نوافذ للحوار| صباحي: الجيش قوة وطنية أصيلة وأي تدخل له سيكون لمرحلة انتقالية … صدّام واجه المشنقة بشجاعة… ودرويش أفضل الشعراء العرب بعد المتنبي (الأخيرة)
حاوره غسان شربل
يرى حمدين صباحي مؤسس «التيار الشعبي» ان الجيش المصري «قوة وطنية اصيلة» معتبراً ان اي تدخل له لحقن دماء المصريين سيكون لمرحلة انتقالية محددة تنتهي بانتخابات رئاسية. ولا يخفي حمدين اعجابه بشجاعة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين امام المشنقة ويقول ان خوفه على سورية ووحدتها ينسيه نظام بشار الأسد. يعشق صباحي اغاني فيروز ويعتبر الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش ابرز الشعراء العرب بعد المتنبي.
وهنا نص الحلقة الرابعة والاخيرة:
> ما هي حركة «تمرد» التي تتولى جمع التواقيع لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي؟
– «تمرد» موجة ثورية جديدة، لاستكمال موجة 25 يناير. موجة شابة تعبّر عن أنبل ما في مصر، شبابها، موجة واضحة الهدف، تؤكد أن أهداف الثورة لا بد من استكمالها، تطرح طريقاً سياسياً واضحاً ومقبولاً قانونياً في الانتخابات الرئاسية المبكرة، والعودة إلى صناديق الاقتراع لنختار رئيساً يعبّر عنا.
> ألا تخشى هذا العنف الذي يرافق التظاهرات؟
– أنا ضد كل أشكال العنف، وكل مصري يخاف منها، وأعتبر أن العنف سلاح الضعيف. العنف هو سبب انفضاض الجماهير عن التظاهرات في الفترة الماضية، المصري يريد أن يتظاهر تعبيراً عن رأيه لا أن يدخل في مشاجرة. عندما حضر المولوتوف (الزجاجات الحارقة) غابت الجماهير، ومصدر قوة الثورة ليس في المولوتوف وإنما في الجماهير. لذلك، اعتبر أن كل عنف مضاد للثورة، خروجٌ عليها أو خيانة لها، لذلك، مصدره ليس القوى الثورية على الإطلاق.
> هل تعتقد بأن بعض الخائفين من «الإخوان» يحاول استدعاء الجيش إلى السلطة؟
– نعم، ليس بعض الخائفين من «الإخوان»، بل كثيرون من الخائفين أو المعارضين أو الناقمين أو الكارهين. متى وُجِّه النداء إلى الجيش في الشارع المصري؟ بعد صدور الإعلان الدستوري، القوى السياسية كلها فقدت الثقة في «الإخوان».
> لكنّ الجيش ليس حلاً؟
– الجيش قوة وطنية أصيلة، مسؤولة عن حماية أهداف الشعب المصري، وحماية الدم المصري لو حصل صدام. هو مسؤول عن التدخل المباشر في الشارع فور حصول صدام أهلي، وحدود مسؤوليته حقن الدم وأن يكون طرفاً في سلطة انتقالية لمدة محدودة، بين ستة أشهر وسنة، تنتهي بانتخابات رئاسية.
> «الإخوان» انتظروا 80 سنة… هل يتركون السلطة؟
– لا، «الإخوان» انتظروا 80 سنة ثم قام الشعب المصري بثورة وسلّمهم السلطة، وليسوا هم مَنْ حصلوا عليها. اختبرهم سنة لكي يختاروا الطريق الصحيح، لكنهم اختاروا الطريق الخطأ. ومثلما فتح الشعب المصري لهم الباب للسلطة، سيقول لهم أنتم غير صالحين للحكم، ولن يعزلهم أو يجتثهم أو يستبعدهم. سيقول لهم أنتم شركاء، ولكن على قدر ما تستحقون. هم الآن حصلوا على نصيب في الشركة لا يعبّر عن رأس مالهم الحقيقي
> ألا تعتقد بأنك أخطأت بعدم إجراء حوار جدي مع العسكر؟
– رغم أنني مدرك دائماً أهمية المؤسسة العسكرية، إحدى مشاكلي عدم إجراء اتصالات مع أشخاص كثر عندما يصلون إلى السلطة. أعلم أن للجيش دوراً، ودخلتُ انتخابات رئاسية ولا يوجد حوار بيني وبين المؤسسة الأهم في البلد. أعلم أن للولايات المتحدة دوراً، لكنني لم أقبل أي دعوة من السفارة الأميركية في القاهرة، طوال عصر مبارك ولا بعده. لا يوجد شخص يريد أن يصبح رئيساً ولا يتحاور مع الأميركيين. هذه أخطاء، لكنني ارتكبتها لأنني «على باب الله».
> وفي حال طلب السفير الأميركي رؤيتك، سترفض؟
– في هذا الوقت ربما أقبل، أما في عصر مبارك فأقاطع. حتى بعد الثورة وجّهوا إليّ الدعوة لكنني لم أذهب، وهذه مواقف غير سليمة بالنسبة إلى شخص يريد أن يصبح لاعباً سياسياً، لاعباً من داخل الدولة. هذا كان مقبولاً عندما عمِلتُ من خلال الشارع، أما الآن فالأمر يحتاج مراجعة.
> هل تعتقد بأن محمد مرسي سيكمل ولايته؟
– محمد مرسي حَكَمَ على نفسه كونه لا يصلح رئيساً، وهذا رأي، وأي وقت إضافي سيحصل عليه هو كلفة زائدة على مصر، وعليه شخصياً وعلى جماعة «الإخوان». هناك معدّل قياسي غير مسبوق من فقدان الثقة بجماعة «الإخوان» وبما حقّقته في مصر، وإذا قيس كم خسر «الإخوان» في الشارع، يتبيَّن أن ليس هناك نظام خسِر خلال سنة هذا الكم من الجمهور.
> وفي حال أُجريَتْ انتخابات رئاسية مبكرة في مصر، هل تعتقد باحتمال عدم فوز مرشح «الإخوان»؟
– أثق بأن مرشح «الإخوان» سيخسر، وسيلقى هزيمة قاسية، وليس مجرد خسارة بفارق ضئيل، على غرار ما حصل مع شفيق. لكن هناك أيضاً عاملاً مهماً هو أن يكون للقوى المحسوبة على الثورة مرشح وحيد.
> لكن هذا غير مضمون؟
– لا، هذا مضمون، وفي حال أُجرِيت انتخابات رئاسية الآن، سيكون للقوى المحسوبة على الثورة مرشح واحد، ولن تعيد تكرار هذا الخطأ، فيما سيكون للقوى الإسلامية أكثر من مرشح، فهذه المرة ليست لدى السلفيين الدوافع ذاتها لتأييد رئيس من «الإخوان».
> هل التقيتَ خيرت الشاطر؟
– التقيتُه بعد الإفراج عنه عقب الثورة، وقبل الانتخابات الرئاسية.
> لم يحدث حوار شخصي بينكما؟
– لا… لم يحدث.
> لكن الانطباع أنه مهندس السياسات؟
– الجماعة تتكشف تحت ضوء السلطة، ويعاد تقويمها وفهمها أكثر، وجزء مهم في تشكيل جماعة «الإخوان المسلمين»، أنها تكفل لأعضائها مصالح اقتصادية، ولعبت دوراً مهماً في التجنيد وحفظ الولاء بأن تحمّلت ضمان مصالح اقتصادية لأعضائها.
