هل اتّفق نِتنياهو وترامب على شَن حرب ضِد إيران في مُكالمتهما الأخيرة؟
من يُراقِب تصريحات الجِنرالات الإسرائيليين ونُظرائهم الأمريكيين، وعمليّات التّحشيد الأمريكيّة للقوّات والأساطيل البحريّة في مِنطقة الخليج يصِل إلى قناعةٍ راسخةٍ مَفادُها أنّ تحضيرات جارية لهُجومٍ وشيكٍ ضِد إيران، وأنّ الأخيرة واعيةٌ لهذه التطوّرات واتّخذت الاستعدادات اللّازمة، أمّا أن يُترجَم هذا الهُجوم على أرض الواقع أم لا فهذه مَسألةٌ أُخرى.
نشرح أكثر، ونُوجِز هذه المُؤشّرات والاستِعدادات في النّقاط التّالية:
أوّلًا: تأكيد موقع “دبكا” التّابع للاستِخبارات الإسرائيليّة أنّ المُكالمة التي جرت مساء الأحد الماضي بين الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب و”صديقه” بنيامين نِتنياهو تمخّضت عن الاتّفاق على تنسيقٍ عَسكريٍّ مُباشرٍ ضِد إيران.
ثانيًا: قيام وفود عسكريّة أمريكيّة عالية المُستوى تضُم جِنرالات وقادة أسلحة جويّة، علاوةً على قِيام مارك فيللي، رئيس أركان الجُيوش الأمريكيّة، بزيارات مُكثّفة إلى تل أبيب وعقدهم اجتِماعات مُكثّفة مع الجِنرال إفيف كوفاخي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وزُملائه، في إطار الاستِعدادات والتّنسيق لأيّ حربٍ قادمة ضِد إيران.
ثالثًا: مُغادرة وفد عسكريّ إسرائيليّ عالي المُستوى إلى واشنطن للِقاء مسؤولين خليجيين، خاصّةً من السعوديّة والإمارات والبحرين، لتوقيع مُعاهدة “عدم اعتِداء” وتوزيع الأدوار في أيّ حربٍ قادمةٍ ضِد إيران، بِما في ذلك استقبال قوّات وطائرات إسرائيليّة.
رابعًا: عودة حاملة الطّائرات الأمريكيّة الأضخم أبراهان لينكولن إلى مِياه الخليج عبر مضيق هرمز لأوّل مرّة مُنذ حزيران (يونيو) لتُرابِط في مُواجهةِ إيران.
المَسؤولون الأمريكيّون والإسرائيليّون كعادتهم يقولون أنّ كُل هذه التحرّكات والاستِعدادات يتم اتّخاذها، لأنّ إيران تُخطّط لهُجومٍ جديدٍ على أهدافٍ إسرائيليّة انتِقامًا للعُدوان الصّاروخي الإسرائيلي الذي استهدف أهدافًا سوريّة وإيرانيّة قُرب مطار دِمشق الدولي، وأدّى إلى استشهاد أعداد كبيرة من القوّات السوريّة والإيرانيّة، ومُواطنين مدنيين سوريين كانوا في جِوار المِنطقة المُستَهدفة.
الحقيقة مُغايرةٌ لذلك تمامًا، فقد أكّدت مصادر غربيّة أنّ هُناك انطباعًا أمريكيًّا إسرائيليًّا، بأنّ إيران تعيش حاليًّا أضعف حالاتها، بالنّظر إلى الاحتجاجات الشعبيّة التي انفَجرت في مُعظم مُدنها بسبب ارتِفاع أسعار البنزين، والأُخرى التي استَهدفت دُوَلًا تتواجد فيها الأذرُع العسكريّة الحليفة مِثل لبنان (حزب الله)، والعِراق (الحرس الثوري)، ولهذا فإنّ الوقت مُناسبٌ جدًّا لاستغلال هذه الاحتِجاجات وتوجيه ضربات في العُمق الإيراني، وخاصّةً المُنشآت النوويّة، والقواعِد العسكريّة، والبُنى التحتيّة الاقتصاديّة، وآبار النّفط والغاز.
نفتالي بينيت، وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، ومِثلما تقول التّسريبات الصّحافيّة، من أكثر المُتحمّسين لهذه الضّربات ضِد إيران، ويتردّد أنّه وضع استراتيجيّةً عسكريّةً جديدةً أبرز عناوينها إخراج القوّات الإيرانيّة من سورية بالطّرق العسكريّة، وعدم تِكرار الخطأ الذي ارتكبته الحُكومات الإسرائيليّة السّابقة بالسّماح لنقل تجربة “حزب الله” وصواريخه إلى الجبهة الشرقيّة المُواجِهة لهضبة الجُولان في جنوب سورية، ويقول مُقرّبون من بينيت أنّ هذه الحُكومات أساءت تقدير وجود قوّات لحزب الله في لبنان قبل 25 عامًا، وجاءت النّتائج ترسانةً من الصّواريخ من مُختلف الأحجام والأبعاد يَزيد تِعدادُها عن 140 ألفًا، نسبة كبيرة منها تحمل رؤوسًا مُتفجّرة تصِل إلى 500 كيلوغرام، ودقيقة جدًّا في إصابة أهدافها، ولا يجِب تِكرارها في الجنوب السوري.
اتسحاق ليفانون، سفير دولة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، كرّر النظريّة نفسها في مقالٍ نشره في صحيفة “إسرائيل هيوم” اليمينيّة الإسرائيليّة قبل ثلاثة أيّام وجّه فيه تحذيرًا للرئيس بشار الأسد من خطَر وجود قوّات إيرانيّة على حُكمه، وطالبه بإخراجها، وأكّد أنّ رسائل أمريكيّة وإسرائيليّة جرى توجيهها إلى الحُكومتين اللبنانيّة والسوريّة في هذا الخُصوص.
لا نُجادل مُطلقًا في أنّ الاحتجاجات الشعبيّة التي أطاحت برئيسيّ وزراء في لبنان والعِراق، وما زالت مُستمرّةً بصُورةٍ أو بأُخرى، أضرّت بحُلفاء إيران، وهزّت صُورتها في المِنطقة، ولم يتردّد السيّد علي خامنئي المُرشد الإيراني الأعلى إلى توجيه أصابع الاتّهام إلى أمريكا وإسرائيل بالوقوف خلفها، ومُحاولة توظيفها ضِد إيران وحُلفائها في قمّة الحُكم في البَلدين، وبهدف التخلّص، أو إضعاف، وسحب شرعيّة الذّراعين العسكريين الأهم، وهُما “حزب الله” و”الحشد الشعبي”، ولكن أيّ عُدوان أمريكي إسرائيلي على إيران قد يُعطي نتائج عكسيّة تمامًا، ويُوَحِّد الشّعبين العِراقي واللّبناني (أو مُعظمه) خلف حُكوماتهما، وحركات المُقاومة ومِحورها، لأنّ ما حدَث في سورية وليبيا واليمن والعِراق من جرّاء التدخّلات العسكريّة الأمريكيّة، بشكلٍ مُباشرٍ أو وغير مُباشر، ما زال ماثِلًا في الأذهان.
مسألةٌ أُخرى لا بُد من التوقّف عندها في هذه العُجالة، وهي أنّ القِيادة الإيرانيّة لن تقف مكتوفة الأيدي في مُواجهة أيّ عُدوان، ولن يستقبل الشّعب الإيراني ومُؤسّسته العسكريّة الطّائرات والصّواريخ الأمريكيّة والإسرائيليّة بالرّقص طرَبًا، ونَثْر الأرز والزُّهور.
المُظاهرات والاحتجاجات ربّما يكون لها تأثير سياسي، ولكن ليس عَسكريًّا، فالقوّة الصاروخيّة الإيرانيّة الضّاربة ما زالت على حالها، والشّيء نفسه يُقال عن القُدرات الصاروخيّة لحُلفائها في سورية والعِراق ولبنان واليمن وقِطاع غزّة، وربّما لهذا السُبب صرّح الجِنرال نور الله أحد أبرز المُستشارين العسكريين في الحرس الثوري قبل ثلاثة أيّام بقوله “21 قاعدة أمريكيّة في الخليج ستكون هدفًا لصواريخنا وأنّ إيران جهّزت نفسها لمُواجهة الحرب الكُبرى مع عدوّها الأكبر”.
المُظاهرات والاحتِجاجات قد تخلق حالة إرباك سياسي، وتُوفّر الذّخيرة لحربٍ إعلاميّة، ولكن عندما تندلع شرارة الحرب، تُصبِح حدثًا هامِشيًّا وثانِويًّا، ورِهانات نِتنياهو على البقاء، أو إزالة الخطر الإيراني، ومعه كُل حُلفائه العرب ستنهار.. ومثلَما قُلنا سابقًا، إنّها ستكون آخر الحُروب، وستُغيّر كُل المِنطقة، وستختفي دول وشُعوب، وتنشأ جُغرافيا وقِوى جديدة.. والأيّام بيننا.
صحيفة رأي اليوم الالكترونية