مع الربيع العربي

 

أذكر جيدا كيف أطلقنا اسم ” الربيع العربي ” على الأحداث العنيفة التي نسبت في معظم الأقطار العربية قبل عشر سنوات تقريبا و كأن هذا الإسم بشارة بقرب خلاص الوطن العربي من أوباء التخلف و الفساد و الإستبداد كبداية لعهود جديدة مزدهرة من التحرر و التقدم شبيهة بفصل الربيع المزدهر بعد أعاصير ” الشتاء” المدمرة .

أذكر تلك التسمية المتفائلة و التي تعد جديرة أن تسمى ربيعا بسبب ما يحدث الأن من إضطرابات عنيفة في ليبيا و اليمن و الجزائر و السودان و سوريا ، و أقول لنفسي : هيهات

ليس للربيع أي دور في مجتمعات الوطن العربي السائر نحو المزيد من الفساد و الخراب …و إن لا ، فلماذا إستمرت الإضطرابات في تلك الأقطار ، و هل نجت الأقطار الأخرى من هذا الوباء ؟.

صحيح أن ما يجري في الجزائر مثلا لا يشبه ما يجري في اليمن أو ليبيا ، ففي الجزائر نشاط جماهيري وطني ضد عهود الفساد و الإستبداد التي سيطرت هناك منذ عشرين عاما ، و أن ما يجري في السودان شبيه بما يجري في الجزائر منذ أمد أقصر أما اليمن و ليبيا فهما غارقان حتى اليوم في بحران من العنف و الدمار و الفساد ، أما سوريا فهي كما يبدو لم تنج حتى الأن من أحداث التمرد و الإرهاب في بعض مناطقها الشمالية .

غير أن الأقطار العربية الأخرى ما تزال تواجه صعوبات الحياة اليومية مما يدفع حقا إلى تصور التخلف و الفساد كوضع بائس تكاد صورته تحتل الأرض العربية كلها ، فماذا نسمي هذا الزمن ، هل هو جدير باسم الربيع  مع أنه أقسى  فصول العام كلها ؟…

في هذا المناخ المضطرب تبدو المظاهرات الجماهيرية الواسعة الصاخبة هي التعبير الأصدق حقا في وصف الجزائر أنها الأحق بتسمية ” الربيع ” ذلك لأن هذه الجماهير منذ ثلاثة أسابيع تقريبا تتظاهر و قد تحررت من الخوف و التدخلات الأجنبية كما في ليبيا و اليمن و مثلها السودان تقريبا ، و لكن الخلاص الحقيقي السليم من الأمراض التي تفتك بالأمة العربية منذ ألف سنة و نيف ما يزال خلاصها مهددا بطغيان العناصر العسكرية كما يبدو حتى اليوم ، فماذا نسمي حقا عهودنا في بلدنا سوريا مثلا ، هل هو فصل ” الربيع ” أم ” الشتاء” القاسي المدمر ؟

أنا شخصيا لا أجد فصلا جديرا بأن يكون فصل الخلاص لبلادنا من الأمراض التي تعودنا عليها منذ ما يقارب الألفي عام تقريبا كي نسميه ” ربيعا ” … فما عسانا إذن أن نسمي زماننا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى