معركة حلب ونفاق وسائل إعلام الحرب الأميركية
يصادف هذا الأسبوع مرور عامين على أحدث حرب للولايات المتحدة الأميركية ضد العراق وسورية، منذ بدأ الرئيس باراك أوباما الحرب تحت اسم محاربة الدولة الإسلامية، وبينما يواصل التدخل العسكري الجديد لبلاده استمراراً “للحرب العالمية على الإرهاب” فإنه يتخذ أيضاً من مزاعم حقوق الإنسان مطية ، مستحضراً خطرتنظيم داعش على الإيزيديين في العراق ومؤكداً أنه “لا يمكن غض الطرف”عندما تتعرض الأقليات الدينية للتهديد، وقد أدى هذا التدخل إلإنساني إلى الحصيلة الأكثر دموية من أي وقت مضى وفقاً لتقرير صدر هذا الأسبوع من قبل مجموعة –Airwars- بمناسبة الذكرى السنوية وقد ذكرت التقارير مقتل 4700 من المدنيين نتيجة للغارات الجوية “للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ” (95% نفذت بواسطة طائرات حربية أميركية) وأكثر الضحايا هم من العراقيين والسوريين وذبح الأطفال والنساء بسبب القصف الأميركي خلال عامين ، مع ارتفاع حصيلة القتلى في صفوف القوات الأميركية خلال ثماني سنوات من الحرب التي أطلقها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عام 2003.
جميع الأكاذيب والذرائع التي ساقتها الإدارة الأميركية في حربها الأخيرة في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى عقد ونصف من الحروب التي تخوضها واشنطن منذ هجمات 11/9 انفجرت خلال الأيام القليلة الماضية بينما تحتفل وسائل الإعلام الأميركية بالانتصارات المزعومة لقوات “المتمردين” في المعركة، من أجل السيطرة على حلب العاصمة التجارية السورية. لقد تم تنظيم هجوم “المتمردين” بقيادة منظمة لسنوات من تشكيل تنظيم القاعدة الفرع السوري، وقد حملت العملية اسم رجل متطرف يدعى” ابراهيم اليوسف” تكريماً له لارتكابه مجزرة في حزيران من عام 1979 راح ضحيتها العشرات من الجنود والضباط السوريين ، وألقي القبض عليه لاحقاً ، ولم يتوقف أحد عند هذا الأمر المثير للسخرية هم يتحدثون عن حقوق الإنسان والإرهاب وحجم المكاسب العسكرية التي حققتها القوات التي يقودها تنظيم القاعدة في حلب عبراستهدافهم وقتلهم للمدنيين بقذائف الهاون والمدفعية وتشويه المئات، في مناطق سيطرة الدولة السورية في القسم الغربي من البلاد حيث تعيش الغالبية العظمى من السكان، واتهمت واشنطن وحلفاؤها ووسائل الإعلام الغربية وجماعات حقوق الإنسان ، الدولة السورية بأنها ترتكب جرائم ضد الانسانية بسبب قصفها للجهاديين في شرق حلب، بينما هي الآن لامبالية بهؤلاء الإرهابيين المدعومين من الامبريالية ويقتلون المدنيين في القسم الغربي من المدينة.
لقد ذهبت بعض وسائل الإعلام الغريية بعيداً إلى حد الاحتفال بمآثر “المتمردين” الانتحاريين لتوفيرهم “ميزة” استراتيجية للميليشيات المدعومة من الغرب وبين الحسابات الأكثر ازدواجية وافتقاراً للنزاهة والأخلاق للقتال الأخير هو ذلك الذي ظهر مؤخراً على صفحات نيويورك تايمز التي خصصت بعناية التغطية والخط التحريري للأخبار لخدمة أهداف الامبريالية الأميركية المفترسة.
في مقال حول حلب كتبت صحيفة “ذا تايمز” بأن “المتمردين وحلفائهم الجهاديين” شنوا الهجوم كتحدي لسيطرة الدولة السورية وجاء في المقال “هناك عامل حيوي في تقدم المتمردين مع نهاية الاسبوع، نتيجة للتعاون بين الجماعات المتمردة الرئيسية، حيث أن بعضها تلقى الدعم بالسلاح السري من الولايات المتحدة الأميركية، ومن المنظمة الجهادية التي كانت تعرف سابقاً باسم جبهة النصرة، التي كانت تابعة لتنظيم القاعدة”.
التقارير الصحفية على هذا النحو أتت عرضاً كما لو أنها تنشر تقريراً عن الفنان الراحل المعروف سابقاً باسم الأمير، جبهة النصرة غيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام وأعلنت انتسابها الرسمي بمباركة من تنظيم القاعدة أي قبل أسبوع فقط من شنها هجوماً في حلب، هناك كل ما يدعو للاعتقاد بأن إعادة تدوير هذا التنظيم تم بالتشاور مع الCIA في محاولة منها لتطهير رسمياً، الدعم الأميركي للهجوم الذي تقوده مجموعة لطالما نددت واشنطن بها كمنظة إرهابية.
