نهاية القرن الآسيوي: حرب الركود والمخاطر لأكثر مناطق العالم ديناميكية
عرض: رغدة البهي – مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة
Michael Auslin,The End of the Asian Century:War Stagnation and the Risks to the World’s Most Dynamic Region,(United States: Yale University Press, 2017)
يوجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن اهتماما متزايدا لصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب الأهلية السورية. وفي المقابل، لا يتم توجيه اهتمام مماثل لتداعيات انهيار “القرن الآسيوي”، وهو ما لم يتم التطرق له إلا في الأشهر القليلة الماضية. ويعزي هذا الانهيار إلى تنامي المخاطر من اشتداد وطأة الصراع المسلح في بحر الصين الجنوبي، وادعاء كوريا الشمالية امتلاكها قنبلة هيدروجينية، والدمار البيئي، والأزمات السكانية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، والركود الاقتصادي، والاضطرابات السياسية، والتوترات العسكرية، على نحو ينذر ببداية النهاية لما سمي “القرن الآسيوي”.
في هذا الإطار، تبرز أهمية هذا الكتاب لمؤلفه ميشيل أصلن، الباحث المقيم بمعهد إنتربرايز لأبحاث السياسة العامة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يجادل في هذا الكتاب بأن إعادة تقييم مستقبل آسيا تتطلب قراءة مستقبلية لأوضاعها السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والبيئية، استنادا إلى “خريطة المخاطر Risk Map” خلافا للخريطة الجغرافية التقليدية، لتضم كل ما يمكن أن يعرقل النمو والاستقرار في آسيا بهدف تحديد أهم الاتجاهات في المنطقة، وتقييم المخاطر، التي وإن بدت منفصلة ظاهريا، فإنها مترابطة في حقيقة الأمر.
ويرى الكاتب أن تلك المخاطر تنذر ببداية التغيير العالمي بفعل التراجع والضعف الآسيوي، على نحو لن تطول تداعياته الدول الآسيوية فحسب، بل ستمتد لتشمل العالم بأسره. ففي نظام دولي تسوده العولمة، فإن أي أزمة اقتصادية أو أمنية، قد تشهدها آسيا، سيتردد صداها في جميع أنحاء العالم الذي يزداد ترابطا.
معوقات النمو الآسيوي:
ينطلق الكاتب من أنه “ليس مقدرا للمعجزة الاقتصادية أن تدوم إلى الأبد”، لهذا ركز على سبر أغوار المعجزة الاقتصادية الآسيوية، التي يقبع داخلها اختلالات عدة تعجز الحكومات الوطنية عن حلها. وما يدلل على ذلك النضال الآسيوي من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي الذي حققه عدد من دول القارة في الآونة الأخيرة. ولذا، يقول الكاتب “حان الوقت لكي يلتفت العالم إلى المخاطر التي تهدد الاقتصاد الآسيوي”.
يرى الكاتب أن سيطرة الدولة على الأسواق، والتنمية غير المتوازنة، وسوء الاستثمار، وقضايا العمل، ليست سوي بعض من ملامح الخطر الاقتصادي الآسيوي، وما يزيده تأججا ترابط الاقتصادات الآسيوية على نحو متزايد. ويضيف أن التباطؤ أو الانهيار الاقتصادي في الدول الآسيوية ستمتد تداعياته لدول غير آسيوية. ولهذا، يدعو لأن يستعد الاقتصاد العالمي لتباطؤ الاقتصاد الصيني، الذي يمكن القول إنه بات في حالة من الركود -من وجهة نظر الكاتب- ويحذر من مخاطر ذلك على الدول النامية، التي ستعجز عن تحقيق النمو الاقتصادي اللازم لتحديث مجتمعاتها.
التركيبة السكانية:
يتوقع الكاتب أن يواجه معظم الدول الآسيوية، بما في ذلك اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، وسنغافورة، “تراجعات ديموجرافية” لم يسبق لها مثيل. ويرى أن سياسة “الطفل الواحد” الصينية، والتلوث البيئي المتزايد سيؤديان إلى انخفاض عدد السكان في واحدة من كبرى دول العالم من حيث عدد السكان.
وعن الهند، يشير الكاتب إلى أن الأوضاع هناك مختلفة نسبيا، حيث يتزايد عدد الشباب، وهو الأمر الذي يتطلب تحسين مستوي التعليم، وتطوير البنية التحتية، الحضرية والريفية، فضلا عن توفير فرص العمل. ويضيف أنه لفترات زمنية ممتدة، تم تجاهل تداعيات وتكلفة التحديث الآسيوي السريع، وفي مقدمتها الأضرار البيئية من تلوث الهواء والمياه، على نحو يؤثر في معدلات الخصوبة.
ثورات سياسية غير مكتملة:
يصف الكاتب التاريخ السياسي لآسيا بـ “التاريخ الثوري غير المكتمل”، فيشير إلى قصور الديمقراطية الصينية، وعدم رضا الولايات المتحدة الأمريكية عنها. ويدلل الكاتب على ذلك بمشهدين مختلفين، أولهما: استخدام قوات الأمن الصينية العنف ضد المتظاهرين في ميدان تيان آن من في عام 1989، وثانيهما: عدم حضور “ليو شياوبو”، الذي حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2010، مراسم الحفل لاعتقاله منذ عام 2008، على خلفية مطالبته للنظام الصيني بإجراء إصلاحات ديمقراطية. ويقول الكاتب إنه رغم إطلاق سراح مئات الملايين من الرجال، والنساء، والأطفال ممن تم اعتقالهم من قبل الحكومات القمعية في آسيا، فإن الصين لا تزال بعيدة كل البعد عن الحريات السياسية من وجهة نظره.
ويضيف أنه في الوقت الذي تواجه فيه “الديمقراطيات الآسيوية الناضجة”، مثل اليابان، والهند، أزمات سياسية عدة، فإن الاستبداد يُحكِم قبضته على كل من الصين، وكوريا الشمالية، ودول آسيوية أخرى. ويرى الكاتب أن السلطوية في الصين هي الأخطر والأهم خلال السنوات القادمة. فيشير إلى أن فخر المواطنين في بكين أو شنغهاي بالنمو الاقتصادي لبلادهم سرعان ما يتحول إلى صمت تام بشأن مستقبلهم السياسي. كما أن النجاحات الاقتصادية الصينية لم تنعكس على سياسات الحزب الشيوعي الصيني، بل على العكس، زادته عزلة، مقارنة بأي وقت مضي، حتى بات ينظر إليه على أنه فاسد، وغير فعال. وفي هذا الشأن، يتوقع الكاتب أن تتزايد حدة الاحتجاجات السياسية داخل الصين مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
الوحدة الإقليمية:
رغم القواسم المشتركة التي تربط الدول الآسيوية، فقد أشار الكاتب إلى أنها تفتقر لتجمع إقليمي فعال، حيث لا يوجد حلف يجمعها على شاكلة حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو)، أو الاتحاد الأوروبي، على نحو يمكن من خلاله حل المشاكل المشتركة بطريقة فعالة، أو معالجة القضايا الثنائية في إطار أوسع.
ويكمن الخطر، من وجهة نظر الكاتب، في غياب الآليات اللازمة للتخفيف من العداء المتنامي بين اللاعبين الرئيسيين، مثل الهند، والصين، واليابان، وكوريا الشمالية. ويشير إلى أن الصين على استعداد للتضحية بمصالحها الاقتصادية والسياسية، ردا على خصومها. وفي إطار تغيب عنه الدول الليبرالية القوية التي يمكنها لعب دور الوسيط النزيه، أو وضع المعايير الإقليمية، يرى الكاتب أنه سيكون من الصعب تجاوز أي أزمة اقتصادية إقليمية كتلك التي اندلعت في عام .1997
الحرب والسلام:
مع هيمنة التنافس على طبيعة العلاقة بين القوى الرئيسية في آسيا، يثير الكاتب سؤالا مفاده: ما هي آفاق اندلاع صراع بين تلك القوى؟ وفي إطار إجابته على هذا التساؤل، يشير إلى إمكانية وقوع هذا الصراع، نظرا لتزايد القدرات العسكرية لبعض القوى الآسيوية، وامتلاك أربع دول قدرات نووية، بجانب سعي الصين لتأسيس قواعد إقليمية جديدة لمواجهة الدول المجاورة، فضلا عن عدد من النزاعات الإقليمية التي لم يتم حلها حتى الآن في شرق وجنوب بحر الصين، والصراع على طرق التجارة الحيوية، والموارد الطبيعية. ومن شأن هذا الصراع زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي.
يقول الكاتب إن “القرن الآسيوي” لا يعني نظاما سلميا بالضرورة، أو نمو الاقتصاد العالمي، ولكنه يعني، على النقيض، الصراع وعدم الاستقرار. ولكي يتم تجنب العواقب الكارثية للحرب في آسيا، أو انهيار اقتصادي واسع النطاق، يؤكد الكاتب أهمية فهم خريطة المخاطر التي تواجهها المنطقة، والتفكير في كيفية إدارتها. ولهذا، فإنه ينهي مؤلفه بقوله إن “الرواية السائدة عن آسيا في طريقها للتغير”.
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)