موسكو خلف دمشق

يتزايد نشاط السياسة السورية تجاه حلفاء دمشق والدول الداعمة لحربها على الإرهاب، الممتدة على طول حدودها، والمستمرة منذ خمس سنوات. في هذا الإطار تأتي زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى العاصمة الروسية موسكو لمدة ثلاثة أيام.
الزيارة الديبلوماسية، وبعيد الإعلان عنها، صاغ أجندتها، بيان الخارجية الروسية المكتوب بحساسية الإستراتيجي الطامح الى المساعدة في تفكيك المشاكل السورية، والوصول بها إلى حلول، مع محاولة تسهيل تنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، بدلاً من تنفيذ وجهة نظر خارجية للحل الديبلوماسي، المتعارف عليه اتفاقاً بـ «الحل السياسي».
وعلى وقع التطورات العسكرية وحجم التحولات الواضحة في بنية الميليشيات المسلحة، ومحاولات لتصفية مجموعات،إضافة الى رسم صورة مختلفة لبعض مشتقات القاعدة كـ «جبهة النصرة»، وتحويلها الى قوة «اعتدال» على الاراضي السورية، تعمل الديبلوماسية الروسية على إنجاح رهانها السياسي، القاضي بخلق جبهة سورية (معارضة وسلطة) ضد الإرهاب، تنزع الشرعية عن الفصائل المسلحة، وتمنح الشرعية السياسية (الدولية) للأعمال القتالية التي تخوضها مؤسسة الجيش العربي السوري. فالقاعدة التي تريدها موسكو وتبني عليها، هي عكس ما ترغب به القوى الغربية وتحديداً واشنطن، التي آثرت البحث عن «قوى معتدلة»، لتسليحها وتدريبها، ولمنحها شرعية القتال في سوريا.
في التقديرات الروسية الرصينة أن الطريق الذي اختارته موسكو للتوجه نحو الحل السياسي للأزمة السورية، صعب وشاق، وما يزيد من مشقته وصعوبته حجم الاستقطاب الدولي داخل الازمة نفسها. ولكنه في الآن ذاته، سيغدو الخيار (المسار) الوحيد، في لحظة الإجماع الدولي والتوافق الإقليمي، ما يدفع موسكو للتمسك أكثر بهذه الورقة التي يمكن استخدامها عندما تصل المسألة السورية من جديد الى لقاءات جنيف.
حتى اللحظة، ما زالت برامج العمل المقدمة على صعيد الحل السياسي للمشكلة السورية، تقف عند حد تقديم تصور ديموقراطي تجاوزته الأحداث خلال السنوات المنصرمة من عمر الأزمة. فالمشهد السياسي، ببعديه العسكري والسياسي، يبدو كالذي يعيد تشكيل نفسه، عبر تحولات في الميدان تذيب مجموعات وتظهر أخرى، وعبر تبدلات في السياسة تغير صور التحالفات وتعدّل معادلات في الإقليم.
وتطرح موسكو لتحقيق «الشرط الديموقراطي» في الحل السياسي السوري، تمسك الأطراف كافة ـ تحديداً بعض قوى المعارضة ـ بالحفاظ على دور سوريا الإقليمي، وهو من صلب الإستراتيجية الروسية التي صاغها الكرملين، ويتردد صداها في المحافل الدولية والمعارك الديبلوماسية التي خاضتها موسكو حتى الآن.
فالحلول السياسية من وجهة نظر روسيا، يجب ان تغلق الباب أمام نهج وأسلوب استخدام المجموعات المسلحة، من جانب دول، تعتمد ورقة الإرهاب للتعامل مع الأزمة السورية. ولا يجب منح هذه «الميليشيات»، حضوراً أو حوافز في أي توازن قادم داخل النظام السياسي السوري، حيث أن تلك القوى ستظهر عندئذ، من منظور موسكو، ممثلة للاعبين الإقليميين وأدوارهم فقط.
لقد ثبت أكثر فأكثر أن الموقف الروسي غير تكتيكي في الصراع على سوريا بل إستراتيجي بامتياز، حيث تولي روسيا أهمية كبرى للأزمة السورية برغم فتح جبهات دولية جديدة عليها في أوكرانيا وأخرى تتصل بحرب أسعار النفط.
على أن ذلك، لم يؤد الى كسر الزخم السياسي الروسي، بل بدت الرهانات على سوريا أكثر جدية من قبل.
وتتعلق المصلحة الروسية بدعم الدولة السورية بمسألة بالغة الأهمية، تتصل بكون الحرب التي يخوضها الجيش السوري ضد الإرهاب، ترتبط بشكل مباشر بانتشار ظواهر التطرف في منطقة القوقاز ـ بلاد الجبال كما يسمونها في روسيا – وبأن هذه الحرب، وإن طال أمدها، مفروضة على دمشق وموسكو في آن.
وتسود لدى أوساط روسية خشية من معاودة أطراف دولية ـ العمل على إحداث ثغرات في الجبهة الداخلية لروسيا، خاصة القوقاز الذي لم يشف بعد من جرح «الجهاد الشيشاني»، القابل للانفتاح مجدداً.
هكذا، أصبحت الجبهة السورية خط روسيا الدفاعي الأول عن أقاليمها الجنوبية، وباتت الحدود السورية بالمعنى السياسي ـ الأمني، تمتد من داغستان الى طهران.
من هنا، فإن التعاون بين موسكو ودمشق، حتى وإن لم تعلنا عن إنشاء جبهة موحدة رسمياً، وصل الى مستوى يجعل الروس غير مستعدين للتخلي عن حليفهم الإستراتيجي تحت الضغط.
صحيفة السفير اللبنانية