نيويورك تايمز لم تسمي أبداً أي من الجماعات الرئيسية المتمردة التي تقول بأنها تقاتل إلى جانب ميليشيا تنظيم القاعدة، ما يشير إلى أنها تشكل بعض القوى التقدمية الليبرالية، في الواقع إحدى هذه المجموعات نشرت مؤخراً شريط فيديو يظهر مقاتلوها يقطعون رأس طفل جريح في ال12 من عمره، وتقريباً جميع هؤلاء لهم نصيب من النظرة الايديولوجية الجوهرية للقاعدة، أما صحيفة “فايننشال تايمز” اللندنية فقد نشرت أكثر تقاريرها صراحة حول هجوم “المتمردين” على حلب، مشيرة إلى أنهم ربما حصلوا على المزيد من المساعدات الخارجية وأكثر من ذلك حيث يبدو نشطاء ومتمردون يقولون بان قوات المعارضة تحصل على أسلحة جديدة وأموال وغيرها من اللوازم الضرورية قبل وأثناء القتال، وتستشهد تقارير الأعمدة اليومية بالشاحنات المتدفقة عبرالحدود التركية على مدى أسابيع وهي محملة بالأسلحة والذخيرة بما في ذلك المدفعية والأسلحة الثقيلة الأخرى، ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي غربي قوله إن المسؤولين الأميركيين يدعمون الهجوم الذي تقوده القاعدة “من أجل بعض الضغط مرة أخرى على روسيا وإيران” بسبب دعمهما ووقوفهما لجانب الدولة السورية، كما نقلت الفايننشال تايمز عن “المحلل العسكري” لذي لم تذكر اسمه قوله بأن طابع القتال يشير إلى أن قوات القاعدة تلقت ليس فقط كميات هائلة من الأسلحة، وإنما أيضاً التدريب العسكري المهني، وبينما القتال ما يزال جارياً، ظهرت صوراً للقوات الخاصة البريطانية المدججة بالسلاح تعمل على مركبات دورية –بعيدة المدى- في شمال سورية، أيضاً الوحدات الأميركية تعمل على أرض الواقع والأمر الأكثر ريبة أن هذه القوات تعمل على تدريب تنظيم القاعدة، الفرع السوري هم فقط يكررون السمات الأساسية للعملية الامبريالية التي أدت إلى صعود تنظيم القاعدة قبل 30 عاماً، عندما كانت الCIA تعمل في تحالف وثيق مع أسامة بن لادن وفي عمل مماثل من دعم “المجاهدين” للإطاحة بالنظام المدعوم من أفغانستان، وبينما رد الفعل السلبي لتلك الحادثة أنتج لنا في النهاية هجمات 11/9، فإن العملية الحالية في سورية تحمل مخاطر أكبر بكثير حسبما وصفتها وسائل الإعلام المتعاونة ب “حرب بالوكالة”حيث يخدم تنظيم القاعدة كبديل للقوة الامبريالية الأميركية على الأرض، واشنطن في محاولتها الاطاحة بحليف روسيا الأساسي في الشرق الأوسط كجزء من الاستعدادات للحرب تهدف إلى تمزيق وإخضاع روسيا نفسها، لقد أشارت المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً للانتخابات الأميركية هيلاري كلينتون إلى أنها تنوي اتباع سياسة أكثر عدوانية بكثير في سورية ضد روسيا، ما يجعل المكارتية الجدد يتهمونها بأنها وضعت فلاديمير بوتين في صلب العملية الانتخابية وكجزء أساسي من حملتها، إذا كانت واشنطن ستنتظر حتى يوم التنصيب في كانون الثاني المقبل لتصعيد عدوانها إلى أبعد ما يكون، فإن مكاسب “المتمردين” في حلب تكون قد انعكست سريعاً والقتال قد ينتهي بحرمان ميليشيا القاعدة المدعومة أميركياً من آخر معقل حضري لها.
الامبريالية الأميركية يشك بقبولها توحيد الدولة السورية المتحالفة مع موسكو، والضغط ربما سيؤدي إلى المزيد من التدخل المباشر، ما يهدد بصراع مباشر بين أكبر كتلتين في العالم، بين القوات الأميركية والروسية، ليس بعد 15 عاماً من إطلاق حملتها الترويجية “الحرب على الإرهاب” واشنطن ليست فقط مجرد حليف مباشر مع الهدف المفترض لتلك الحرب –القاعدة- وإنما هي تستعد لإطلاق العنان لعمل أعظم وأكبرمن أعمال الإرهاب على إنسانيتنا-حرب لا يمكن تخيلها- حرب عالمية ثالثة.
موقع:World Socialist Website