مستقبل سوريا بعد سقوط نظام الأسد: تحليل للصراعات الإقليمية والدولية ودور سلطة أحمد الشرع
محمد الشماع
مع سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، دخلت سوريا مرحلة جديدة من تاريخها، حيث وجدت البلاد نفسها أمام واقع غير مألوف ومليء بالتحديات والفرص على حد سواء. حكومة أحمد الشرع التي تسلمت زمام الأمور تواجه مسؤوليات ضخمة لإعادة بناء دولة عانت من سنوات من الصراع والانقسامات والدمار. على الرغم من الآمال المعلقة على هذه المرحلة، فإن المشهد السوري اليوم يبدو وكأنه ساحة لصراعات إقليمية ودولية معقدة تجعل المهمة أكثر تعقيدًا.
داخليًا، تقف سوريا أمام مشهد اقتصادي منهك بالكامل. البنية التحتية تضررت بشكل واسع، والاقتصاد الذي كان يعاني من قبل الحرب أصبح الآن شبه منهار. تأتي حكومة أحمد الشرع بوعود لمعالجة هذا الوضع، مركزة على استقطاب الاستثمارات الدولية وإطلاق مشاريع إعادة الإعمار. ومع ذلك، تظل هذه الجهود محدودة التأثير في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد. تواجه الحكومة ضغوطًا لإقناع المجتمع الدولي بتخفيف العقوبات، ولكن هذا يتطلب تقديم إصلاحات سياسية واقتصادية تضمن الشفافية والمساءلة، وهي أمور ليست سهلة التحقيق في بيئة سياسية ما زالت غير مستقرة.
أما على المستوى الاجتماعي، فإن النسيج الوطني السوري يعاني من تمزقات عميقة. سنوات الحرب الطويلة تركت البلاد في حالة انقسام طائفي وقومي وسياسي. حكومة الشرع تحاول معالجة هذه القضية من خلال إطلاق مشاريع مصالحة وطنية تهدف إلى جمع الأطراف المختلفة حول طاولة الحوار. ولكن، هل ستكون هذه الجهود كافية لتجاوز إرث الصراع الطويل؟ التحدي يكمن في ترجمة هذه المبادرات إلى خطوات عملية تُعيد بناء الثقة بين المكونات السورية المختلفة.
في الساحة الإقليمية، تظل سوريا محط أنظار القوى الإقليمية التي تتنافس على النفوذ داخل أراضيها. تركيا، التي تستمر في تعزيز وجودها شمال البلاد، تبرر تدخلها بحماية أمنها القومي ومنع تمدد القوات الكردية بالقرب من حدودها. هذه السياسة التركية وضعت الحكومة السورية الجديدة في موقف حساس يتطلب توازنًا دقيقًا بين مواجهة التدخلات الأجنبية والحفاظ على الاستقرار الداخلي.
من جهة أخرى، تواجه إيران مرحلة صعبة في سوريا بعد سقوط الأسد، حيث تجد نفوذها التقليدي مهددًا بسبب تغير الأولويات الداخلية والخارجية في البلاد. دعم الميليشيات المحلية، الذي كان أحد أركان النفوذ الإيراني، بات يواجه تحديات من قوى إقليمية ودولية تضغط لتقليص هذا النفوذ. في الوقت ذاته، ترى الدول العربية في سوريا فرصة لإعادة بناء علاقاتها معها بعيدًا عن النفوذ الإيراني، لكنها تضع شروطًا سياسية تجعل عملية إعادة الدمج في النظام العربي محفوفة بالتحديات.
على المستوى الدولي، تلعب الولايات المتحدة وأوروبا دورًا حاسمًا في رسم ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا. واشنطن، التي أشادت بقيادة أحمد الشرع، تواصل مراقبة المشهد عن كثب، وتربط دعمها المستقبلي بتحقيق تقدم حقيقي في ملفات حساسة مثل العدالة الانتقالية وتدمير أسلحة الدمار الشامل المتبقية. تصريحات السفيرة الأمريكية في مجلس الأمن التي رحبت بمشاركة وزير الخارجية السوري أكدت على أن المجتمع الدولي يتوقع من سوريا الالتزام بالمعايير الدولية، مع الاستمرار في محاسبة المسؤولين عن الجرائم السابقة.
روسيا، بدورها، تواجه معضلة في إعادة تعريف استراتيجيتها في سوريا. في ظل سقوط حليفها التقليدي، تسعى موسكو لضمان استمرار نفوذها في المنطقة من خلال وجودها العسكري في الساحل السوري. الدور الروسي في المرحلة الانتقالية يبدو محوريًا، ولكنه يواجه تحديات بسبب وجود قوى دولية أخرى تحاول ملء الفراغ الذي خلفه انهيار النظام السابق.
في هذا السياق المعقد، تجد حكومة أحمد الشرع نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات استراتيجية توازن بين الضغوط الدولية والإقليمية وبين تلبية تطلعات الشعب السوري الذي ينتظر قيادة توفر حلولًا ملموسة للتحديات اليومية. أحد المحاور الرئيسية التي تعمل عليها الحكومة هي العدالة الانتقالية، التي لا تهدف فقط إلى محاسبة مرتكبي الجرائم السابقة، بل تسعى أيضًا لتحقيق المصالحة الوطنية وبناء الثقة بين السوريين. هذه المهمة ليست فقط سياسية أو قانونية، بل هي أيضًا اجتماعية ونفسية تتطلب معالجة جراح عميقة تركتها الحرب في نفوس المواطنين.
ومع ذلك، فإن تحقيق الاستقرار لن يتحقق دون معالجة التحديات الأمنية. على الرغم من أن حكومة الشرع تحاول دمج الفصائل المسلحة في مؤسسة عسكرية وطنية، إلا أن بعض المجموعات، خاصة في الجنوب، لا تزال ترفض هذا الدمج، مما يشكل تهديدًا للاستقرار. التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي يمثل تحديًا آخر، حيث تتداخل فيه القضايا القومية مع التدخلات الخارجية.
مستقبل سوريا في هذه المرحلة الانتقالية يبدو معلقًا بين الأمل والواقع. التحديات التي تواجهها البلاد ليست سهلة، ولكن الفرص أيضًا موجودة. الشعب السوري، الذي تحمل سنوات من المعاناة، يطالب الآن بقيادة تنظر إلى المستقبل بعين المسؤولية والحكمة. حكومة أحمد الشرع لديها فرصة تاريخية لتجاوز الإرث الثقيل للنظام السابق، ولكن تحقيق ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية، وشراكات دولية متوازنة، وإشراك حقيقي للمجتمع المدني.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن سوريا من تحويل هذه المرحلة الصعبة إلى بداية جديدة تبني وطنًا يستحق تضحيات أبنائه؟ الإجابة ليست واضحة بعد، ولكن الإيمان بقدرة السوريين على الصمود والتغيير يبقى دائمًا حاضرًا.