مسلسل (بيت التنين) : الغرب من الهمجية إلى الحضارة!!
قبل أيام جرى الاحتفال بإطلاق وبث الحلقة الأولى من مسلسل (بيت التنين) باعتباره حدثا” ثقافيا” فنيا” ومهما”.. حتى في الدول العربية قامت الجهات صاحبة الحق ببث المسلسل بإطلاق الحلقة الأولى منه بشكل احتفالي وشاهده الناس في العاصمة السعودية الرياض هذه الحلقة على الشاشات العملاقة في الشوارع. وقامت طائلة هلكبتر بالمساعدة في العرض حتى قيل أن بيت التنين عرض على فضاء المدينة.. فما هو هذا المسلسل؟؟ ولماذا كل هذا الاحتفال في بداية عرضه؟؟ وماذا يحمل من معاني وإبداعات جذابه؟؟
بعد المواسم الثمانية من مسلسل (لعبة العروش) أعلن أن مسلسلا” مكملا” له ينتج باسم( بيت التنين )وكما لعبة العروش مأخوذ من روايات جورج مارتن (أغنية الجليد. ورواية لعبة العروش. ورواية صدام الملوك. ورواية الرقص مع التنين.) كذلك فإن بيت التنين مأخوذ عن رواية( النار والدم) لجورج مارتن الذي ياخذنا إلى العام 101 ليصور في دراماه الصراع على السلطة. ويقدم سبرا” لفيزيولوجيا الحكم في أرض( ويستروس) عبر الصراع داخل عشيرة( تراجايان) الحاكمة. انه صراع على السلطة في نقطة. يمكن تخيلها كعتبة للتاريخ الغربي الحديث. وهو صورة عن آلية العمل السياسي في شكله البدائي الذي يفتح النقاش حول هوس الحكم والسلطه. ومطلق هذا الهوس. وما فعله لتحقيق شهواته في الحكم والسلطه..
أحداث الرواية( تشبه التاريخ) و التشبه بالتاريخ هنا ضرورة. لأن النقاش يدور حول السلطة و الحكم. ورغم قسوة التاريخ و عنف السياسة. فإن الرواية تسبر مكامن النفوس البشرية و عواطفهم تجاه الاستمرار والخلود. تجاهل الولد والوارث. تجاه المكانة والسلطه. تجاه الحب والزواج. تجاهل القتل والسلم. تجاه الشرف والخيانة. تجاه الهمجية والسلام. تجاه النزاهة والفساد. وبذلك فإن الرواية تشرح شخصية الطامع بالسلطة. وتفحص مكونات همجية وعنف سلب السلطة و الاستثمار بها. وربما هذا الاعتماد على المكونات العاطفية للشخصيات في صراعها حول السلطة والمكانة والحب. هو ما جعل موضوع تشريح السلطة جذابا” ومشوقا”. وهو ما يشد الجمهور للمتابعة.. أنها متعة وسحر الدراما القادرة على تقديم حتى الوصول للسلصة والحكم بشكل مشوق ..
الحلقة الأولى من بيت التنين كشفت عن عمل مبهر بصريا”. ديكورات واسعة متقنة تخلق الحضن المناسب لهمجية الحكم. كذلك فإنه استخدام الجموع و الحشود يضع المشاهد في وسط الحدث. كما كان استخدام التنانين مبهر ومتقن. وجاء مشهد ولادة الملكة( أيما) وقرار زوجها التضحية بها للحصول على وريث يخلفه على العرش كان مشهدا” فجائعيا” معبراط وجذابا” ومشوقا” وصادما”.. وجاء توليف الخلاق بين هذا مشهد الولادة الفجائعي و بين مشهد اخو الملك (دايمون) الطامع في الحكم. وهو يبرز قوته في ساحة المبارزة ليكمل المتعة البصرية. وليكمل معنى البحث عن السلطة بالقوة والعنف وبالتضحيه بالزوجة الملكة.. كما أن إعلان دايمون نفسه وريثا” للحكم في دار المتعة (ماخور الدعارة) إشارة إلى طبيعة هذا التطلع إلى الحكم كدعارة سياسية فاسقة و بذيئة …
مشاهد و أحداث الحلقة الأولى من بيت التنين جات قويه عنيفة جذابة بصرية ومحكمة دراميا”. ويبقى السؤال: لماذا يصور المسلسل بدايات الحكم في الغرب بهذا العنف والهمجية؟؟ هل يريد أن يؤكد مدى التحضر الغربي الذي وصلته حضارة الغرب رغم انطلاقتها التي كانت بهذه الهمجية وبهذا العنف؟؟؟ يبدو أن إحساس (التغيير نحو الأفضل بإستمرار ) رسالة يركز الفن الغربي عليها. و الانتقال من الهمجية المتوحشة إلى الحضارة الإنسانية. هو ما تريد الثقافة الغربية التباهى به وتكريسه. وهذا بالفعل رسالة ذكية للدراما.. فهل المحتوى الذكي والجاذبية البصرية أم قوة الدراما هي ما يجعل هذا المسلسل يشغل العالم كما حصل مع بث الحلقة الأولى منه؟؟؟
علينا أن نفكر مليا” في الإجابة عن السؤال المفتاح: كيف يمكن للدراما أن تشغل العالم كما فعل هذا المسلسل؟؟ و و بدون إستغراب أيا” كان نذكر بإن الدراما السورية قدمت مثل هذه الدراما المشبهة بالتاريخ بشكل ناجح و جذاب و مشوق . كما قدمت أعمالا” تاريخية بضخامة جيدة إنتاجيا” و بدراما معبرة و جذابة . و أعمال نجدة أنزور و حاتم علي شاهدة على ذلك . فهل يستفزنا بيت التنين و تأثيره بأن نستعيد حضور و تألق و قوة و جاذبية درامانا؟؟؟ الأمر بالمتناول و لكن ليس بالندوات أو المؤتمرات أو الخطابات . بل بإنعاش و إستنهاض الكوادر المبدعة و الخلاقة القادرة و المجربة …..هل كثير علينا أن نتطلع لمواكبة الأعمال الدرامية الكبيرة و طرح رؤانا الحضارية عبرها خاصة و نحن نملك كل مقومات الإبداع ؟؟؟ الأمر لا يحتاج إلا إلى إدارة خلاقة و مبدعة تليق بإبداعنا و مبدعينا بشكل حقيقي…..و هذه نملكها و نحتاج إلى إستثمارها بدل تعطيلها ………… ا