نتنياهو: تقديراتُنا كانت خاطئةً والأزمة مع روسيا باتت إستراتيجيّةً وخطيرةً جدًا وستتفاقَم وبوتن يعتبِر إسقاط الطائرة مسًّا بهيبته وكرامته

يُمكِن القول إنّ التعويل الإسرائيليّ على إعادة العلاقات مع روسيا، بعد حادثة إسقاط الطائرة بالقرب من مدينة اللاذقيّة في سوريّة، في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، باء بالفشل المُدّوي، إنْ كان علنيًا أوْ من وراء الكواليس. والمثال الأخير على عُمق الشرخ بين البلدين تأكّد أمس في باريس عندما التقي رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، بالرئيس الروسيّ فلاديمير بوتن، بشكلٍ عرضيًّ واستمرّ عدّة دقائق، وذلك على هامش المؤتمر الذي عُقِد في العاصمة الفرنسيّة، علمًا أنّ نتنياهو بذل جهودًا جبارّةً من أجل إقناع بوتن بعقد لقاءٍ مُنفردٍ على هامِش المؤتمر، إلّا أنّ الرفض الروسيّ كان حازِمًا وجازِمًا.

وفي السياق عينه كشفت مُراسلة شركة الأخبار الإسرائيليّة (القناتان 12 وـ13) في التلفزيون العبريّ للشؤون السياسيّة، دانا فايس، كشفت النقاب، نقلاً عن وزراء أعضاء في المجلس الأمنيّ-السياسيّ الإسرائيليّ المُصغّر (الكابينيت) قولهم إنّه بعد إسقاط الطائرة الروسيّة في الأجواء السوريّة ومقتل 15 عسكريًا كانوا على متنها، كان التقدير السائِد في تل أبيب أنّ الأزمة مع موسكو ستكون محدودةً من ناحية الزمن، وأنّ الرئيس الروسيّ يستغّل الحادثة من أجل تغيير قواعد اللعبة في الشمال، على حدّ تعبير الوزراء الإسرائيليين.

ولفتت المُراسلة السياسيّة إلى أنّه بعد اللقاء الذي أجراه رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، مع قادة دول أوروبا الشرقيّة قبل أقّل من أسبوعين، فهِم أنّ الحديث يجري عن خلافٍ شخصيٍّ مع الرئيس الروسيّ بوتن. وبحسب أحد الوزراء، الذين شاركوا في الجلسة المذكورة، قال نتنياهو للوزراء المُشارِكين إنّ الأزمة مع بوتن قاسية جدًا، وحدّتها أكثر بكثيرٍ من التقديرات التي اعتمدنا عليها، مُشدّدًا على أنّ بوتن يرى في إسقاط الطائرة مسًّا خطيرًا به وبهيبته وبكرامته على حدٍّ سواء، بحسب أقوال رئيس الوزراء الإسرائيليّ. وتابع نتنياهو قائلاً للوزراء إنّ الهيبة هي مُركّب مُهّم للغاية في الروايّة التي يتمسّك بها الرئيس الروسيّ بوتن، وبناءً على ذلك، خلُص نتنياهو إلى القول أنّ الأزمة مع روسيا مسّت مسًّا إستراتيجيًا بالعلاقات بين البلدين، مُتوقّعًا أنّ الأزمة بينهما ستتفاقم وتتحوّل إلى صعبةٍ وخطيرةٍ جدًا، على حدّ قوله.

جدير بالذكر في هذه العُجالة، أنّ إسرائيل جزأت التهديدات وعملت على فصلها بين مركبات ثلاث: الوجود العسكريّ الروسيّ الذي لا يُمكِن معارضته أوْ التصدي لأهدافه، والدولة السوريّة التي باتت جزءًا لا يتجزأ من المصالح الروسيّة المُحصنّة، أمّا الجانب الثالث، فهم حلفاء سوريّة، وتحديدًا إيران وحزب الله، حيث بات التركيز الإسرائيليّ على تهديدهما وتمركزهما، مع محاولة الفصل بينهما والدولة السوريّة.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الموقف الإسرائيليّ تجّاه روسيا كان مركّبًا، من ناحية، رأت تل أبيب وما زالت، أنّ الوجود العسكريّ الروسيّ تهديد يُفضي في حدٍّ أدنى إلى تضييق هامش الحركة العسكريّة الإسرائيليّة ضدّ أعدائها في سوريّة، كما أنّه يُنهي رهانات كانت حاضرة حتى الأمس حول إمكان استبدال الدولة السورية بأخرى طيّعة ومعتدلة.

من ناحية ثانية، تعاملت إسرائيل مع موسكو على إمكان التفاهم معها، من خلال التنازل عن جزءٍ من الرهانات، والتسليم لها ببقاء الدولة السوريّة، فيما تلمّست في المقابل حريّة عمل ضدّ أعدائها الآخرين: إيران وحزب الله.

يأتي ذلك في موازاة حراكٍ، قيل إنّه فاعل جدًا من وراء الكواليس، لاحتواء حادثة إسقاط الطائرة الروسيّة والتطلع إلى ما بعدها، فلا يختلِف عاقلان بأنّ إسرائيل معنية بتجاوز هذه الأزمة ومعاودة استئناف الأجندة الموضوعة للساحة السوريّة، فيما الكرة الآن في الملعب الروسي الذي بإمكانه أنْ يُبقي أوْ يُقلّص أوْ يُنهي التفاهمات بين الجانبين، وإنْ كان التقدير أنّ الموقف الإسرائيليّ في “مفاوضات ما وراء الكواليس” في تموضعٍ دفاعيٍّ، في محاولةٍ لمنع تقليص هامش مناوراتها في سوريّة، مقابل تموضع هجومي روسي، يقدر أنّه سيعمد إلى الحدّ من هامش هذه المناورة والحدّ منها، لكن من غير المتوقع إنهائها بالمطلق في هذه المرحلة.

إلى ذلك، ذكر مُحلّل الشؤون الأمنيّة في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أليكس فيشمان، أنّه منذ إسقاط الطائرة الروسيّة، تسود قطيعةً كاملةً بين وزير الدفاع الروسيّ سيرغي شويغو، ووزير الأمن الإسرائيليّ أفيغدور ليبرمان، مؤكّدًا أنّ كل محاولات ديوان نتنياهو، من أجل ترتيب لقاءٍ مع الرئيس بوتين، باءت بالفشل، ولم يأتِ أيّ ردٍّ على الطلبات الإسرائيليّة المُتكررة من الكرملين.

واختتمت الصحيفة أنّ  القطيعة بين المؤسسة السياسيّة الإسرائيليّة ونظيرتها الروسية، تُلقي بظلالٍ سيئّةٍ على مُجمل التفاهمات المعقودة مع الجانب الروسيّ، مع صعوبةٍ بارزةٍ في دفع الروس إلى الإيفاء بالتزاماتهم، خاصّةً ما يتعلق بالوجود الإيرانيّ، بعد تلّمس انتشار واسع في الجنوب السوريّ، إلى جانب الوحدات العسكريّة السوريّة، وصولاً إلى الحدود مع إسرائيل.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى