من طرائف الحرب
“هناك شيء أسوأ من العمى…وهو رؤية شيء ليس له وجود.”
___________________________________
لكل حرب طرائفها مثلما لكل حرب مآسيها: الروس يقولون: الحل سوري ـ سوري، وهي على أرض الواقع أشبه بمطلع موسيقي جذاب لأغنية فكاهيه. فالروس لديهم الآن غرفة في حميميم (القاعدة الجوية الروسية) وربما تكون غرفتان وصالون، لاستقبال مختلف المسلحين الراغبين في الهدنة، والتهدئة، وإنهاء الحرب لاحقاً. هذا الوضع اسمه الحقيقي روسي ـ سوري.
وهو قد يكون الضرورة في السياسة، أو الحقيقة في الميدان.
الأمريكيون يقولون الشيء نفسه. نحن نعرف أن الوضع، في مكان آخر، هو أمريكي ـ سوري (من نوع ما). وقد يكون هذا من طبيعة الأشياء…لأن المسرح كله، عسكرياً وسياسياً، هو مسرح أمريكي ـ روسي، وبالتفاهم على…التقاسم.
الأمر الغريب، الطريف، مشهدياً على الأقل، أن تقول السعودية، بعد أشهر من تدمير اليمن، أن الحل يمني ـ يمني. بعد أن كان الحل سعودي ـ يمني. وحربي ـ حربي. وهذا بعكس ما يجري على الأرض: كسر الخصم بات مستحيلاً، وابتلاعه أيضاً.
كلنا نعرف من البداية للنهاية أن الحلول هي في مكان آخر من العالم. ولكن نوع الحلول في الميدان أولاً.
من طرائف الحرب أيضاً…الاعتراف بالأخطاء الاستراتيجية الكبرى. كأن يعترف الرئيس الأمريكي بخطأ مناصرة النيتو في قصف ليبيا، وإزالة القذافي دون بديل. وسوء تقدير القوة الضرورية لانجازهذه العملية. إن جملة “فوات الأوان” تعريف بنوع من أخطار السياسة، وليس نوعاً من أخطائها: من يتخيل، مثلاً، أن أمريكا ترى حربها على فييتنام خطأ. وبلسان وزير دفاعها – مكنمارا- شخصياً، وذلك بعد ملايين القتلى من الفييتناميين، وعشرات الآلاف (55 ألف) من الجنود الأمريكيين. ثمة اعتراف أمريكا بخطأ غزو العراق…وفي سورية هناك أنواع ضمنية من الاعترافات، تمثلها عدة أنواع من التراجعات عن مواقف سابقة !
غداً مؤتمر جنيف.
ثمة طرائف أيضاً، ذكرناها سابقاً، منها أن الوفد المعارض المفاوض، في العمق الثقافي والعقلي، يشبه وفد السلطة السورية، لا لأن معظم أفراده كانوا في السلطة، وأولهم رياض حجاب (رئيس وزراء سابق، ورئيس وفد مفاوض لاحق) … بل لأن أداءهم يدل على نوع غريب من تجاهل الوقائع، يؤدي إلى نوع مستحيل من الاتفاق:
وفدالمعارضة لا يتجاهل الروس، وإنما لايعترف بدورهم.
يعرفون أن هناك اتفاقاً بين الروس والأمريكان، ولكنهم يشترطون ما لا يناسب الاتفاق.
يدركون أن الواقع الحربي على الأرض تغير، ولكنهم يصدقون المسلحين بإمكانية النصر على النظام.
يفهمون أن التفاوض هو بين طرفين ولكنهم يأتون إلى جنيف كحاملي رايات العصور المقبلة.
من طرائف الحروب أيضاً أن يكون “أمراؤكم في الجاهلية هم أمراؤكم في الإسلام”. كأن يكون رئيس الوزراء القادم هو الدكتور رياض حجاب ، ورئيس البلاد الباقي الدكتور بشار الأسد.
جنيف، هذه المرة أيضاً، هدنة بين حربين. ووقت مضاف لفرز الصفوف والصنوف. (المعارضة المسلحة ونفوذها. الدول الإقليمية وتسجيل تراجعاتها. السلطة السورية وإبراز إلى أين وصل ترويض مواقفها…إلخ.)
جنيف…اختبار ناعم في الغرف حسنة الإضاءة، للقوة الخشنة، صارمة العتم.
العلامة الوحيدة على إمكانية فعل شيء لسورية هو إعلان انتهاء داعش والنصرة عسكرياً.
هذا ممكن…ولكنه يحتاج إلى وقت، وفي هذه الأثناء يقوم كل فريق، وكل الفرقاء، بإنضاج عشائه المفضل الأخير !