هكذا تبنى البلدان

كنت أقود السيارة وانا في طريق عودتي للبيت .. واضعة السماعات في أذني .. ومنتشية بالحديث مع صديقتي التي أفضفض لها وأستشيرها وأساررها .. محافظة على سرعة السيارة ومأخوذة بالحديث .. لأرى خلفي فجأة  موتور شرطة محترم .. !!

قلت لنفسي : من سيكون كبش الفداء لهذا الشرطي ؟!؟ يا للمسكين ..!!

تابعت سيري وانا واثقة  انه لا يستهدفني  .. فانا لم افعل اَي شيء غلط ..

حزام الأمان !!  أضعه ..!! الموبايل ؟!؟ أضع السماعات .. أنا صح .. هو بالتأكيد في طريقه لزبون آخر !!! وأكملت طريقي وحديثي بسلام .. لأجده يتجاوزني ويطلب مني أن أركن السيارة على جنب ..!! 

تفقدت نفسي .. لا بالتأكيد هناك خطأ ما ..  توقفت .. قلت لرفيقتي : أكلمك لاحقا !!متأكدة  ان هناك خطأ ما …؟!؟!؟

وانا أركن السيارة تذكرت أنه يجب علي البقاء في السيارة كما انا ،وعدم التحرك ،وفتح الشباك فقط ..

تقدم نحوي .. وانا واثق الخطوة يجلس ملكا ..!!!

حياني بلطف وطلب الأوراق ..!! لوكنت في سوريا لقلت له (لن اعطيك الأوراق قبل ان تخبرني ماذا فعلت  ؟!؟ )، ولم’ أعطيه الأوراق أبداً حتى لا اصبح انا الضعيفة وهو المتحكم ..  واترك مجالا للمفاوضات .. !! ( التذاكي البلدي !!! )

هنا في بلاد الفرنجة ..  .. اخبروني انه من المهم ألا تناقشي الشرطي ولا تحاولي التذاكي وأعطه الأوراق فورا ..!!!

وهذا ما حدث .. ردت له التحية وأعطيته الأوراق وسألته ما السبب الذي أوقفني لأجله ؟!؟  قال لي سرعة زائدة !!! جحظت عيناي وارتخى فمي، وسألته: ( أين .. كيف .. متى ؟!؟!)!!

فاخرج من جعبته جهاز فاحص السرعة وأراني أنني قد تجاوزت السرعة ب١٧  ميل.. السرعة ٣٥ وانا أقود ٥٢!!

 فقلت له : ولكني لم اجد اَي إشارة لتخفيف السرعة وأنا محافظة على سرعتي طول الطريق .. فأكد لي ان هناك ٣ إشارات لتخفيف السرعة .. !! نظرت اليه تلك النظرات الطفولية البريئة المستجدية ( الحربقة !!! ).. وقلت له سامحني هذه المرة لم ارى الإشارة ولن أعيدها .. انا جديدة هنا ولا أعرف … !!!

 قبل ان اكمل جملتي كان يكتب المخالفة وسلمني إياها لأوقعها .. نظرت اليه مرة أخرى مترجية وانا اسبل له بعيوني الجاحظة من هول فرق السرعة .. وانا أقول في قلبي ( كم انت قاس وبلا احساس !! أين التعاطف ؟!؟ أين الإنسانية والمسامحة ؟!؟ .. أين آاااه .. ؟!؟ انها مجرد شعارات تطبلون بها .. ؟!؟ )

كادت تخرج من فمي وبلا وعي من عقلي الباطن قبل أن أبلعها ( كم تريد وتتركني بحالي  ؟!؟ بتاخد ٢٥ وبتمشيها .. ؟!؟؟ طيب ١٠٠ … ٥٠٠.. الف ليرة ؟!؟ ).

ترحمت على أيامي في بلدي  .. وتذكرت كمية التعاطف والإنسانية التي نعيشها كشعب .. وكم نحن محبين ومساندين لبعضنا .. نسامح .. نغفر .. نتغاضى..

أعطاني المخالفة ..وقعتها .. سألته كم المخالفة ؟!؟!

قال : عندما تذهبي لدفعها يخبروكي ..!! وانطلق 

وانا انطلق الغضب والشرار من عيوني !!!

اتصلت بصديقتي الخبيرة لأسألهاكم المبلغ، ليكون جوابها صاعقا حارقا .. مدويا . قمت بعملية حسابية لأعلم كم تبلغ بالليرة السورية  فكاد ان يغمى علي!

أصبت بصدمة …. واضمحلت ثقتي بنفسي !!

يا للخزي والعار ..كيف سأخبر زوجي ؟!؟! اضمحل صوتي .. وأصبحت خارج التغطية ، ولكن لا .. وعدني ونحن على مذبح الزواج أن يقف بجانبي في السراء والضراء !! وما أضر من هذا الموقف لاختبار حبه ودعمه  !!؟؟ اتصلت بزوجي لأخبره بالمصيبة… فكان جوابه (( مو مشكلة حبيبتي … هذا درس على كل من يأتي لهذه البلاد أن يتعلمه .. وان يدفع ثمنه غاليا لكي ينتبه ولا يكرر الغلط )).

قلت له ولكن الدرس غال جداً … !! قال لي طبعا لكي يتعلم الناس احترام القانون …!!!

أصبت بصدمة أخرى، والى الأن ما زلت مصدومة !!! ولكني تعلمت الدرس الغالي وصرت انتبه والتزم بالقانون بغياب الشرطي .

فعلا كما قالوا لي  : ( هكذا تبنى البلدان ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى