مرحباً يا صباح
الآلهة في الصين… دائماً صينية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرسل لي الصديق عاصم جميل شريطي فيديو بدقائق:
أحدهما صورة راديو قديم، من جيل الستينات، أبو عين زرقاء. ينطلق منه صوت يعلن: هنا دمشق، إذاعة الجمهورية العربية السورية، ثم ينطلق مقطع موسيقي من أغنية فيروز: “بقطفلك بس، هالمرة بس، شي وردة حمرا وبس”. وبعدها صوت مذيع يقول: مرحباً ياصباح.
هذا البرنامج أحد أقدم البرامج الجميلة التي عرّفت أطفال سورية، وأجيالها على صوت فيروز كل صباح من خلال هذا البرنامج، الذي أنشأه وأشرف عليه وقدمه لأكثر من ربع قرن، الإذاعي منير الأحمد (ابن الشاعر المعروف بدوي الجبل ـ ووالد محمد الأحمد وزير الثقافة الحالي).
كأنما أراد عاصم أن يقول لي: أين نحن من تلك الأيام، التي كان الصباح يعني فيروز، وكلمات الشعراء الجميلين، ومنثورات الثقافة السورية الحارة.
لا بل أراد عاصم ذلك بوضوح، اكتشفت ذلك بعد أن فتحت الشريط الثاني، ليدل على ما نحن فيه من آثار تلك الثقافة.
المذيع ـ الشيخ يقول بصوت فخم وقراءة محكمة:
“إمرأة من عصرنا الحديث، تقول لزوجها: أريد أن أختبر ابني كيف “بيطلع” في المستقبل. “بيطلع” دكتور، مناضل،أو فاسق؟
قال الرجل لزوجته: نضع في زاوية الغرفة قرآن كريم، وفي زاوية أخرى مئة دولار، وفي زاوية ثالثة زجاجة خمر.
قالت الزوجة: وبماذا ستفسّر اختياراته المحتملة؟
قال الزوج: إذا أخذ القرآن سيصبح عالماً، وإذا أخذ النقود سيصبح تاجراً، وإذا أخذ الخمر سيكون فاسقاً.
دخل الولد الغرفة، والأب والأم يراقبان، فأخذ القرآن بيده، ووضع الدولارات في جيبه، وشرب زجاجة الخمر.
قالت الزوجة لزوجها: بمَ تفسر هذا؟
قال: سيكون زعيماً عربياً.
……………………………..
بالطبع، من الواضح أن “واعظاً وخفيف دم” لا يجتمعان لا في الجامع ولا في باب الحارة. ولكن من المؤكد أن تأثير هذه الطريقة، التي تبدو ساذجة، بأجيال جاهزة لالتقاط شذرات المعرفة في سن الفضول الطبيعي… تأثير محتم وسلبي، ولا يفعل شيئاً سوى أسلمة كل شيء، ورفض أي احتمال من أي نوع للجمع بين “الخمرة والجمرة”، على سبيل خفة الدم العلمانية، وأسوة بهذا الدرس الصباحي، اليقيني من… شيخ ، بديلاً لأغنية رقيقة من … فيروز.
ثمة مؤشرات، بعد تجربة الإجرام في هذه الحرب على/ وفي سورية، على أننا سنعيد إنتاج نفس الظروف، والأشخاص، والثقافات لتكون مهنة سورية اللاحقة، سورية الإعمار وما بعد الحرب هي إنتاج التعصب، بطبعته الجديدة ، ثم الخنادق ، فالبنادق …فالحرائق .
سورية الجديدة، إن كان ثمة فرصة للأحلام بسورية جديدة ، هي:
سورية المليئة بالطوائف، ولكن دون طائفية.
سورية المليئة بالتفكير، ولكن دون تكفير.
سورية… القانون المدني، لا الشريعة الدينية.
سورية… التي تسمح لك أن تعبد الحجر، شرط ألا تضرب به أحداً.
سورية الحضارة التدمرية التي كتب على احد اعمدتها :
“لا تشتم إلهاً لا تعبده”.
وبغير هذا التطرف للرد على تطرف رأيناه، واختبرناه، وعشناه… سيأتي زمن حروب دينية صريحة أكثر، ونموذجها داعشي متطور في أدوات ربح المعركة القادمة.
إذن… طبقوا هذه المقولة الساذجة: “الدين لله والوطن للجميع” ولكن بمعناها الحقيقي:
الدين في بيت العبادة…
في الجامع وليس في الجامعة.
في الكتب السماوية، وليس في الطب النووي.
في القلب وليس في السيف !