> هل استمر الفساد في عهد مرسي؟
– لم يتغير شيء في عهد مرسي مقارنة بعهد مبارك، في ما يتعلق بطروحاته السياسية الاقتصادية، وآليات السوق المفتوحة، والارتباط بالسوق العالمية ومؤسساتها الكبرى الحاكمة، مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والولاء لفكرة العولمة الواسعة… كل ذلك لا يزال كما هو، وتركيز الثروة في يد قلة لا يزال كما هو، مع انتقال ظاهرة «المحاسيب» من قيادات الحزب الوطني (المنحل) إلى قادة «الإخوان». وأعتقد أن بين الطرفين مصالح اقتصادية مشتركة، تقوم على شراكات أو ابتزاز. الفقراء ما زالوا كما هم فقراء، ومرسي لم يقدم أي رؤية أو برنامج ولا أخذ قرارات في شأن أهم قضية عند المصريين، كانت أحد أسباب سقوط نظام مبارك، وهي الفقر. لا تغيير جوهرياً، والفساد ملازم لطبيعة البنية وليس الأشخاص.
> هل تعتقد بأن أزمة مرسي تكمن في عدم القدرة على مخاطبة المصريين؟
– أزمة مرسي عدم إدراكه ما يجب فعله في مصر بعد الثورة. الثورة نجحت بسبب وجود تناغم داخل ميدان التحرير، والسلطة التي تأتي بعد الثورة لا يمكن أن تنجح إلا بالحالة ذاتها. ما لم يصنعه مرسي هو حالة وفاق وطني، لا يمكن أن يصنعها استناداً إلى مشروع الجماعة. يجب أن ينتمي إلى مشروع المجتمع، مرسي فعل ما هو الضد، فعمّق الانقسام السياسي والمجتمعي داخل مصر.
> هل ترى أن استكمال الثورة يجب أن يمر عبر إسقاط مرسي؟
– استكمال الثورة يمر بالضرورة عبر إنهاء قبضة «الإخوان» على السلطة في مصر. وكلمة إنهاء لا تعني عزلهم أو اجتثاثهم، يمكن أن يصبحوا شركاء، فالأزمة جاءت نتيجة انقسام حاد في المجتمع، نجم عن رغبة الاستحواذ وشراهته. الثورة باتت رهينة عندهم، بعدما خصخصوا الدين. لهذا لا تجد الثورة نفسها الآن في القصر بل في الشارع، ولكي تكتمل تحتاج إلى سلطة تكون تعبيراً أميناً عنها وعن مقاصدها وقواها. مقاصدها واضحة وسياساته (مرسي) لا تخدمها، وقواها واضحة وغير ممثلة في سلطة الحكم.
> في حال سيطر «الإخوان» على القضاء وظل الجيش خارج المعادلة، هل يمكنهم تزوير الانتخابات مثلما كان يفعل الحزب الوطني؟
– نعم، ممكن جداً. هم مستعدون لفعل أي شيء، ويمكن أن يصدروا فتاوى بتحليله، ما دام الأمر يتعلق ببقائهم في السلطة.
> إذاً، أنت ترى أن «الإخوان» لن يقدموا على تداول السلطة؟
– إن لم يُكرهوا بتوازن للقوة، لن يتركوا السلطة، وهذا التوازن يكمن في الناس، وهذه أهمية 30 الشهر الجاري، ودعوة حركة «تمرد». فما تشهده مصر الآن هو موجة جديدة من الثورة، قد تكون في مستوى أكبر أو أقل من 25 يناير. هذا ناجم عن خيبة أمل واسعة بطريقة أداء مرسي، فنحن في ما يتعلق بحقوق الإنسان أمام نظام منتهك للحريات الأساسية، يدخل في صراع معلن مع أجهزة الإعلام المستقلة لتطويعها أو إسكاتها بقدر الإمكان، ناهيك عن العدوان السافر على القضاء. وعندما تشاهد حصار أنصار الرئيس للمحكمة الدستورية العليا، تدرك أنك أمام مؤامرة على فكرة استقلال القضاء، وأننا نعيش في «الحرام الدستوري»، في هذه الدولة. أما من ناحية استقلال الوطن، ماذا فعل مرسي حتى الآن؟ أين استعادة سياسة خارجية تعيد لمصر دورها، وتُعبّر عن قدرها؟
> الرئيس ذهب إلى روسيا والصين.
