«ملتقى الرواية العربيّة الأول»: أزمة الفرد وخطاب المدينة
بانتهاء ورشة أعمال مؤتمر الرواية العربيّة الذي أقامته الجمعية اللبنانيّة للفنون التشكيلية (أشكال ألوان) في بيروت على مدى أربعة أيام (29 نيسان- 2 أيار)، صار بالإمكان الحديث، بنسبةٍ ما، عن مفهوم «الرواية العربيّة» كنوع كتابيّ صاعدٍ من منظوراتٍ عدّيدة. بطبيعة الحال، سوف تكونُ قراءةُ أعمال المؤتمر، حالَ صدور ونشر الأوراق البحثية التي ألقيت والمداولات، خطوةً لازمة ومكمِّلة ولا يمكن فصلها عن منجَز هذا المؤتمر.
لعلّ الملاحظة الأولى التي تستوقف الناقد حول ما جرى تناولهُ من ثيمات تتصّل بواقع «الرواية العربيّة» هو الانتباه إلى فكرة كون هذا النوع، وقبل الخوض في قراءات التجارب المشاركة، هو مفهومٌ ملتبسٌ يظلّ في حاجة إلى التحديد وإلى إقامة تعريفاتٍ حول طبيعة هذا المفهوم. هل نتحدث عن مفهومٍ واحد متفرّد تنضوي تحت مظلته مجمل السردياتِ القصصية المحدثة في أغلب البلدان العربية أم إننا نتحدّث عن أنواع سردية قد تكون في بعض الأحيان غير قابلة لكي تنضوي تحت هذا العنوان. في هذا الحيّز، طُرحت، (وهو ما أثير بشكل لافت على سبيل المثال في الندوة السابعة عن الرواية والأخلاق والمدينة)، أسئلة جوهريّة عن موضوعة الرواية التي تفترق في خاصيّة اللغة المستخدمة كمحمول للهياكل السردية والثيمات لناحية كونها، في بعض التجارب، لغة لا يمكن إدراجها في خانة الفصحى. بل إنها المحكية. يسوقنا الحديث هنا إلى طرح سؤال جوهريّ عن الأرضية اللغوية النثرية التي تنهل الرواية العربية منها، محكيّة أو فصيحة فضلاً عن السؤال الإشكالي الذي يتصل بكون مجمل التجارب الروائية التي توسلت المحكية في نسيج القصّ لا تخرج، في العمق، حتى أثناء توسلها الديالوغات المحكية، عن هيكل الرواية المؤسّس بنائياً على اللغة الفصحى.
بطبيعة الحال، تحاكي الرواية العربية كنوع كتابيّ من الناحية الشكلانية والهيكلية وطرائق القصص وبناء الشخوص الرواية الغربيّة باعبتار أن الفنّ الروائيّ بالمجمل هو نوع غربيّ النشأة. الاختلاف، في هذا الحيز، وهي الثيمة التي تطرق إليها المؤتمر في الندوة الثانية، هو افتراق في كون الرواية العربية هي نوعٌ كتابي ٌمتأخّر وقد شهد انفجاراً أو توسعاً، في العقود الأخيرة، ربطاً بتحولات بنيوية أصابت الاجتماع العربيّ. فتكاد مجمل الأوراق البحثية المقدمة في المؤتمر حول التجارب الفردية المكرسة أو سواها أو تجارب المحترفات تتفق في مسألة كون هذه الرواية هي العاكس الأكبر راهناً لأزمة الفرد على غير مستوىً في المدنية العربية المعاصرة. إنها الخطاب الأكثر جاذبية والأشد ملاءمة لما يدور في أنسجة هذه المدينة والقادر، وهو الأهم، على محاكاة، شرائح من المتلقّين، لغة وثيماتٍ وشخوصاً. شرائحُ صارت مع الوقت تجد في هذا النوع الروائي المعبّر الأول عنها.
عمليّاً، وربطاً بسؤال الرواية باعتبارها خطاباً يناهض السلطة، فإن تحديداً أو رسم مساراتٍ أو محاولة تأرخةٍ للتجارب الروائية العربية من نصف قرن حتى اليوم، قد يفيد في بلورة تصـوّرات ناجزة عن مفهوم الرواية العربية وتالياً النظر فيما لو كان بالإمكان الرؤية، إلى هذا النوع، بطريقة ممنهجة تتيح تحقيب التجارب وترتيبها ربطاً بأمزجةٍ ونبرات وتقنيات سردية تعكس الذات وتحاكي تحولات الخارج الموضوعيّ.
من نافل القول، في الخلاصة، إن التشعب والاستطراد من سمات نوع كهذا من الورشات الأدبية، وهذا مفهوم باعتبار ضعفِ الحركة النقديّة عموماً في العالم العربي إذ يكون من واجب النقد التأطير، فضلاً عن ندرة المشاركين في المؤتمر بصفتهم نقاداً أدبيّين أكادميين لصالح الأسماء الروائية. هنا يغدو السؤال الجوهريّ والذي يظل بحاجة إلى إجابة هو ارتباط أزمة النقد الأدبي عموماً والروائي خصوصاً، ولا نتحدث عن المراجعات الصحافية السريعة، نقول ارتباطها بأوضاع الرواية في البيئة الثقافية العربية فصلاً عن «إشكالية» الجوائز والمكافآت الأدبية الروائية الدورية ومدى كونها في العمق نتاجاً لجودة النوع والتجربة أو إنها فقط قشرة فوقية تخضـع لمعايير تسيء في النتيجة للنوع الكتابي ككلّ.
صحيفة السفير اللبنانية