مصيرنا الأسود في شعر نزار
صدق من قال إن المبدعين ومنهم الشعراء، يتنبؤون بمصائر أممهم وشعوبهم، ويدونونها قصصاً وأحداثاً في نتاجاتهم الإبداعية. إذ يستطيعون وبفضل رؤية مضمرة يمتلكونها أن يروا المستقبل الذي غالباً ما يأتي أسوداً إذا ما كانوا من العالم العربي.
ولعل نزار قباني أحدهم عندما كتب شعره في العقود الماضية، ليقرأه أبناء اليوم ويرون فيه شاعراً معاصراً يحيط بالأحداث الدائرة اليوم في بلده سوريا أولاً، وبكامل البلدان العربية ثانياً.
القارئ لقصائد نزار قباني في السنوات الأخيرة، يفهم أن هذا المبدع قد وضع يده على جرح كبير انغمس بعمق في أرواح وأجساد السوريين. وأنه ومن وحي الواقع المعيش الذي عاصره منذ سبعينيات وحتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، قدّم وبمطلق الجرأة نقداً لاذعاً للنظام الحاكم وألقى الضوء على جذور الفساد وأنماطه السياسية والاقتصادية السورية والعربية والعالمية، وانعكاساتها الثقافية التي أسهمت في صنع شعوب مدجنة خائفة “تمشي الحيط الحيط وتقول يا رب الستر”.
ولطالما توقف في قصائده عند “السجون” باعتبارها المكان الوحيد الذي يستقبل أصحاب الكلمة والفكر الحر في بلده. متخيلاً في بعض الأحيان، الوطن سجناً كبيراً ويقف الحاكم على بابه سجاناً ينظر في تأشيرة الداخل والخارج إليه، وكأنه يملكه ويملكنا في الوقت نفسه. الأمر الذي كان يترجم على أرض الواقع فعلاً.
لقد امتدت جذور ما عاصره نزار إلى اللحظة الراهنة، وأدّت إلى ما نعيشه نحن الآن وهنا من مجازر وحروب وظلم. ولعل الفكرة التي أشار إليها في قصيدته “إلى أين يذهب موتى الوطن” تلخص ما يحاول أن يقوله كثيرون حول المفارقة التي حوّلت الموت لأجل الوطن أو “الشهادة” بمفهومها الوطني والاجتماعي والديني، إلى موت لاستمرار حكم شخص.
ولو موتنا..
كان من أجل أمر عظيم
لكنا ذهبنا إلى موتنا ضاحكين
ولو موتنا كان من أجل وقفة عز
وتحرير أرض
وتحرير شعب..
سبقنا الجميع إلى جنة المؤمنين
ولكنهم.. قرروا أن نموت..
ليبقى النظام..
وأخوال هذا النظام..
وتبقى تماثيل مصنوعة من عجين
كذلك وفي مكان آخر من القصيدة ذاتها، قال:
يموت الملايين منا
ولا تتحرك في رأس قائدنا
شعرة واحدة..
وأشار نزار إلى ردة الفعل العالمي تجاه مفهوم “الإرهاب” والذي أصبح مطاطاً لدرجة مستفزة. إذ صرنا إرهابيين لمجرد أننا ننتمي إلى وطن ما، ونطالب بإحيائه من جديد. فكتب في قصيدته “أنا مع الإرهاب”:
متهمون نحن بالإرهاب
إذا كتبنا عن بقايا وطن..
مخلع.. مفكك ومهترئ
أشلاؤه تناثرت أشلاء
عن وطن يبحث عن عنوانه..
وأمة ليس لها أسماء!!
ومن المصائر السوداء الكثيرة التي قدمها نزار في كتاباته، ما نشاهده اليوم من صور وما نسمعه من أخبار عن محاولات السوريين الهجرة واللجوء التي يلقى معظمها الفشل، فيحدث أن يتحولوا إلى جثث هامدة تطفو على وجه البحر، أو إلى أرقام مصطفة على أبواب المطارات في الشرق والغرب.
سامحونا
إن رفضنا كل شيء
وكسرنا كل شيء
واقتلعنا كل شيء
ورمينا لكم أسماءنا
فالبوادي رفضتنا.. والمواني رفضتنا
والمطارات التي تستقبل الطير صباحاً ومساءً.. رفضتنا
إن شمس القمع في كل مكان.. أحرقتنا
سامحونا
إن بصقنا
فوق عصر مال تسمية
سامحونا إن كفرنا
ميدل ايست أونلاين