مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ: على تل أبيب الحذر جدًا من تعاظم قوّة الجيش المصريّ
العلاقات المصريّة-الإسرائيليّة تمُرّ في شهر عسلٍ لم تشهده منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الدولتين، الرئيس السيسي هو كنز إستراتيجيّ لإسرائيل، وهو أكثر زعيم عربيّ مُقرّب لرئيس الوزراء الإسرائيليّ، حيث يتحدّث معه هاتفيًا في مرّاتٍ كثيرةٍ للتشاور حول أخر المُستجدّات والتطورّات، هكذا يُمكن تلخيص العلاقات الحميميّة بين تل أبيب والقاهرة، كما يعكسها أركان دولة الاحتلال في تصريحاتهم، ويُشدّدّوا على أنّ إسرائيل وافقت على خرق المُلحق الأمنيّ لاتفاق السلام لكي تسمح للجيش المصريّ بتعزيز قوّاته في سيناء لمُحاربة الإرهابيين من “ولاية سيناء”، الذين بايعوا تنظيم “داعش” الإرهابيّ.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ التخوّف من الجيش المصريّ ما زال قائمًا في المنظومتين الأمنيّة والسياسيّة في إسرائيل، ذلك أنّه بحسب دراسةٍ صادرةٍ عن مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، فإنّ توطّد العلاقات الثنائيّة بين الدولتين هو وليد حاجةٍ ماسّةٍ لمُحاربة الإرهاب الإسلاميّ المُتطرّف، وبالتالي فإنّ الحديث يجري عن تعاونٍ مؤقتٍ سينتهي عاجلاً أمْ آجلاً مع انتهاء مصر من حربها الضروس على تنظيم “ولاية سيناء”، على حدّ تعبير الدراسة.
وتابعت الدراسة قائلةً إنّه في أعقاب عدم نجاح مصر في محاربة الإرهاب السلفيّ الجهاديّ في سيناء، وانزلاق هذا الإرهاب إلى قلب مصر نفسها، تنتقل مصر إلى مرحلةٍ جديدةٍ في محاربة الإرهاب تتميّز بتعبئة العشائر البدويّة في سيناء لمحاربة “ولاية سيناء”، وخطة لتحسين الوضع الاقتصادي في سيناء، والتعاون الوثيق مع إسرائيل.
مُضافًا إلى هاتين الخطوتين، قالت الدراسة، يجب الأخذ على محملٍ من الجدّ التفاهمات الأولية التي توصلت إليها مصر في مطلع 2017 مع “حماس″ لكبح تهريب سلاح ومقاتلين بين سيناء وقطاع غزة. وفي المقابل، تواصلت العمليات العسكرية المصرية في سيناء، التي في إطارها تتعاون مصر مع إسرائيل تعاونًا تكتيكيًا صامتًا.
وشدّدّت الدراسة على أنّه إذا تأكّد أن التحالف مع العشائر قادر على الاستمرار وفعال في مواجهة عناصر ولاية سيناء، فإنّ هذا يمكن أنْ يبشر بمنعطف في المعركة من شأنه أنْ يساعد في تقليص قوة ولاية سيناء، وأيضًا في توجيه ضربةٍ حاسمةٍ ضدّها، لكن على الرغم من ذلك ثمة خطر في أنّ السلاح الذي تعطيه الدولة حاليًا للعشائر قد يتحول في المستقبل ضدّ السلطة الحاكمة.
بناءً على ما تقدّم، قالت الدراسة، التي نقلتها إلى العربيّة “مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة”، قالت إنّه من أجل تقليص المخاطر وبناء علاقات من الثقة المتبادلة مع العشائر، يتعيّن على مصر استكمال هذه الخطوة بخطواتٍ حازمةٍ لتحقيق التنمية الاقتصاديّة في سيناء، ومعالجة الشعور بعدم الانتماء الذي يشعر به المواطنون البدو الذين عانوا لسنوات طويلة من الإهمال والإقصاء.
وأوضحت الدراسة أنّ التحالف الذي أقامه النظام المصريّ مع العشائر في سيناء علنيّ لكنه هشّ، ولكن بالمُقابل فإنّ التعاون مع إسرائيل سريّ ومزدهر. لافتةً إلى أنّه يجب أنْ تكون لإسرائيل مصلحة مباشرة في تحسين السيطرة الأمنية والمدنية في سيناء، وفي زيادة فاعلية المعركة التي تخوضها مصر ضدّ الإرهاب.
وفي ضوء هذه المصلحة الإسرائيليّة- المصريّة المشتركة، سمحت إسرائيل للجيش المصريّ بأنْ يُدخل إلى مناطق منزوعةٍ السلاح قوات أكبر مما هو مسموح به وما اتفق عليه في الملحق العسكري لاتفاقية السلام. ووفقاً لمقالٍ نشر في “بلومبرغ”، لم تؤكده إسرائيل ومصر، لكنهما لم تكذباه أيضًا، فإنّ درجة الثقة بين الدولتين وصلت إلى حدٍّ أنّ إسرائيل تُزوّد مصر بتكنولوجيا عسكرية واستخباراتية عملانية، وتستخدم في سيناء طائرات من دون طيّار بموافقة القاهرة.
لكن، استدركت الدراسة، على الرغم من تحول إسرائيل ومصر إلى شريكين غير رسميين في محاربة الإرهاب، فإنّ الطبيعة الدقيقة لهذه العلاقات محصورة بمجموعة قليلة من العسكريين، ولم تصل حتى الآن إلى نقطة تشكل منعطفًا نوعيًا في علاقات السلام.
ورأت الدراسة أنّه من الواضح أنّ النظام المصريّ يشعر بعدم الارتياح حيّال التعاون العسكري مع إسرائيل في سيناء، ويعتبره ضرورة لا يرغب فيها فرضتها على مصر مصالح مؤقتة في نقطةٍ زمنيّةٍ محددةٍ، ويمكن أنْ تزول لحظة تسمح الظروف الأمنية بذلك.
وبالفعل، تحرص القيادة المصريّة على عدم منح العلاقات الأمنيّة مع إسرائيل بعدًا استراتيجيًا بعيد المدى. علاوة على ذلك، ما تزال مصر تتحفظ على توجيه الثقة التي نشأت بين المستوى العسكري المصريّ- الإسرائيليّ في سيناء نحو ساحات عمل أخرى تربط الدولتين فيها مصالح مشتركة، ناهيك عن أنْ يكون المقصود تعاونًا مدنيًا في مجالات الاقتصاد، والعلوم، والثقافة.
وخلُصت الدراسة على القول إنّ هذا الوضع يفرض محافظة إسرائيل على يقظتها حيال التآكل الذي طرأ في السنوات الأخيرة على الملحق العسكريّ لاتفاقية السلام، والمترافق مع تعاظمٍ كثيفٍ في قوّة الجيش المصريّ، بحسب تعبيرها.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية