات على المدخل الشمالي لمدينة البيرة المقابل لمستوطنة «بيت إيل»، حيث توجّه طلاب جامعة بير زيت إلى المكان، واشتبكوا مع قوات الاحتلال التي قمعت التظاهرة.
«ضبط النفس» وسحب البساط
على الجبهة المقابلة، دعت الولايات المتحدة، أمس، «كلاً من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ضبط النفس»، قائلة إنها تواصل «العمل مع شركائها». وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، تعليقاً على سؤال حول «التوتر في الشرق الأوسط بعد اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل»، إننا «نواصل دعوتنا لضبط النفس وندعو إلى إجراء مفاوضات سلام».
وفي وقت سابق، أعرب البيت الأبيض عن «أسفه لتضييع الفلسطينيين الفرصة مجدداً لمناقشة مستقبل المنطقة» برفضهم استقبال نائب ترامب، مايك بينس، خلال زيارته المرتقبة الشهر الجاري، وهو موقف أثنت «حماس» عليه، قائلة في بيان أمس إنه «خطوة في الاتجاه الصحيح».
مع ذلك، يتواصل حراك الاحتواء، وإن بوتيرة منخفضة، إذ التقى أمس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في قصر الاتحادية في القاهرة. ووفق ما رشح من معلومات إلى «الأخبار»، لم يبدِ السيسي «تشجّعاً لعقد قمة طارئة للجامعة العربية»، لأنها ستكون «بلا جدوى».
لكن البيان الرسمي للرئاسة المصرية قال إنه «تم عقد جلسة مباحثات مطولة ضمّت وفدي البلدين، وتم استعراض آخر المستجدات على صعيد القضية الفلسطينية… أكد السيد الرئيس موقف مصر الثابت بضرورة الحفاظ على الوضعية التاريخية والقانونية للقدس في إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة».
أما عباس، فقال وفق البيان، إن «القرار الأميركي الأخير جاء مفاجئاً، رغم كل ما أظهرته السلطة من مرونة واستعداد للوصول إلى حل استناداً إلى المحددات الثابتة، وأهمها حل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لفلسطين وفق حدود الرابع من يونيو 1967»، مؤكداً حرصه على «التشاور والتنسيق مع مصر في ظل هذه الظروف الدقيقة التي تمر بها القضية، والتي تشهد تهديداً لمستقبل عملية السلام في الشرق الأوسط». كذلك، قال الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، خلال لقاء مع عباس، إن «الجامعة لن تتوانى عن إسناد أي موقف أو مسار يُقرر الفلسطينيون اتخاذه للرد على القرار الأميركي الجائر».
من جهة أخرى، وفي تصريح مغاير لما انتهجته «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ــ الأونروا» في السنوات الماضية، قال المفوض العام لـ«الأونروا»، بيير كرينبول، إن «مستوى التوتر والقلق ارتفع مرة أخرى في منطقة الشرق الأوسط وتحولت جميع الأنظار إلى القدس»، لكنه شدد على أنه رغم العجز في الموازنة (49 مليون دولار هذا العام)، فقد اتخذت «خطوات استثنائية… بما في ذلك توجيه نداءات خاصة إلى أعلى المستويات في المجتمع الدولي». وأوضح كرينبول أنه «اتخذت تدابير داخلية للحفاظ على عملنا الحيوي… وخدمات الأونروا في القدس الشرقية، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، سوف تستمر من دون انقطاع في 2017».
صحيفة الأخبار اللبنانية