نحن بحاجة إلى صحافة تغيّر حكومة، و”الأيام” بيننا!!

أسدلت الصحافة السورية على نفسها ستارا يفصل بينها وبين الناس. لم يعد هناك قرّاء للصحافة السورية، وهذه حقيقة. لقد جُبلت الصحافة، في سورية، على ((استقبل وودع وأشاد وندد..))، وغاب عنها الخبر والمعلومة والحقيقة وهموم الناس في الحياة والسياسة، أي: غابت المصداقية، أي: غابت الهوية الصحفية والمهنية!
ومما يحزن أن الصحافة السورية، عبر تاريخها، هي واحدة من أمهات الصحافة الناجحة في العالم، فعاصرت المراحل الصعبة، ولعبت دورا وطنيا وديمقراطيا وساهمت بقوة في التنوير الفكري والسياسي. ونتيجة لذلك أغلق العثمانيون والفرنسيون الصحف، وأغلقوا المطابع، وحورب الصحفيون، بل ودخلوا السجون، وكان نموذج عبد الرحمن الكواكبي واحدا من أبرز من بنى فكرا نيرا منفتحا حضاريا من خلال الصحافة إلى أن دسوا له السم للخلاص منه ومن كتاباته، فترك اسما في سماء التنوير الوطني، فبكيناه، ولم نتعلم منه !
هذه ليست إساءة للصحافة السورية الموجودة، لا لصحيفة البعث التي تحمل فكر الحزب الحاكم الذي تنتمي إليه واسمه والتي عانت الكثير في تاريخها قبل أن تصل إلى الحكم.. ولا لصحيفة الثورة التي تحمل اسم المرحلة التي أنجبتها في آذار عام 1963.. ولا لصحيفة تشرين التي يحمل اسمها معنى وطنيا، وتحمل بداياتها طموحات العودة للصحافة الحقيقية، وإنما هي نوع من الانتقاد الصريح لأدائها .. بل ليس في المسألة، أيضا، أي إساءة لصحافة الأحزاب المشاركة في الحكم كصحيفة النور وصوت الشعب وآفاق وغيرها، وإنما لأنها صحف ولدت في أزمة منذ اللحظة الأولى التي سمح لها بالعلنية، فكانت تشتغل على أساس حزبي أحادي (مع ملاحظة أن صحيفة النور وحدها فتحت الباب لتعددية الأقلام، ثم همدت! )، وانضمت تلك الصحف بدورها إلى الصحافة الرسمية، فترهلت أكثر منها.
لم تتمكن حتى صحيفة “الوطن”، التي جاءت لتخرج الزير من البير، لم تتمكن من تقطيع كل تلك الحبال، رغم السنوات العشر التي مرت من عمرها، ورغم مايتسرب فيها من أخبار، لم تتمكن من أن تكون “بديلا” عن صحافة الحكومة، وقد كتبتُ حول ذلك في عيدها، ثم طلبتُ وقف نشره بناء على نصيحة صديق قرأ المقال.
لسنا نحن: الكتاب أو الصحفيون سبب الأزمة، فمنا، وهذا فخر، من يزين اسمه الصحف والمجلات العربية والأجنبية، وليست وسائل التواصل وانتشارها هي السبب، وإنما يعود السبب الأساسي في أزمة الصحافة السورية إلى أن هناك خوفا من الآخر، وهناك خوف الآخر من الصحافة، أي أننا جميعا نخاف من الصحافة، فنقيدها بشكل أو بآخر !!
نعم..لقد خفنا ونخاف وسنظل نخاف منها لأنها ــ أي الصحافة الحقيقية ــ قادرة على الكشف عن فسادنا وأخطائنا وتسلطنا وتخلفنا وطائفيتنا وعمالتنا أحيانا ببصيرة الوعي الاجتماعي الناضج المؤصل بالانتماء إلى وطن..
ولأننا خفنا، ولأن هذا الخوف سيطر علينا، قمنا بتربيط الصحافة بحبال من المنع والتردد والأحادية والجمود إلى أن ترهل الصحفي، فربط نفسه بالحبال نفسها، وصار موظفا يصرخ فيه أي مسؤول في الدولة، ويناديه رئيس المكتب الصحفي في وزارة التموين مهددا أنه سيقطع عنه المكافأة الشهرية إذا تراخى في الإشادة ونقل أخبار الوزير!!
المهم، أنه في مطلع العام القادم (2017)، وربما يكون القتيل/ الشهيد، الذي يحمل الرقم نصف مليون، قد سقط نتيجة الحرب.ستنطلق في سورية صحيفة جديدة، أطلق عليها ناشرُها اسم “الأيام”، وهذا الاسم موجود في تاريخ الصحافة السورية في مطلع القرن الماضي، وهو يبرز اليوم فيذكرنا بألق الصحافة السورية الغائب..
هل سنخاف من صحيفة ” الأيام”، في هويتها التي يمكن البحث عن جرأتها في الأعداد التجريبية التي صدرت، فهي وطنية، تنويرية، وفي قائمة أسماء الصحفيين المدونة على هوامشها هناك أسماء نعرف أن بعضها كتب بجرأة، وبعضها تردد، وبعضها لم ينتج ما يحمي اسمه بعد.. هل سنخاف منها فنقيّدها ؟ لاحظوا أن الصحافة الورقية العربية في أزمة، إلى الدرجة التي أعلن هيئة تحرير واحدة من أهم الصحف اللبنانية أي : “صحيفة السفير” أعلن بشكل نهائي عن التوقف في مطلع العام.
لاحظوا أن الصحافة السورية في أزمة من نوع آخر، إلى الدرجة التي لم يعد هناك قارئ لها، ولاممول، والدولة نفسها زهقت من اجترار ماتكتبه، رغم أن الحرب ينبغي أن تدفع الناس أحيانا للبحث عن منبر إخباري أو أو تحليلي، حتى لو كان بوقا!
لاحظوا أن الحرب بعد ست سنوات تبحث عن حل نهائي، وفيه يحتاج الحل إلى حوار، والحوار إلى إعلام، والإعلام رأسه الصحافة، والإعلام والصحافة مترهلان إلى درجة العجز.. العجز التام لا تؤاخذوني : لا الإذاعة تبيّض الوجه، ولا التلفزيون يبيّض الوجه، ولا الصحف صحف، ولا الأمل أمل..
وسط هذه الظروف يأتي مشروع صحيفة “الأيام”، والصحيفة بلغة العصر هي مشروع إعلامي يحمل رسالة ما، فهل ستحقق “الأيام” رسالتها؟! هل ستتمكن من طرق الأبواب المغلقة ليقرأها الجميع؟ وهل هي قادرة على إسقاط الحكومة عندما ينبغي للصحافة أن تسقط الحكومة بفضح فسادها إذا كان موجودا وبفضح عجزها إذا كان موجودا؟
هذا يعني أننا في تجربة ” الأيام” الوليدة أمام تجربة من الواقع تبني نفسها منه، وتحاول استنهاض الصحافة فيه في عصر موتها (!!!)، فيما نحن نريد صحيفة تسقط الحكومة، وتؤثر في الرأي العام نتيجة مصداقيتها ووطنيتها وقوة الصحفيين الذين يكتبون فيها.. نعم نريدها صوتنا الذي نسمع صداه في كل الأرجاء، ولكن : ثمة خوف، وتردد ، فلاتتردد أيها الصحفي ..إذا كنت نظيفا وطنيا مهنيا، فلا تخف !
“الأيام” بيننا.. ونتمنى أن لاتغلق.