تحليلات سياسيةسلايد

هجوم «توساش» بوابةً للتصعيد: رسائل تركية نارية إلى «قسد»

أيهم مرعي 

شنت الطائرات الحربية والمسيرة والمدفعية التركية هجوماً متزامناً وواسعاً على مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) شمال شرق سوريا، مستهدفةً مقرات الأخيرة ومنشآت نفطية واقتصادية ومحطات توليد ونقل للطاقة، فيما قالت أنقرة إن هذه الاستهدافات تأتي ردّاً على هجوم على شركة الصناعات الجوية والفضائية «توساش»، أول من أمس في أنقرة، أدى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة 22 آخرين، ووُجّه الاتهام إلى «حزب العمال الكردستاني» بالوقوف خلفه.

وتركزت الهجمات التركية على مواقع «قسد» والمنشآت الاقتصادية والخدمية في عدد من القرى والبلدات والمدن في القامشلي وعامودا والقحطانية والجوادية ورميلان والمالكية وتل تمر في ريف الحسكة، ومنبج وعين العرب وتل رفعت في ريف حلب، وعين عيسى وريف تل أبيض في الريف الشمالي. وأما الغارات على محطات وآبار النفط، فتركّزت في سعيدة والسويدية وعودة وطفلة والقحطانية، بالإضافة إلى محطة توليد الطاقة الكهربائية في السويدية، ومحطّتي نقل الكهرباء في عامودا وعين العرب، ما أدى إلى خروج كل تلك المواقع من الخدمة بشكل كلي أو جزئي. كما استهدفت الطائرات التركية مقرات وحواجز عسكرية لـ«قسد» و«الأسايش» في كل من عين العرب ومنبج وتل رفعت وتل تمر وعامودا والقامشلي وريفها، من دون ورود معلومات مؤكدة عن حجم الخسائر التي لحقت بها.

وأصدر المركز الإعلامي التابع لـ«قسد» بياناً قال فيه إن «جيش الاحتلال التركي استهدف 42 موقعاً خدمياً، ما أدى إلى استشهاد 12 مدنياً، بينهم 7 من عمال محطة نفط السويدية، وإصابة 25 آخرين». وقال القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، بدوره، في تغريدة على «أكس»، إن «القصف التركي العشوائي وغير المبرر الذي يستهدف المراكز الخدمية والصحية والمدنيين شمال شرق سوريا، يعد جريمة حرب حقيقية»، مضيفاً «(أننا) أبدينا مراراً جاهزيتنا للحوار، إلا أننا نؤكد أن قواتنا مستعدة للدفاع عن شعبنا وأرضنا».

وفي السياق نفسه، طالبت «الإدارة الذاتية»، في بيان، «المجتمع الدولي باتخاذ موقف واضح ضدّ تركيا»، داعيةً كلّاً من «التحالف الدولي والقوات الروسية إلى تحمل مسؤوليتهما، ووقف سياسة الازدواجية والصمت أمام الجرائم التركية، وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات التركية». وبدورها، انتقدت مسؤولة العلاقات الخارجية في «الذاتية»، إلهام أحمد، موقف الولايات المتحدة مما يجري، قائلة، في تصريح، إن «محاولة تركيا فرض قوانينها على المجتمع الدولي كارثة، واستهداف شمال وشرق سوريا، كلما وقع حدث أمني في تركيا ينتهك القوانين الدولية»، معتبرةً أن «صمت حلفاء تركيا تجاه هذه الانتهاكات جريمة أكبر»، في إشارة إلى واشنطن. وفي المقابل، بررت وزارة الدفاع التركية استهدافاتها الجوية بأنها ردّ على «هجوم توساش»، مشيرة، في بيان، إلى أن «قواتنا دمرت 47 موقعاً للإرهابيين في عملية جوية شمال سوريا والعراق، ما أسفر عن مقتل وجرح 59 عنصراً منهم»، مضيفة أن «العملية تهدف إلى القضاء على خطر الهجمات الإرهابية، بما يتماشى مع حقّ الدفاع عن النفس، وفقاً لميثاق الأمم المتحدة». أما الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، فأكد، في تصريحات إعلامية، أن «تركيا ستواصل كفاحها بكلّ حزم وتصميم ضد كل أشكال التهديدات الإرهابية»، مضيفاً أن «الأيادي التي تمتد إلى تركيا ستكسر بكل تأكيد، ولن يتمكن أي كيان أو تنظيم إرهابي يستهدف أمننا من تحقيق آماله». وعلى المنوال نفسه، قال وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، إن «بلاده ستواصل كفاحها بكل عزم ضد جميع العناصر الإرهابية والقوى التي تغذيها في الداخل والخارج»، متابعاً «أننا لن نسمح أبداً للبؤر التي تستهدفنا ولا لوكلائها بتحقيق أهدافها تجاه بلادنا».

وإزاء ما تقدّم، يبدو أن أنقرة تحاول استثمار أي حدث أمني داخلي، أو عملية يقوم بها «حزب العمال الكردستاني»، للانتقام من «قسد»، وتدمير البنى التحتية والاقتصادية التي تديرها الأخيرة في مناطق شمال شرق سوريا، وهو ما يأتي للمرة الثالثة، بعد عمليتين جويتين سابقتين في تشرين الأول وكانون الأول من العام المنصرم. كما يبدو أن الأتراك يريدون جس نبض كل من روسيا والولايات المتحدة في شأن إمكانية شن عملية برية واسعة ضد «قسد»، في ظل انشغال المجتمع الإقليمي والدولي بتداعيات العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان.

وبحسب مصادر ميدانية، فإن الهجوم التركي يستهدف بالدرجة الأولى «تجفيف مصادر تمويل قسد عبر ضرب آبار النفط والغاز ومحطات نقل الطاقة، لإضعافها بشكل تدريجي». وتشير المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «قسد في كلّ مرة تكتشف عدم فعالية حليفتها، الولايات المتحدة، في منع الهجمات الجوية والبرية التركية الواسعة عليها، لكنها متمسكة بالتحالف معها». وتلفت إلى أن «أنقرة ضاعفت من ضغوطها أخيراً على الأميركيين لوقف دعم للأكراد والانسحاب من مناطق سيطرتها لفتح الطريق لها للقضاء عليهم»، معتبرة أن «الحديث عن عملية عسكرية برية واسعة لا يزال مبكراً، في ظل الإصرار الأميركي على الاحتفاظ بوجود عسكري في سوريا حتى نهاية عام 2026 على الأقل». وتستدرك بأن «هذه العملية إن وقعت فستكون محصورة في الغالب بين ريفي حلب والرقة، وتحديداً بين عين عيسى ومنبج وعين العرب، أي في المنطقة التي لا تشهد أي وجود عسكري أميركي».

 

صحيفة الاخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى