تحليلات سياسيةسلايد

هجرة ستُفكِّك الكيان…

هجرة ستُفكِّك الكيان… في تصريحٍ لافتٍ، قال رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، السنة الماضيّة، إنّه سيجتهِد لكي تبلغ إسرائيل عيدها المائة، لكن، أضاف، هذا ليس بديهيًا، فالتاريخ يُعلِّمنا أنّه لم تُعمِّر دولةً للشعب اليهوديّ أكثر من ثمانين عامًا، وهي دولة الحشمونائيم، على حدّ قوله.

من ناحيته، أكّد الجنرال في الاحتياط شاؤول أرئيليّ، المُستشرِق الإسرائيليّ المختّص بالصراع العربيّ-الصهيونيّ أنّ الكيان الذي اعتمد عددًا من الاستراتيجيات قد فشلت في تحقيق وتجسيد الحلم الصهيونيّ على أرض فلسطين المحتلة، وهي تواصل السير في الطريق نحو فقدان هذا الحلم.

وأوضح في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبرية أنّ الحركة الصهيونية عملت على تأسيس دولةٍ يهوديّةٍ على أرض فلسطين المحتلة “بواسطة دمج ثلاث استراتيجيات عمل أساسية، وجميعها لم تنجح في حلّ النزاع أوْ تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسية للحركة الصهيونية، (أرض إسرائيل، وديمقراطية، وأغلبية يهودية)، وهكذا ولد خط سياسي ثالث، هو التقسيم لدولتين”، على حدّ تعبيره.

ومن المُفيد الإشارة إلى أنّه بات واضحًا أنّ نصف الإسرائيليين في كيان الاحتلال يؤيّدون حكومة نتنياهو المُتشكلّة، والتي تعمل بهدف القضاء على ما تبقّى ممّا يُسّمى بالديمقراطيّة الإسرائيليّة، وتحويل الكيان إلى دولةٍ دينيّةٍ عنصريّةٍ وحتى فاشيّةٍ، تعتمِد فيما تعتمِد على الدّين اليهوديّ، أوْ بكلمات المحلل روغل ألفر إقامة المملكة الإسرائيليّة الدكتاتوريّة الأولى القائمة على تفوّق العرق اليهوديّ في فلسطين التاريخيّة.

ولكن بالمُقابِل فإنّ النصف الآخر، غير المُشارِك في حكومة نتنياهو السادسة، يرفض رفضًا قاطعًا هذا التوجّه الخطير ويعمل على إبقاء إسرائيل لبراليّةً ويرفض السماح لقوى الدّين السياسيّ المتزمت من السيطرة على الدولة العبريّة، ومن هنا فإنّ الدرب بات مفتوحًا للمظاهرات ضدّ الحكومة، فيما يذهب محللون آخرون إلى الحديث عن حربٍ أهليةٍ بين المعسكر اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة واللبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا، كما أنّ الهجرة من إسرائيل بات موضوعًا مطروحًا وبقوّةٍ على الأجندة.

لذا لم يكُنْ مفاجئًا أنّه في أعقاب نتائج انتخابات (الكنسيت) الأخيرة، التي سجّلت فوز زعيم المعارضة ورئيس الحكومة الإسرائيليّ المكلف بنيامين نتتياهو وفريقه، المؤلّف من العنصريين والفاشيين واليهود المتزمتين جدًا، أنْ تبرز في دولة الاحتلال حركةً جديدةً تحاول تجنيد عشرة آلاف مستوطن إسرائيليّ في المرحلة الأولى لمغادرة الدولة العبريّة.

وفي التفاصيل، أشارت صحيفة (معاريف) العبريّة الى أنّ “المجموعة المسمّاة (نغادر البلاد سوية) حدّدّت هدفها الأول وهو جمع حوالي عشرة آلاف إسرائيليٍّ مهاجرٍ”، لافتًة في ذات الوقت إلى أنّ “أحد رؤساء المجموعة ينيف غورليك، كان ناشطًا أساسيًا في التظاهرات ضد نتنياهو ويعتبر ناشطًا اجتماعيًا بارزًا ضد فرض الدين”، علمًا أنّ نصف الإسرائيليين هم من العلمانيين ويرفضون رفضًا قاطعًا العيش في دولةٍ يحكمها أتباع الصهيونيّة الدّينيّة، الذين يُحاوِلون فرض الشرعيّة اليهوديّة على نظام الحكم في الكيان.

وأضافت الصحيفة العبريّة قائلةً إنّ ناشطًا آخر هو مردخاي موتي كاهانا، (60 عامًا)، رجل أعمال إسرائيليّ أمريكي غرّد قبل أيامٍ قليلةٍ عبر منصّة التدوينات القصية (تويتر) قائلاً: “بعد سنوات من تهريب اليهود من مناطق الحرب في اليمن وأفغانستان وسوريّة وأوكرانيا إلى إسرائيل، قررت مساعدة الإسرائيليين على المغادرة إلى الولايات المتحدّة الأمريكيّة”، على حدّ قوله.

ووفقًا لتقرير الصحيفة العبريّة “يعتبر كاهانا ناشطًا من بين مجموعة من الأمريكيين الصهاينة الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة للكونغرس الصهيونيّ العالميّ، والتي حصلت في النهاية على عدد كافٍ من الأصوات لإرسال ممثل واحد إلى (الكونغرس) في إسرائيل”.

ونقلت عن كاهانا قوله: “أرى كراهية إخوة كبيرة وأرى الإيرانيين بصواريخ دقيقة موجهة لإسرائيل، قبل ألفي عام كانت هي نفسها بالضبط”، مقترحًا “التبرع بنصف الأموال للصندوق القومي للتعليم اليهوديّ في أمريكا الشمالية، لأنّنا نصف الشعب اليهوديّ”، على حد تعبيره.

ووفقًا للصحيفة، “تلقّى كهانا عشرات الطلبات من الإسرائيليين للحصول على مساعدةٍ في مجال الهجرة، خاصّةً من أولئك الذين يديرون شركات تكنولوجيا صغيرة يرغبون في نقل مكاتبهم إلى الولايات المتحدة”.

عُلاوةً على ما جاء أعلاه، أوضحت الصحيفة العبريّة أنّ كاهانا كتب أنّه “مع حكومة كهذه في إسرائيل، يجب على الحكومة الأمريكيّة أنْ تسمح لكلّ إسرائيليٍّ يمتلك شركة أوْ مهنة مطلوبة في الولايات المتحدة، مثل أطباء أوْ طيارين، أنْ يهاجر الى الولايات المتحدة”، موضحةً أنّ “كهانا يعتبر أنّ الشعب اليهوديّ لن يعرف أبدًا كيف يحكم بلاده إسرائيل والعيش في الشتات”، وقال: “تمّ تدمير الهيكل الثاني بسبب الكراهية التي تشبه ما يحدث في إسرائيل عام 2022″، على حد تعبيره.

على صلةٍ بما سلف، قال البروفيسور أسا كاشير، وهو الذي وضع النظريّة الأخلاقيّة لجيش الاحتلال، قال في مقابلةٍ صحافيّةٍ للإذاعة العبريّة شبه الرسميّة (كان)، إنّ المجتمع الإسرائيليّ الصهيونيّ هو مجتمع عنيف، لافتًا إلى أنّ مرّد ذلك يعود إلى سياسات حكومات بنيامين نتنياهو، الذي حكم الكيان منذ العام 2009 وحتى العام 2021، وقبل ذلك كان رئيسًا للوزراء بين الأعوام 1996 وحتى العام 1999، وسيعود مرّةً أخرى لمنصبه في الأيّام القليلة القادمة.

في السياق عينه، ما زال مقال الصحافيّ الإسرائيليّ آري شافيط، من صحيفة (هآرتس)، والذي جاء تحت عنوان: (إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة)، يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان، حيث كتب أنّه يُمكن أنْ يكون كلّ شيءٍ ضائعًا، ويمكن أننّا اجتزنا نقطة اللا عودة، ويمكن أنّه لم يعُد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويمكن أنّه لم يعُد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونيّة وإنقاذ الديمقراطيّة وتقسيم البلاد”.

وتابع: “إذا كان الوضع كذلك فإنّه لا طعم للعيش في البلاد، يجب مغادرة البلاد”. لافتًا إلى أنّه “إذا كانت الإسرائيليّة واليهوديّة ليستا عاملين حيويين في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبيّ، ليس فقط بالمعنى التقنيّ، بل بالمعنى النفسيّ أيضًا، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أوْ برلين”.

وأوضح شافيط أنّ “الإسرائيليين منذ أنْ جاءوا إلى فلسطين، يدركون أنّهم حصيلة كذبة اخترعتها الحركة الصهيونيّة، استخدمت خلالها كلّ المكر في الشخصية اليهوديّة عبر التاريخ، ومن خلال استغلال الـ(محرقة) وتضخيمها، استطاعت الحركة أنْ تقنع العالم بأنّ فلسطين هي أرض الميعاد، وأنّ الهيكل المزعوم موجود تحت المسجد الأقصى، وهكذا تحوّل الذئب إلى حمَلٍ يرضع من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين والأوروبيين، حتى بات وحشًا نوويًا، وخلُص إلى القول إنّ “الإسرائيليين يُدركون أنّ لا مستقبل لهم في فلسطين، فهي ليست أرضًا بلا شعب، كما كذبوا”.

المُحلل في صحيفة (هآرتس) العبريّة، غدعون ليفي أوجز بالقول: “إنّنا نُواجِه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حلّ معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال”، على حدّ تعبيره.

 

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى