نتنياهو اعتبر أنّ هناك فرصة نادرة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط مهما كانت التكلفة. وهو يريد احتلال غزة عسكرياً، وإقامة نظام جديد في لبنان بمساعدة أميركا والداخل اللبناني.
كان بنيامين نتنياهو واثقاً من أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن سيمنع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار مذكّرة اعتقال بحقّه. وهو يعتقد أنه بإمكان الكونغرس الأميركي منع لاهاي من الاقتراب من “إسرائيل” كما فعل في أفغانستان من أجل عدم المسّ بالجنود الأميركيين، وهو يأمل بأن دونالد ترامب لن يسمح بأيّ محاكمة تطاله.
طالب السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن مايكل أورين، الحكومة الأميركية بمعاقبة أعضاء المحكمة وفرض عقوبات على أيّ دولة توافق على ما صدر منها تجاه قادة “إسرائيل” وأنه يجب على الولايات المتحدة، بموجب القانون، معاقبة المحكمة وأيّ دولة تتعاون مع حكمها المعادي للسامية.
سبق أن فرض ترامب عقوبات على بعض مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية في عام 2020 بسبب فتح التحقيق في أفغانستان بحقّ مخالفات القوات الأميركية وتراجعت المحكمة. كما ألغى بايدن العقوبات في عام 2021 .
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يفكّر في فرض عقوبات على مدّعي عامّ المحكمة الجنائية الدولية البريطاني، كريم خان، بسبب مذكّرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان مايك والتز الذي سيشغل منصب مستشار الأمن القومي قد وعد “بردّ قوي على التحيّز المعادي للسامية للمحكمة” عندما تتولّى إدارة ترمب.
نتنياهو وإعادة تشكيل الشرق الأوسط
اعتبر نتنياهو أن هناك فرصة نادرة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط مهما كانت التكلفة. وهو يريد احتلال غزة عسكرياً، وإقامة نظام جديد في لبنان بمساعدة أميركا والداخل اللبناني، وتحييد العراق وسوريا واليمن، وإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية، والأهمّ ضرب قدرات إيران النووية وتغيير نظامها السياسي.
وكان يعتقد أنّ انتصاره العسكري التكتيكي ضد حماس وضد حزب الله سيدفع السعودية ودول الخليج إلى التطبيع مع “إسرائيل” من دون شروط مسبقة.
وأن اتفاقات أبراهام صمدت طيلة حرب السنة الماضية، وهو يراهن في تحقيق مشروعه على دونالد ترامب، فهل يمكن لرهانه أن يتطابق مع مشاريع ترامب في المنطقة؟
يعتقد نتنياهو أنّ ترامب سيقف إلى جانبه بشكل مطلق في هذا المشروع الإقليمي الكبير والطموح، ولن يعارض توسّع “إسرائيل” في الضفة وغزة، وهو اعتقد بذلك بعد أن أبلغه ترامب في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي بأن “عليه أن يفعل ما يجب أن يفعله لإنجاز المهمة قبل وصوله الى البيت الأبيض”.
الحرب مع لبنان والفشل في تحقيق الأهداف
لم يحقّق “الجيش” الإسرائيلي إنجازاً عسكرياً، وهو بات منهكاً وغير قادر على تحقيق الأهداف الكبرى للحرب، ولم يستطع تأمين المستوطنات الشمالية وإعادة سكانها.
كما أنه لم يتمّ تقويض القدرات العسكرية لحزب الله بشكل كامل، فاستمرّ الحزب في قصف عمق “إسرائيل” وتوسّع القصف، فيما استمرّت الخسائر الإسرائيلية البشرية والمادية والتي تجاوزت تلك التي حصلت في حرب تموز/يوليو 2006.
ولم يؤثّر اغتيال القيادات السياسية والعسكرية في الأداء الميداني لحزب الله كما كان يعتقد، ولم تعد هناك ضمانات بأن طول الحرب يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحزب.
جاء إعلان نتنياهو الموافقة على وقف إطلاق النار تنفيذاً للوساطة الأميركية، ادّعى أنّ هذه الموافقة صدرت لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية تتمثّل في التركيز على التهديد الإيراني، إعادة تنشيط القوات الإسرائيلية وتوحيد صفوفها وفصل جبهة غزة عن جبهة لبنان، وعزل حركة حماس وإضعاف حزب الله حيث إنه يرى أن الحزب لم يعد بالقوة التي كانت في السابق.
روّج نتنياهو لاتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان بالقول إنه “سيعيد المحتجزين ويحقّق النصر على حماس”، لكنّ معظم الجمهور الإسرائيلي لم تعد لديه ثقة بنتنياهو، ويرى أنه لا يوافق على الاتفاق من أجل مصلحة إدارة بايدن التي تدير الوساطة، بل لأنه يعرف بالضبط ما تتوقّعه منه الإدارة المقبلة، وأن ترامب يريد إنهاء الحرب مع لبنان قبل أن يستقرّ في البيت الأبيض وأمامه 4 سنوات كاملة، حتى لو بدأ إنجاز الاتفاق مع لبنان قبل نحو شهر من توقيعه فالرئيس سيكون مستعدّاً لقبول هذه الهدية بأثر رجعيّ.
هل يمكن لترامب التوافق مع مشاريع نتنياهو المعلنة
ترامب قد لا يكون على الموجة نفسها حيال إيران، خاصة وأنه أعلن في أيلول/ سبتمبر الماضي أنه “يجب عقد صفقة مع إيران ، ووقف الدمار في لبنان”.
غير أنّ حزب الله وحماس لن يختفيا على رغم الخسائر التي أصابتهما، لكنّ “إسرائيل” تغرق في وحول الحروب كما فعلت في لبنان وكذلك في غزة.
وكان مشروع ترامب العام 2020 يدور حول ” السلام مقابل الازدهار”، وهو يتضمّن في طياته الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية، على عكس ما يخطّط له نتنياهو . والأهم أن ترامب يقيم علاقات وثيقة مع السعودية. وبالتالي سيتداول معها حول شروط السلام مع “إسرائيل”.
طموحات نتنياهو تفوق حجم قدراته، أما رهانه على ترامب فيفترض نجاحه في لبنان وغزة، إلا أنه متعثّر منذ سنة وشهرين وترامب لديه مشاريع لا تنمو سوى في السلام وليس الحرب.
أما الوضع الداخلي الإسرائيلي فهو أصبح هشّاً بسبب طول فترة الحرب. أراد قادة “الجيش” وأجهزة الأمن توقّف الحرب في لبنان وغزة ويرون أن عليهم أن يقدّموا وقف إطلاق النار في لبنان “كهدية” لترامب قبل تسلّمه زمام السلطة.
نتياهو المأزوم في الداخل بسبب الاتهامات بالفساد التي يواجهها وبسبب حكم المحكمة الجنائية الدولية في الخارج التي تدعو للقبض عليه لم يعد يملك ترف الوقت لإنجاز مشاريعه، وهو متعثّر في لبنان وفي غزة، فعن أيّ تغيّر في الشرق الأوسط يتكلّم وهو مرتبك بين إرضاء ترامب أو محاباة سموتريتش وبن غفير؟
الميادين نت