مرتفع الأعراس في الجولان
“القوة المنحطة هي فائض بؤس الآخرين “
__________________________
منذ نصف قرن ـ تقريباً ـ يمارس أبناء الجولان طقوسهم الوطنية والعاطفية بطريقة غريبة.
كل يوم جمعه… يأتي أقرباء الجولانيين، تحت الاحتلال الإسرائيلي، يأتون من سورية إلى منطقة مرتفعة، وقريبة من قوات الأمم المتحدة، حاملين مكبرات الصوت، ويبدأون في الصراخ عبرها…
الصراخ بين العائلات، للاستفسار عن الأحوال والصحة، والأحياء والأموات. حين كانت الاتصالات الهاتفية متعذرة. ثم بقيت هذه الطريقة لأن البعد البصري يتحقق في هذا اللقاء الأسبوعي، وعبر المناظير، والأصوات ترن هنا وهناك بذكريات تتراكم من كل لقاء، عبر السنين.
كل أسبوع تقام حفلة التصارخ هذه، وقد توارثتها وكبرت فيها خمسة أجيال على ضفتي الحدود.
ثمة دائماً مايحزن وما يفرح وثمة ما يقطع القلب عندما ينفجر البكاء في المكبرات اليدوية. أوهذا البوح بالحب والاشتياق، صراخاً، كما في مظاهرة. ولهذا أصبح اسم المكان….. “خاصرة الصراخ”.
المكان الأكثر غرابة وطرافة… مرتفع آخر اسمه “مرتفع الأعراس”.
في هذا المكان يتم تسليم العروس المزفوفة ، بثوبها الابيض ، من سورية إلى الجولان . أو من الجولان إلى سورية. ويكون ، على طرفي الأسلاك ، أهالي العريس والعروس والأقرباء في لباس الأعراس. وتجري حفلة دبكة على جانبي الشريط الشائك. وتوزيع الحلوى والهدايا عن طريق قوات الأمم المتحدة. وفي لحظة الوداع الأخيرة يبكي الجميع ، وتنقلب أغاني الأفراح إلى مراثي المآتم.
البكاء، هنا، مصدره اليقين ألا لقاء بعد هذا اليوم إلا عند “خاصرة الصراخ”، حين تكون العروس قد أنجبت، وحين يكون الأولاد قد كبروا، وحين يكون أولاد الأولاد قد كبروا، وجيلاً وراء جيل، يصبح اللقاء كما الوداع ، عبر الأسلاك ومكبرات الصوت…. حيناً عند “خاصرة الصراخ” وحيناً عند “مرتفع الأعراس”.
بين “خاصرة الصراخ” و “مرتفع الأعراس” كبرت الأشجار، وازدادت نعومة الأرض تحت أرجل الراقصين. وتجعّد وجه الهزيمة في الزمن السوري… إلى أن جاء من ألغى هذه الطقوس كلها :
الحرب الاخيره
الجولان بلا أمم متحدة ( قوات فصل، رحلوا بسبب الاعتداءات والخطف .)
الجولان بلا أهل على جانبي التلال. بلا أعراس، الجولان الآن مسرح عمليات مليء بالمستقبل الغامض، والتباسات القوى والأهداف.
في مسرح من هذا النوع تصبح القصة التالية جديرة بالتامل:
قائد جيش الغزاة… طلب من بدوي أن يدله على الطريق إلى المدينة (هدف الغزاة). فقال له البدوي: ” اقتل ابني أولاً” سأله: لماذا؟ فقال له: لأنه سيشي بي بعد أن أدلك… فقتله. وعندها ، قال له البدوي في هدوء: طلبت منك قتل الولد، لأنني خفت أن يضعف، فيدلك على الطريق….
أما أنا… فلن أدلّك.
وقُتل…!