موهبة كتابة تجر صاحبها للسجن في ‘المتلعثم’
تتطرق أحدث أعمال الكاتب السويسري تشارلز ليفنسكي رواية “المتلعثم” لقضايا كبرى كالحرية والعدالة والسلطة والأخلاق، حيث تدور بأكملها في مجموعة من الرسائل بخط يد بطل الرواية السجين يوهانسهوزاي الذي يعاني من التلعثم والموهوب في الكتابة والذي دخل السجن بتهمة التزوير. هو يتلاعب في هذه الرسائل طوال الوقت بلغة فلسفية ومرحة. يؤمن بقوة الكلمة المكتوبة، التي يستخدمها من خلال سلسلة من الخطابات يكتبها دون ملل لكل مَن أثَّروا على حياته، من قسيس السجن، إلى بائع المخدرات الكبير، وصولًا إلى ناشره. كان من المفترض أن تكون حياته عكس هذا تمامًا، لكننا ندرك من رسائله شيئًا فشيئًا ما حدث له بدءًا من طفولته وكيف تعاملت أسرته مع تلعثمه، فيقرر أن يستخدم موهبة الكتابة لديه ليتلاعب ويتربح بها إلى أن ينتهي به الأمر في السجن، ومن ثم نرى معاناته أثناء سجنه، كذلك من تلعثمه.
يلجأ أحيانًا إلى كتابة الرسائل، أو يسعى أحيانًا لعزاء نفسه في مذكراته الخاصة، وأحيانًا أخرى يُظهِر لنا القاص والكاتب الأدبي القوي بداخله. ندرك ذلك من صيغة كل خطاب سواء بالمرسل إليه، أو باللغة المستخدمة التي يغيرها ببراعة في كل خطاب. بين لغة مثيرة للشفقة ومليئة بالتلاعب، وجميعها يأتي دفاعا عن النفس ومن أجل حياته المهنية، وفي مواجهة قضية الاحتيال التي وضعته في السجن.
في حوار له أجرته مترجمة الرواية نيفين صبح، أستاذ الأدب الألماني، وبثته دار العربي للنشر التي صدرت عنها الرواية، على صفحتها بالفيسبوك، قال تشارلز ليفنسكي إن تأليف كتاب هو بمثابة قصة مغامرة، وفي هذه الرواية كان الأمر مضحكا، كان لدي صديق، كنا نقوم مرة في السنة برحلة لكلينا فقط، نتحدث كثيرا ونأكل كثيرا، نتبادل النكات، ومرة كنا جالسين لتناول العشاء في مكان ما، أخبرني عن كتاب يود قراءته، إنه يحب الروايات التاريخية، سألني لماذا لا يكتب أي شخص كتابا عن: كيف ظهرت ديدان القز في أوروبا؟ كيف خرجت من الصين وأتت إلى السلطان في القسطنطينية؟ لماذا لا تكتب أنت هذا الكتاب إنها قصة رائعة؟. قلت: هذا ليس نوع كتبي، أنا لا أؤلف كتبا كهذه، ومن ثم بدأنا نتحدث عما يجب أن يكون في هذا الكتاب، ما نوع القصة التي يمكن أن يحكيها؟ ومن ثم تذكرت قصة رجل في العصور الوسطى وعد السلطان بأنه سيحضر له ديدان القز، ولم يستطع إحضارها لذا يقرر السلطان أن يقطع لسانه، ولم يستطع التحدث بقية حياته،لم يعد قادرًا على التعبير عن نفسه شفهيًا، كان هذا مجرد إلهام في إحدى الأمسيات، لكن تلك الشخصية ظلت في ذهني. ماذا نفعل برجل لا يستطيع التكلم؟. من هنا ولدت فكرة المتلعثم”.
وحول بطل الرواية سألته د.نيفين: هل تعتقد أن بناء هذه الشخصية بدأ منذ أن كان طفلا وفي المدرسة أم هو نتيجة لمشاعره وقراراته بالانتقام من الجميع، أهذا السبب وراء كل هذا؟، قال “لا أراه هكذا. بالنسبة لي الشيء المثير للاهتمام هو أنه يخلق نفسه، من خلال اختراع القصص، إنه كذلك، يمكن القول أنه يبتكر نفسه، وهو شخص مختلف عن الآخرين المختلفين، عندما يتحدث إلى القس يكون شخصا مختلفا عما إذا تحدث إلى المحرر، إنها مجرد طريقة للدفاع عن نفسه، إنه يدافع عن نفسه ضد العالم من خلال خلق قصص عن نفسه، والشيء المثير للاهتمام هو أنني ككاتب لا أعرف متى أعني ذلك حقا، لا أعرف أي قصة حقيقية، أو إذا كان أي منها صحيحا، فلا يمكنني إخبارك، لن أعرف، لأنه يروى لي القصص أيضا، وهو جيد جدا في سرد القصص، لذلك أنا حقا لا أعرف ما هي الحقيقة، وأعتقد أن هذا ما يجعل الكتاب ممتعا: إذا كنت لا تعرف حقا”.
ويرى ليفنسكي أن الرواية تلاعب مع اللغة، وفي الواقع أن هذا ما نفعله جميعا طوال الوقت، الجميع يحاولون التلاعب بالآخرين من خلال اللغة، هذه هي الطريقة التي نخلق بها شخصنا، نحن دائما نفعل ذلك، ولا يمكننا مقاومة ذلك، وأعتقد هذا ضروري حتى أنني أعتقد أن الجملة أحيانا تكون شيئا إيجابيا للغاية، وإذا سألتني سيدة كيف تحب ثوبي؟ أنا لا أفعل ذلك وأقول إنه يجعلك تبدين قبيحة جدا حتى لو لم أشعر بهذا، فأنا أكذب، لا بأس أن تكذب لأنك ليست مجبرا على قول الحقيقة، إنه خطأ فقط إذا؟ كذبت من أجل أن تغش أو تفعل شيئا إجراميا أيا ما كان؟ لكننا جميعا نكذب طوال الوقت من أجل أن نتلاعب بمحيطنا.
ويضيف “أنا مقتنع بفكرة أننا غير قادرين على التذكر، لا يمكننا تذكر ما حدث، لا يمكننا أن نتذكر القصص التي حكيت لنا، ولا نعرف حقا ما حدث، ولكننا نعرف القصة التي صنعناها منها، يمكننا أن نكرر ذلك، لذا أصبح الكثير من حياة هذا الرجل المتلعثم حقيقا، هو لم يستطع أن يتذكر ماذا فعل حقا في شبابه مع هذا الكاهن الرهيب؟ لا أعتقد أنه يعرف ما حدث حقا، أعتقد أنه فقط لا يستطيع إخبارك، وربما تتغير القصة في ذاكرته بشكل دائم لتناسب الظروف فيما بعد، ولأنه جيدا جدا في ذلك، كان جيدا جدا في التلاعب بجميع السيدات، يمكن أن يشعر بهن ويمكن أن يتعامل معهن، وأعتقد أنه جعلهن سعداء أنا متأكد أنه سرق أموالهن لكنه جعلهن سعداء”.
ويؤكد ليفنسكي “عندما أكتب كتابًا، لا أريد تحقيق نتيجة فكرية محددة به. هذا ليس ما صنعت الكتب من أجله. عندما أرغب في إرسال رسالة، أذهب إلى مكتب البريد”.
.