من أخطاء المعتزلة إلى يومنا هذا
لا ريب أن أسباب التخلف الحضاري أو ما يسمى عصور الانحطاط التي أصابت الأمة العربية الإسلامية ليست أسبابا حديثة فهي قديمة جدا ، و إن لا فكيف تفسر سلوك نظام ” المعتزلة ” الفكري الجديد من نوعه في العصر العباسي حين إستخدام أصحابه أشد أساليب العنف في فرضه على المجتمع آنذاك بدءا من عهد الخليفة ” الأمين” بن هارون الرشيد و أخيه ” المأمون ” خاصة و أخيرا ” المعتصم ” على غرار محاكم التفتيش الكاثوليكية في الأندلس بعد سقوط الحكم العربي في إسبانيا.
إن إنضمام ” المأمون ” على الأخص إلى فكر المعتزلة كان نموذجا للحكم الإستبداي العنيف حين غدا الخليفة العباسي الشهير من أشد أنصار المعتزلة قسوة و إضطهادا كما جاء مثلا لدى المؤرخ المذهبي هشام القوطي حين قال : ( لقد كان مباحا للمعتزلة قتل خصومهم غيلة و خفية و الإستيلاء على أموالهم بالخداع أو القوة و كأنهم كفرة في معتقداتهم و خارجين عن الشريعة فيما يملكونه من أموال و متاع..))
هكذا كان المسلمون يتصرفون مع خصومهم كما حصل مع المعتزلة بالرغم من تفكيرهم التقدمي الجديد في تفسير الشريعة و كان خصومهم أكثر قسوة و طغيانا فيما بعد عهد المعتصم أي منذ خلافة ” المتكل” فلقد تتالت أساليب الطغاة المسلمين في العهود المختلفة كما تتالت أحداث الإغتيالات منذ العهد الراشدي مع مصرع عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان و أخيرا علي بن أبي طالب ، و تنوعت فيما بعد بدءا من القرن الرابع الهجري أحداث العنف و فقدان الخليفة المسلم سطوته مما أدى إلى تمزق الأمبراطورية الإسلامية و إنهيارها لأسباب كثيرة أهمها طغيان التعصب الفكري والديني الذي أدى بالتالي إلى فقدان حركة التقدم في تيار الحضارة التي فقدت طابعها التقدمي الأصيل في مواجهة الجهالة و التعصب الفارغ و فقدان حرية الفكر التي أساء المعتزلة استخدامها بالرغم من طبيعة الفكر الإعتزالي التقدمية التي أصابها على أهميتها وباء الطغيان وفقدان البشر عموما في مضمار حركة التقدم الحضاري ما يحتاجونه من حرية العقل البشري .
ليس حديثنا هذا إدانة لعصر معين و إنما هو كما أردناه نوعا من التنشيط للذاكرة الإجتماعية عموما في الفهم الصحيح لحالة التخلف العربي في فسادها و تطور أخطائها التي ما تزال تأخذ بخناقنا حتى اليوم .