مفكرة الأيام 3
ـ 1 ـ
كان أرسطو يقول: “إن الموت والحياة سواء”.
فقال أحدهم: ما دام الأمر كذلك، لم لا تقتل نفسسك؟.
فأجاب: “أنا قلت إنهما متساويان، ولم أفضل الموت على الحياة”.
وهكذا…ينظر السوريون إلى مدنهم المهدمة، بعين تخلو من الفلسفة، وهي مليئة بأحد اثنين الدمعة أو الشمعة. الشمعة القديمة حين لم تكن قد ولدت الكهرباء لتجعل الحياة بكبسة زر مهرجاناً من الضوء، ولكي تجعل الدنيا ظلاماً بضغطة زناد.
الشمعة ذات لهب راقص. هذه إحدى صفات علاقتها بالهواء…ولكن إحدى أهم صفاتها ، هي الصعود…صعود اللهب إلى الأعلى ، دائماً إلى الأعلى. هكذا تعلّم منها الإنسان صناعة مشعل يبحث به، في ليالي الزمن القديم، عن بقرة ضائعة.
المدن…مدن السوريين، هذه الأيام، تجعلنا نفكر بإحدى طريقتي الأمثولة في التاريخ: الأولى: التعمير، والثانية: التدمير. وأظن أن التدمير كان الأسهل. والآن إعادة اعمارالحياة، دون فلسفة عظمى، رغم أنه الأصعب.
ـ 2 ـ
كان يرقد في المشفى بصدر مفتوح على ضمادات، وابتسامته ترفرف كعصفور في ضوء النافذة. لقد استأصلوا رئتيه لأنها ملئت بدخان سيء وزمان ثقيل. والرئة هي لتكريرالهواء. وعند استئصالها تصبح لتوفير الهواء. هذه ورطة الخذلان التي يمارسها الجسد بأمر من سيده الإنسان.
قلت له : والآن؟
قال: في مقدمة إحدى كتبي هذا النص، قد يجيبك على سؤالك:
” تمنيت أن أكون نبياً. قالوا: محمد آخر الأنبياء.
تقدمت لأصبح معلماً، رفضوني لأني لا أقيم الصلاة.
جربت أن أكون شاعراً. قالوا: أنت لا تجيد الرقص.
قلت: فلأكن حاكماً. قالوا: تعلّم القتل أولاً.
وهنا رحت أبحث عن قلب أبكي فيه.”
حسناً فعل هذا الرجل، أنه رحل ولم يرَ أرسطو منتحراً.
أتذكر ذبول شمعة الكاتب بو علي ياسين، بلهبها المتصاعد وهي تترنح للإنطفاء.
ـ 3 ـ
قبل عشرين عاماً … كتبت في مفكرة الأيام هذه التأملات في مثل هذه الأيام…العام الجديد الميلادي:
“…كتاب وصايانا فقير، ودساتير حياتنا مخربشة، وشعارنا ما زال وحشياً:
” أفتك بمن حولك، أيها القوي، لتجعل الحياة عسيرة على سواك”.
“يقولون: هناك ثلاثة أنواع من الصلوات القديمة،
الأولى: أنا قوس في يديك يا مولاي…شدّني لئلا أتفسخ .
والثانية: لا تشدني كثيراً يا مولاي…لئلا أتحطم.
والثالثة: شدني أكثر يا مولاي…فمن سيهتم إن تحطمت ؟
ـ 4 ـ
اليوم…مات فار صغير ونحن نحاول إمساكه بلطف لكي تراه، عن قرب، طفلة تحب الحيوانات. وفي محاولاته التملص والمقاومة…سقط مرتين على الأرض. ارتجف قليلاً ومات.
بالنسبة لطفلة ما تزال الحياة بالنسبة لها جمالاً ولعباً…حدثت كارثة. فأظهرنا أسفنا التربوي بدفن جليل للفأر في حوض نباتات، ثم غرسنا على قبره وردة أقحوان برية. لكن الطفلة ظلت تعتبر نفسها مسؤولة عن موته.
قلت لها: “هو فأر…لا تحزني كثيراً”
قالت: “لا…هو قتيل. نحن قتلناه”.
هكذا يبدأ الإنسان…بضمير أبيض صغير واضح، يبدو في نظره الفأر قتيلاً جديراً بالأسف والحزن، ثم عندما نكبر نبدأ بإطلاق الرصاص على أي شيء، ونتدرب على دعس الحياة، ونصفق لمن يقتل. وتصبح المجازر، في زمن بؤس ما، بطولات ، ومرتكبوها أبطالاً.
ـ 5 ـ
قالت: ينقص هذا البيت…
الذي مصادفة عثرنا عليه لإيواء ما تبقى فينا من جمال:
ينقص هذه البيت نافذة.
قال: نرسمها .
ـ 6 ـ
من وجهة نظر المسيح: عيد الميلاد يعني الاحتفال في فلسطين، وكل الاحتفالات في العالم صدى لأجراس كنيسة المهد .