– ذهب وهذا جيد، وأنا قدمت له التحية عندما بدأ بزيارة أفريقيا وروسيا، ولكن ماذا عن النتائج؟ هذه زيارة علاقات عامة أم خط جديد في السياسة المصرية؟ لا ألمس هذا الخط ولا ألمس نتائج. هل أزمة قد تعصف بوجود مصر، مثل حصتها من مياه النيل، عوملت جدياً بما يتناسب مع أهميتها من قبل مؤسسة الرئاسة في مصر؟… لا.
محمد مرسي في الحكم منذ سنة، وقبل وصوله إلى سدته، كانت أزمة الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل الذي يسمى «اتفاق عنتيبي»، متفجرة منذ عهد مبارك. ذهب وفد باسم الديبلوماسية الشعبية كنت أحد أعضائه، ومعي كان عدد من الوجهة المصرية المعروفة وعلى رأسه (البرلماني السابق) مصطفى الجندي، التقينا رئيس أوغندا (يوري موسيفيني)، ورئيس وزراء أثيوبيا (الراحل) مليس زيناوي، وحصلنا على إنجازين: رئيس أوغندا قال لنا: «لن أقدم هذه الاتفاقية (عنتيبي) للتصديق عليها في البرلمان الأوغندي»، وهو لم يقدمها حتى الآن، أما زيناوي فوافق على مطلبنا بتشكيل لجنة مصرية– سودانية– أثيوبية، بمشاركة عدد من الخبراء الدوليين، وهي التي أصدرت التقرير الأخير. وفيما كان الجهاز الإداري للدولة عاجزاً عن الحصول على أي شيء، حصلنا (الوفد الشعبي) على هذه الإجراءات بـ «كرامة ميدان التحرير»، وصورة مصر التي كانت في هذا التوقيت متلألئة جداً.
> متى ذهبتم إلى دول منابع النيل؟
– عقب الثورة وأثناء حكم المجلس العسكري. خلال الزيارة شكت الدولتان (أوغندا وإثيوبيا)، من طريقة التعامل المصرية التي تحمل مقداراً كبيراً من التكبّر والغطرسة، «تعامُل الأبيض مع الزنجي»، وقالوا لنا منذ عهد جمال عبدالناصر لم يعاملنا أحد في الدولة المصرية بطريقة جيدة. أعطونا تلك النتائج لأنهم كانوا يأملون بأن الثورة ستأتي بنظام يستعيد علاقة تعكس مقداراً كبيراً من الاحترام ودعماً للتنمية في أفريقيا كما كان يفعل جمال عبد الناصر. كان بين الأعضاء عبد الحكيم جمال عبد الناصر الذي عومل باحترام لافت، وبعد عودة الوفد سلمنا نتائج الملف، ولكن لم تُبْنَ عليه أي خطوة إيجابية رغم مرور نحو سنة ونصف سنة. ولو فتح مرسي خلال سنة هذا الملف بجدية وبنى على ما توصلنا إليه، لما تعرّضنا لما تعرضنا له.
> هل لديك خوف من أن يستغل ملف سد النهضة الأثيوبي للتغطية على الإخفاقات الداخلية؟
– موضوع مياه النيل عميق وخطير، ولا يمكن حله عسكرياً. طرحنا منهجاً يعتمد على إعادة بناء علاقتنا بأفريقيا ودول حوض النيل على أسس الحق في التنمية والشراكة والتعاون وأخوّة النهر، وعلى قاعدة لا ضرر ولا ضرار. نحن نهتم بأن تتمكن أثيوبيا من توليد الكهرباء، ورأينا شعبها يعيش أوضاعاً بائسة، ويصعب تصوّر دولة مثلها بلا كهرباء. المهم أنها عندما تنتج الكهرباء لا تخصم قطرة من حصة مصر والسودان من المياه. هذا الحديث نقلناه إلى زيناوي الذي اتفق معنا، وتلك الدول ظلت تنتظر من مصر أي دعم فني أو اقتصادي أو تمويلي لتحسين أوضاعها، فإذا بمصر تفرّغ أفريقيا من النفوذ المصري، ومن ثم تفتح الباب لمن يدخل لملء هذا الفراغ.
إسرائيل دخلت لملء فراغ غياب مصر عن أفريقيا، والرئيس الاوغندي اشتكى من طريقة الاحتقار التي عوملوا بها، منذ تعرض مبارك لمحاولة الاغتيال (العام 1995)، أما زيناوي فاشتكى من طريقة تعامل مصر كلها، وذكر (رئيس الاستخبارات الراحل) عمر سليمان بالاسم.
> هل تعتقد بأن وجود «الإخوان المسلمين» في السلطة يرسّخ انغلاق الأقباط وشعورهم بالقلق؟
– بالتأكيد.
> إذاً كيف يؤسس «الإخوان» لدولة دينية، وهناك ملايين لا يعتنقون هذا الدين؟
– نظّمنا في التيار الشعبي قبل أيام مؤتمراً علمياً استمر يومين، حمل عنوان «تجديد الاندماج الوطني وإدارة التعددية الدينية استجابات مبدعة لتحديات ما بعد 25 كانون الثاني (يناير)». تولى التنسيق للمؤتمر الناشط القبطي سمير مرقص الذي شغل لفترة منصب مساعد للرئيس، وكان هناك إقرار من جميع المشاركين بأن صعود الإسلام السياسي، برؤية ضيقة، ضار جداً لفكرة الاندماج الوطني في مصر، ومثير لشكوك عميقة لدى الأقباط.
في بلد مثل أثيوبيا وفي باقي دول حوض النيل، ذات الغالبيات القبطية، عندما يجدون أقباط مصر قلقين على مستقبلهم، هل يُتوقع منهم أن يثقوا بهذا الحكم؟ بالطبع لا.
> ماذا عن دور حركة «حماس» في الداخل المصري؟
– أنا مؤيد لـ «حماس» باعتبارها جزءاً من المقاومة الفلسطينية، أما أي أخطاء لـ «حماس» تدان، بما لا يسحب تأييدنا لحقها في المقاومة، فتبقى تفاصيل. أهم ما أُخِذ على حماس ما يُنسَب إليها في سيناء، وأنا أبرّئها حتى يثبت العكس، لأن ما يجري في سيناء أخطر ألف مرة مما يُطرَح حول ضلوعها بتهريب السجناء. سيناء الآن في وضع خطر، وقبضة الدولة عليها تتقلص، لذلك باتت تمثّل بؤرة لأخطار جدّية على أمن مصر، ولا بد من استعادة سيادة حقيقية، لا يمكن أن تتحقق إلا بنزع أي نفوذ لأي قوى بما فيها «حماس» من سيناء.
> هل ترى أن الجيش يرغب في بسط السيطرة على سيناء، ومرسي يلجم هذا التحرك؟
– الأكيد أن الجيش راغب في أن تكون سيناء تحت سيادته، ولكن كان أمامه ثلاثة عوائق: غياب التنمية في سيناء، وعدم وجود شراكة على أساس فكرة المواطنة مع بدو سيناء، إضافة إلى تحجيم قدرته في الانتشار بسبب اتفاق كامب ديفيد. وأُضيفَ الآن عائق رابع: إذ بات هناك نوعٌ من الموالاة بين رئيس الجمهورية والجماعات النشطة خارج إطار الدولة، أو بدافع الاستقلال عنها في سيناء. أعتقد بأن وجود مرسي أضاف تحدياً جديداً بدلاً من إزالة التحديات السابقة.
> كيف تقدر عدد مَنْ يعيشون تحت خط الفقر في مصر؟
– ليس أقل من نصف المصريين بالمعايير الدولية. حتى الطبقة الوسطى المصرية غير المحسوبة على خط الفقر، تعيش في ظروف قاسية، فيما جميع الأغنياء في مصر يعيشون في قلق حقيقي، يمنعهم من الإنتاج أو الاستثمار أو الاطمئنان.
> وبكم تقدِّر نسبة عدد الأميين في مصر؟
– الإحصاءات تصل إلى ما يناهز 40 في المئة من الشعب.
> هل كنت تعرف الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي؟
– نعم، دخلتُ خيمته.
> ما رأيك فيه؟
– كان رجلاً حالماً كبيراً، ولم يعرف أبداً كيف يحوّل حلمه إلى حقيقة.
> هل تذكر لقاءً معه؟
– خلال الحصار الذي فُرِض على ليبيا، ذهبنا في وفود شعبية مصرية والتقيناه، وتأثرت كثيراً بنهايته.
> تأثرتَ بالطريقة التي انتهى عليها؟
– جداً.
> ألم يكن الحق مع الشعب الليبي في إطاحته؟
– لا… كان معه الحق، لكنني أتحدث عن الطريقة التي عومل بها (القذافي) كشخص، فيها قدر من البشاعة.
> هل تألمتَ عندما رأيتَ صدّام يُعدَم؟
– كنت فخوراً بصدام وهو يواجه موته. صدام حسين أعطى نموذجاً لشجاعة مذهلة في مواجهة حبل المشنقة، وجعل من نفسه في هذه اللحظة رمزاً لكبرياء في مواجهة حبل المشنقة والشانقين. لكن القذافي مثل آخر، انا أرى أن صدام مات بكرامة عالية جداً، وهذا هو الفارق. كنا في صلاة العيد، وأعتقد بأن كل عربي تعاطف جداً مع صدام وهو يواجه حبل المشنقة بثبات وجسارة، لكن مشهد قتل القذافي والتمثيل بجثته مشهد آخر ينتمي إلى معنى مختلف تماماً. لا وجه للجمع بين المشهدين.
> هل أُعجِبتَ بالثورة الإيرانية؟
– بالطبع… لا يوجد أحد لم يُعجَب بثورة أطاحت شاه إيران.
> ألا تخشى من النزاع السنّي- الشيعي المستعر في عدد من الدول العربية؟
– بالتأكيد، وأعتقد بأن أحد الأخطار الأساسية على أمن العرب كأمّة وعلى تماسكها كأقطار، وعلى المنطقة، هو تسعير القسمة الطائفية أو الدينية داخل أي قطر أو في الوطن العربي، أو في العلاقات ما بين المثلث التركي– العربي– الإيراني. هذا خطر جدي، وإشعاله لا يخدم مصالح أي طرف. هو يأكل من كل أطرافه، من المسلمين والأقباط في مصر، ويأكل من الشيعة والسنّة في أي قطر عربي، وأي منطقة في قلب العالم الإسلامي. أي رؤية رشيدة عليها أن تعالج معالجة جدّية هذا الخطر، وأن تفوّت الفرصة على استخدامه ليكون فتيلاً يشعل حرباً ستأكل العرب والإيرانيين والأتراك، والسنّة والشيعة، والأقباط والمسلمين.
> أنتَ من مواليد أي يوم؟
– 5 تموز (يوليو) 1954.
> هل تسببت تجربتك السياسية الصعبة في متاعب لزوجتك ؟
– زوجتي (سهام نجم) كانت جزءاً من ظاهرة الحركة الطالبية، خلال سبعينات القرن العشرين، في الجامعات المصرية، وكانت مسؤولة اللجنة الثقافية في كلية التجارة، جامعة القاهرة. الفتاة الوحيدة في تشكيل أول هيئة إدارية لنادي الفكر الناصري، عندما تأسس في جامعة القاهرة. زوجتي هي بنت مدينة بورسعيد، لهذا تحمّلتني عن اقتناع في حياة شائكة وشاقة، ومن المفارقات أنها كانت تمشي مسافة طويلة حاملة أبنائي لزيارتي في سجن الاستقبال في ضاحية طرة (جنوب القاهرة)، فيما تمر إلى جوارها سيارة فارهة تقلّ زائرين للجاسوس الإسرائيلي عزام عزام. زوجتي تحمّلت معي كثيراً.
> هل كُنتَ تتمنى أن تكون رجل أعمال فتبتعد عن مصاعب الحياة والسجون؟
– يا لها من حياة مسطّحة. لو كان لي أن أعيد البداية لاخترتُ ما اخترت.
> ألم تندم على ما فعلت؟
– لم أندم.
> كيف تدبر نفقاتك المالية؟
– انا ابن فلاحين، لديّ قطعة أرض ورثتها عن والدي، وشقة تمليك دفعتُ منذ عامين آخر أقساطها. أسست مع زملائي مركز إعلام الوطن العربي، كشركة حصدت بعض الأرباح، وساهمتُ في جريدة «الكرامة» (الحزبية)، فأنا قادر على أن أكون مستوراً (تغطية نفقاتي) بالمعنى المتداول لدى الفلاحين المصريين.
> حدِّثنا عمّا تقرأ؟
– أولاً أنا قارئ للقرآن، وقارئ متيم للشاعر الفلسطيني محمود درويش، وأقرأ الآن كتاب لجلبير الاشقر «الشعب يريد».
> ماذا يعجبك في شعر محمود درويش؟
– كل محمود درويش.
> بسبب القضية؟
– لا بسبب الشاعرية، لأن مَنْ يقول عن القضية كثر، أما مَنْ يقول بهذه الشاعرية العميقة فهم نادرون. أعتبر درويش الأفضل في تاريخ الشعر العربي بعد المتنبي، الأهم لديّ في شعر درويش، ليس بدايته الزاعقة، رغم جمالها في الثورة، بل نهاياته العميقة.
> وهل تستمع إلى الأغاني؟
– جداً، سمّيع محترف.
> إلى مَنْ تستمع؟
– فيروز وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب والشيخ أحمد التوني، وهو واحد مِن أجمل مَن قدم القصائد الصوفية. وأستمع أيضاً إلى مارسيل خليفة، وأحب السوري سميح شقير.
> ما المدينة التي تفضلها خارج مصر؟
– أنا متعلّق بحلم القدس التي لا أعتقد بأنني سأراها.
> ألم تذهب إلى بغداد؟
– كثيراً.
> التقيت صدام حسين؟
– نعم التقيته.
> في شكل شخصي أم في إطار وفود؟
– التقيته ضمن وفد موسع.
> هل وصلتَ إلى مرحلة الإعجاب بشخص صدام؟
– صدام حسين لم أُعجَب به إلا مقاتلاً ضد الأميركان، وهو في رأيي حاكم عربي يؤخذ عليه بعض المواقف وتُسجَّل له مواقف أخرى، كانت قيمته انه دشن مشروعاً تنموياً هائلاً في العراق، ومعضلته بالنسبة إلى جيلنا الباحث عن قومية لا ترتبط بالحكم السلطوي القمعي، وهي تهمة لاحقت عبد الناصر. نقدنا لصدام كان في ما يتعلق بقضية الديموقراطية.
> هل رأيتَ الرئيس السوري السابق حافظ الأسد؟
– نعم التقيته خلال مؤتمر، ورأيت نجله (الرئيس الحالي) بشار، خلال لقاء لقيادات المؤتمر القومي العربي.
> كيف كان انطباعك عن بشار؟
– شاب مثقف، يجيد الحديث ومحاور جيد.
> والآن ما رأيك؟
– الخوف على سورية ينسيني الرأي في بشار، لأن الوضع هناك الآن وصل إلى درجة تهديد سورية كدولة وكشعب… مهددة في وحدتها وبقائها، وهذا نتيجة ارتكاب بشار جريمة في حق شعبه وإراقته الكثير من الدماء. في بداية الثورة كنا نقف معها، ولكن عندما دخلت الميليشيات المسلحة من الخارج واحتكموا إلى السلاح، أصبحنا ضد إراقة الدماء من الطرفين. وحين بدا أن سورية يمكن أن تنقسم وتتفتت دويلات على أساس طائفي، أصبحنا مع الدولة السورية، ولو كان في ذلك دعم لبشار الأسد الذي لا يستحق أي دعم.
> بِمَنْ أُعجِبت من السياسيين، غير عبد الناصر؟
– بعد عبد الناصر، تجربة لولا دا سيلفا في البرازيل.
صحيفة الحياة اللندنية