معارك الصواب
معارك الصواب… للنصر ألف أب، أما الهزيمة فيتيمة!
نصر أم هزيمة؟
عبارتان تتصفان، عند العرب، بالعشوائية، أو بالتباسهما مع الواقع والحقائق، التي غالباً ما تظهر بعد زمن من حدوث الحدث، بالحرب مثلاً، على حقيقة مختلفة!
بالطبع لا أستطيع، مع غيري، أن نفهم لماذا لا يعتبر خسارة محافظة بكاملها ـ مثل القنيطرة السوريه ـ في حرب 1967 “هزيمة”، واعتبروها نكسة”. وتفسيرهم : أن الهزيمة هي سقوط النظام التقدمي الاشتراكي، وليس احتلال الأراضي، وتحطيم الجيوش، والوصول إلى قتال على أبواب العواصم! في أكتوبر 1973 حوصرجيش مصري بأكمله (3فرق) الجيش المصري الثالث، ومحافظة كاملة على القناة (السويس) واحتل شارون منطقة واسعة غرب قناة السويس حتى مسافة 100 كم عن القاهرة.
واحتلت إسرائيل منطقة بحجم الجولان من الأراضي السورية، على الطريق إلى دمشق. ومع ذلك فلا مجال للكلام عن هزيمة…بل نصر!
الآن…
دعوني أسأل، بعد الحرب على غزة…كيف يكون النصر، وكيف تكون الهزيمة؟
لا يمكن تحديد النصر مثلاً بعدد صافرات الإنذار التي تدوي في المدن الإسرائيلية تحسباً لسقوط الصواريخ… هذا إجراء ضروري لكل أنواع المدن في الحروب.(الانشاء الاعلامي يعتبره نصرا)
لا يمكن اعتبار اصابة مستوطنات الطوق حول غزة، أو سقوط بعض الصواريخ في مطار، أو إصابة تجمع للعدو، أو لجوء ضابط كبير للملجأ…هزيمة للعدو، ونصر للمقاومة. ففي أيامنا ممكن تصنيع أسلحة في ورشة الحدادة. والمستوطنات ممكن اصابة كتلتها .
لا يمكن…التحدث عن النصر بلغة أرقام تتصل بخسائر كلا الطرفين. في هذه الحالة…تعتبر خسائر قطاع غزة في البشر والحجر والمؤسسات فادحة لا تعوضها المعنويات الآتية من سمعة الصواريخ، التي لم تكن فعّالة عسكرياً، في الحقيقة. وهي أقل من سمعتها بكثير.
لا يمكن الحديث عن النصر لأن إسرائيل فاوضت…لمجرد أنها فاوضت. كما لا يمكن الحديث عن التنازلات. ذلك لأن المفاوضة هي تقدير مشروع للقادة السياسيين في المعارك، وعبر موازين القوة، واحتراماً للاعتبارات. المفاوضة (لدى أي طرف) ليست كرامة شخصية فيها معادلة عزيز/ ذليل، كما أن التنازلات لم تحصل: لا الحصار انتهى، ولا المعابر فتحت، ولا تغيّرت فكرة إسرائيل الدفاعية… فهي ستضرب القطاع كلما كان هناك سبب لهذا الضرب…وستطلق حماس صواريخها رداً على هذا الضرب… ثم يلملم الغزاويون زجاجهم وينتظرون تحت شرفات بيوتهم المهدمة… لجنة إعمار الخيمة!
النصر… طال هذه المرة “المقبرة السياسية” لأوسلو…الخطاب الآن لم يبق أمام الفلسطينيين أي خيار سوى الصواريخ. ولم يعد هناك مبرر لتعديل شعار حماس التحريري: من البحر إلى النهر (أي فلسطين كلها، وليتدبر آخر يهودي مغادر إطفاء النور في مطار بن غوريون!)
ثم أن النصر… أيضاً جعل حماس تتأكد من صحة توجهها، بالإنفراد بغزة، وبقرارات مصير غزة، وقرارات الحرب والسلم، التي لا تشارك بها أحدا…لا عباس ولا فرناس. لأن صوابها إلهي غير قابل للمناقشة!
……………
إن النصر والهزيمة مقولتان عربيتان يزداد التباسهما عندما يكون “النصر” بأي ثمن، وعندما تكون “الهزيمة” بلا قاع.
النصر في كفاح الشعوب خطوات تراكمية مدروسة، وقيم متعددة، وتكتيكات متنوعة، وتحقيق أهداف وسيطة، وكل هدف يقصّر الطريق إلى الذي يليه ولا يجعله مستحيلاً أو عسيراً.
………….
لقد أعطيت إسرائيل شرعية ما فعلت بمقتل 3 مستوطنين لا مبرر لقتلهم بعد احتجازهم أو أسرهم. الأمر الذي أدى إلى الحرب.
وهذا يعني أن الحرب افتعلها أحد ما لأغراض سياسية أخرى لا علاقة لها بالنصر، أو إنجاز هدف على طريق التحرير. الحرب انفرضت، وربما كان هناك حاجة حقيقية (دون أن تكون موضع تقدير إيجابي) إلى سلة بطولات شعب يضحي بكل شيء منذ قرن…ليعلقها بعضهم أوسمة على الصدور…أو ليرجع بعض القادة إلى الصفوف الأولى في خريطة الأحداث. بعد استبعادهم عن الأضواء.
غزة كانت بحاجة إلى الطعام أكثر من حاجتها إلى أن تكون طعاماً للمدافع!
غزة تستطيع استعادة شرف النضال المستمر في أي وقت، دون أن يكون توقيت “القادة” على مقاس “السادة”.أو بأوامرهم.
وطبعاً أرجو أن يسامحني أنصار الصواريخ، فأنا لست مع أنصار المخابىء (أكيد)… ولكن إلى متى نظل أسرى التوقيتات الخطأ في المعارك…الصواب !؟