مسرحية سورية تكشف أسرار السجن السياسي للشيوعيين
دمشق ــ خاص ببوابة الشرق الأوسط الجديدة
بين فترة وأخرى تتسرب نصوص أدبية روائية أو قصصية أو مسرحية تحكي عن تجارب السجن السياسي في سورية ضمن الحقبة الممتدة على مدار العقود الخمسة الماضية، والغريب في هذه النصوص أنها تكسر الجمود الحاصل في العلاقة بين الكاتب والمتلقي، وتسارع إلى نسج علاقة خاصة من التعاطف مردها إلى المأساة المروعة التي يعيشها السوريون الآن والتي تبدو أيام زمان أقل وطأة منها بألف مرة، مع انتشار الذبح والاغتصاب والموت المجاني والدمار!
وتأتي مسرحية (تصحيح ألوان) التي عرضت مؤخرا على خشبة مسرح القباني بدمشق، وهي من تأليف وإخراج : سامر محمد إسماعيل ، وتمثيل : يوسف المقبل و ميريانا معلولي مع حضور خاص للفنان أيمن زيدان، تأتي هذه المسرحية كنموذج جديد لمحاكاة تلك الظروف من خلال مشهدية مسرحية تحمل نوعا من التصاعد الدرامي السلس الذي يجعل خشبة المسرح صاحبة اللحظة الآسرة .
على الخشبة نتعرف على ” صحفية وكاتب يلتقيان في حوار لا يلبث أن يتداعى نحو صراع يكشف ماضي الشخصيات الروائية مثلما ينبش في قصة بلاد” وهذا الاختصار الذي أرسله لي الناقد لؤي سلمان وهو دراماتورغ المسرحية، يختصر النص، ولا يكشف فحواه ، وفي فحواه نرى على الخشبة كاتبا روائيا يجمع كتبه وأوراقه وكأنه على سفر، فإذا بصحفية كان على موعد معها، تدخل عليه (رشا) ، ويظن أنه ستطرح عدة أسئلة وتمضي إلا أنها تفتح الكاميرا وتخبره أنه يتحدث لموقع إلكتروني تعمل فيه ، التصاعد في الحوار بينهما يكشف مالم يتوقعه الجمهور: رشا ، هي ابنة كاتب شيوعي، عاش سجنا طويلا. يخرج من السجن، ويسجل حكايته على كاسيت، وهنا يبرز (حضور الفنان الكبير أيمن زيدان) بواسطة الصوت، فهو الذي يقوم بدور الكاتب الشيوعي السجين دون أن يقف على خشبة المسرح، وفي التفاصيل أن هذا الكاتب الشيوعي هو الكاتب الفعلي للرواية وقد سرقها منه صديقه الذي وشى به بتقرير إلى المخابرات فأودعه السجن عشرين عاما وعندما مات بعد خروجه من السجن سرق الرواية ونشرها باسمه إلى أن تكتشف الابنة القصة وتأتي لتجري حوارا معه قبل سفره لاستلام الجائزة، فتكشف كل شيء وتكون قد بثت الحقائق مباشرة في موقع الفيس بوك حيث يتابعه كثيرون!!
إلى هنا، الحتوتة شيقة ومهمة، ولكن التفاصيل الأخرى تبرز مهارات الكتابة والمعالجة الدرامية التي تصلح لدراما طويلة تلفزيونية، أو حتى دراما سينمائية مكثفة، فسارق الرواية يكشف زيف القائد الشيوعي قبل دخوله السجن، ورغم أن الابنة تدافع بضراوة عن تاريخ أسرتها وشخصية أبيها، إلا أنها تفاجأ بتورط أمها الممثلة بخيانة الأب السجين، بل ويكشف الكاتب السارق أنها كانت عشيقته .. .
وفي مهنية واضحة في الكتابة والمعالجة الدرامية، أعطى النص حرية كاملة للسارق (المخبر) في الدفاع عن نفسه إلى درجة إقناع الجمهور ، وهو حق مصان في لعبة السرد الروائي والكتابة المسرحية وبناء الشخصية الدرامية وكشف هويتها الفكرية والبحث عن مصيرها، إلا أنها على صعيد التاريخ السياسي في سورية تعتبر نوعا من الكشف يفترض أن يثير حوارا مع المسرحية .
ساعد المسرحية على النجاح الفنان يوسف مقبل، الذي حمل الشخصية التي يفترض أن لايحترمها أحد على مضض فأداها بامتياز إلى درجة استطاع أن يقنعنا أن لها حق في أن تدافع عن جرائمها، أما الفنانة ميريانا معلولي فأنا أعتقد أنها لم تنجح كصحفية بل نجت كابنة ، وربما تكون هذه رؤية المخرج التي تخدم النص، لعبت دور الابنة بنجاح ، وكان الفنان أيمن زيدان يعطي بصوته وهجا للتفاصيل القادمة التي انتظرها الحضور بصوته الذي بدأ الحكاية، لكن الاخراج اكتفى بالقليل من صوت أيمن زيدان، وسمعنا كل شيء من الممثلين ونحن نترقب عودتهم إلى الكاسيت، ولم يعد صوت أيمن زيدان يظهر من جديد، بقي تيمة جميلة تنتظر حقه (كشخصية متهمة) بالرد ، فمن يرد من الشيوعيين على سامر محمد اسماعيل ؟!!