إعلان حزب الله اللبناني زيادة أسطوله من الطائرات المسيّرة، مؤخراً، يفرض قواعد اشتباك جديدة مع “إسرائيل”، التي باتت تخشى قيام حزب الله باستخدامها في تعزيز بنك أهدافه وجمع معلومات استخبارية للاستعداد لأي مواجهة محتملة.
تتزايد حال القلق في “إسرائيل” من جراء الاعتراف الصريح بنجاح حزب الله اللبناني في تطوير قدراته العسكرية الجوية في مجال الطيران، خلال الأعوام الخمسة الماضية، ولا سيما في مجال الطائرات المسيّرة، من أجل تحقيق توازن في القوة والقدرات أمام سلاح الطيران الإسرائيلي، وهو ما اعترفت به قيادات إسرائيلية، ومفاده أن تنامي قدرات حزب الله اللبناني في مجال سلاح الطيران الجوي بات يشكل عامل قلق داخل “إسرائيل”، يزداد يوماً بعد يوم.
حديثاً، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية مرة أخرى عن حال القلق الإسرائيلي، وقالت إن الأعوام الخمسة الأخيرة شهدت تغيراً دراماتيكياً في القدرات العسكرية الجوية التي يمتلكها حزب الله اللبناني بدعم إيراني، الأمر الذي من شأنه تقليص الفجوات أمام التفوق الجوي الإسرائيلي.
التقديرات العسكرية الإسرائيلية الجديدة، وفق صحيفة “معاريف”، تشير إلى أن حزب الله ضاعف قدراته الجوية، وخصوصاً في مجال الطائرات المسيّرة في محاولة للتأثير، بصورة كبيرة، في القدرات الجوية الإسرائيلية، وخصوصاً بعد القرار الأخير الخاص بتفعيل منظومة الدفاع الجوي التي يمتلكها من طراز ” SA8 , SA22″، والتي تُعَدّ تغيراً استراتيجياً جوهرياً من جانب حزب الله.
نجح حزب الله اللبناني، على مدار الأعوام الاخيرة من الصراع مع “إسرائيل”، بعد فرض معادلات الردع والرعب، في تحقيق تكافؤ في ميزان القوة العسكري أمام قدرات “إسرائيل” الجوية ، وهو أكثر ما يُقلق “إسرائيل” في هذه المرحلة التي بات مشروعها ينحسر وينكمش بعد الإخفاقات الكبيرة، سواءٌ على صعيد المساس بمعادلات الردع وقواعد الاشتباك مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، أو بعد الهزائم المتتالية لها في المنطقة عامي 2021 و2023، فيما يعرف بمعركتي سيف القدس ووحدة الساحات ومناورات حزب الله الأخيرة، وصولاً إلى الفشل الإسرائيلي الذريع في التأثير في برنامج إيران النووي أو حتى نجاحاتها الدبلوماسية التي حققتها طهران في مقابل فشل مشروع التطبيع وتعطّله في المنطقة بعد اتفاق إيران السعودية، والتي كانت تطمح لتوسيعه.
إعلان حزب الله اللبناني زيادة أسطوله من الطائرات المسيّرة، مؤخراً، يفرض قواعد اشتباك جديدة مع “إسرائيل”، التي باتت تخشى قيام حزب الله باستخدامها في تعزيز بنك أهدافه وجمع معلومات استخبارية للاستعداد لأي مواجهة محتملة في حال فكرت “إسرائيل” في كسر قواعد الاشتباك القائمة. ولعل ما زاد في القلق الإسرائيلي هو نجاح حزب الله في فرض معادلة جديدة باستخدامه هذا النوع من السلاح وإطلاقه ثلاث مسيّرات فترة أزمة حقل الغاز كاريش.
منذ انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على “إسرائيل” عام 2006، تتجنب “إسرائيل” المواجهة المباشرة مع حزب الله، حتى جاءت المناورات العسكرية الأخيرة التي أجراها في لبنان، والتي أرسلت رسائل تحذير مباشرة إلى “إسرائيل” من أي محاولة أو تفكير في ضرب لبنان، في حالة تعكس ميزان الردع والقوة لحزب الله، وسط تزايد الحديث عن امتلاكه ترسانة عسكرية من طائرات مسيرة وصواريخ يبلغ عددها 200 ألف، وفقاً لتقديرات عسكرية حديثة كشف عنها مؤخراً.
أكثر ما يدور في العقل الإسرائيلي، وأصبح مسيطراً عليه في هذه المرحلة وأمام الأزمات الداخلية الواضحة التي تعيشها “تل أبيب”، هو العجز الإسرائيلي عن فتح مواجهة مباشرة مع حزب الله، واحتمالات أن تجد “إسرائيل” نفسها في مواجهة شاملة في عدة جبهات، وحال العجز الإسرائيلي هذه ليست بجديدة بعد أن وضعت أساساتها منذ حرب لبنان الثانية، التي خلقت حالة ميزان ردع كبير لـ”إسرائيل”، ولم تستطع أي من حكوماتها فتح جبهة مواجهة جديدة منذ تلك اللحظة.
قوة معادلة الردع، التي فرضها حزب الله على “إسرائيل”، بدت واضحة بصورة خاصة بعد الصواريخ التي انطلقت مؤخراً في اتجاه منطقة الجليل المحتلة، والتي تجنبت “إسرائيل” اتهام حزب الله بصورة مباشرة بها، خوفا من فتح مواجهة غير محسوبة لا تستطيع تحمل تبعاتها، ولجأت حينها إلى تحميل حركة حماس المسؤولية المباشرة عنها.
ثمة تحدٍّ كبير يواجه “إسرائيل” حالياً غير الاستعداد والجاهزية لمواجهة حزب الله بشن حرب شاملة في عدة جبهات، لكنها تواجه معضلة بشأن كيفية التعامل مع النوع والطبيعة للأسلحة التي يمكن أن تفاجئها في حال حدثت المواجهة. ويتصدر قائمة الأسلحة، التي يمتلكها حزب الله وتؤرّق “إسرائيل”، سلاح الطيران الذي أصبح حزب الله يمتلك ترسانة كبيرة منه.
الأحداث الميدانية الأخيرة، في توقيتها وتطوراتها، تشير إلى تأكّل كبير في الردع الإسرائيلي بصورة واضحة ولافتة. والمتابع للشأن الإسرائيلي بعمق يدرك أنه لم تعد مراكز الأبحاث الإسرائيلية تتحدث عن مصطلح قوة الردع الإسرائيلي في المنطقة، أو ترميمه. وهذا يدلل على نجاح إيران في بناء محور مقاومة قوي يمتلك من الأسلحة والقوة ما يمكّنه من ردع “إسرائيل” وفرض المعادلة التي يريدها.
الطائرات المسيرة سلاح فتاك، وما يشغل “إسرائيل” هو دورها في الحرب المقبلة. وتزايد الحديث الإسرائيلي عن هذا النوع من السلاح من الطائرات يعكس ذعراً إسرائيلياً حقيقياً من استخدامها، ولا سيما بعد استخدام روسيا طائرة “شاهد 136” إيرانية الصنع في أوكرانيا، أصبح السيناريو المسيطر على الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية هو قيام حزب الله باستخدام مثل هذه الأنواع من الطائرات في أي مواجهة محتملة، بحيث تعيش “إسرائيل” سيناريو ترقب المعركة المقبلة في السماء، في وقت باتت، بجيشها ومؤسستيها العسكرية والأمنية، تضع التساؤل الأكبر على الطاولة: هل من المقرر أن تصبح “تل أبيب” والقدس نسخة عن كييف التي تعرضت للقصف بهذا النوع من الطائرات؟ وهل ستشمل الحرب المقبلة أسراباً لا يمكن السيطرة عليها من الأدوات أو الوسائل، التي تحلق بسرعة وبدقة نحو الأهداف الاستراتيجية والمباني في “إسرائيل”؟
“إسرائيل”، التي امتلكت هذا النوع من الطائرات وعرضت قوتها أمام العالم بامتلاكها سلاح الطائرات المسيّرة واستخدمته في صراعها مع المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، أصبح الآن يؤرقها ويقلقها ويتوعّدها بالهزيمة قبل وقوع أي مواجهة كبيرة مقبلة.