تحليلات سياسيةسلايد

هل الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لأوانه؟

إبراهيم علوش

من يضمن ألا تصبح الحصانة المطلقة التي تمنحها المنظومة الجديدة في “الشرق الأوسط” للكيان الصهيوني عصا سحريةً لابتزاز الأنظمة العربية في أي ملف، حتى لو لم يكن أمنياً؟ 

 

يقف الطرف الأميركي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب ونتنياهو، فإن ذلك يفترض أن يعني أن ثمار المعركة أينعت سياسياً، وأنها باتت جاهزة للقطاف في صورة “شرق أوسط جديد”، وأن العقبة الأخيرة أمام انقياد الجموع إلى “العصر الإسرائيلي” جرى تذليلها.

لكنّ يبدو أن الرياح لا تجري كما تشتهي سفن الطرف الأميركي-الصهيوني، على الرغم من تأكيد نتنياهو تكراراً أن السياسة “الإسرائيلية” عاكفة، بنجاح، على “تغيير وجه الشرق الأوسط”، منذ أكتوبر 2023.  وهي الموضوعة التي كررها نتنياهو عشية ما يسمى عملية “الأسد الصاعد” ضد إيران الشهر الفائت.

خرجت مجلة “ذا إيكونومِست” البريطانية المرموقة بمقالة رئيسة، في عددها الصادر في 3/7/2025، عنوانها “الحرب بين إيران وإسرائيل لم تحدث تحولاً في الشرق الأوسط بعد”، ومفادها أن “صفقات السلام قد تكون بعيدة المنال، وأن الدول الخليجية تخشى أن الحرب قد تكون بعيدة عن النهاية”.

يشير الإعلام الغربي إلى أن الهجوم الصهيو-أميركي على إيران، بدلاً من أن يجد ترحيباً من طرف الأنظمة العربية المطبعة والدائرة في الفلك الأميركي، والمعادية لإيران، فإنها أدانت الهجوم “الإسرائيلي” في 13/6/2025، ولم ترحب بالهجوم الأميركي في 22/6/2025، أو أدانته على استحياءٍ شديد.

كانت تلك الأنظمة، وخصوصاً الخليجية، منزعجة من الاتفاق النووي مع إيران سنة 2015، وسعيدة عندما انسحب ترامب منه سنة 2018، خلال رئاسته الأولى.  لذلك، يبدو أن ترامب ونتنياهو توقعا منها دعماً علنياً عارماً للعدوان على إيران، إعلامياً وسياسياً.

لعل من الصعب التقاط الحبكة هنا من طرف من يصرفون النظر سريعاً عن بيانات إدانة الأنظمة العربية والإسلامية للعدوان على إيران (أو غزة أو لبنان أو سوريا) باعتبارها موجهة فحسب للاستهلاك الداخلي، محلياً وعربياً.

وهذا منطقي بالنظر إلى أن تلك الأنظمة تشارك بفعالية في الدفاع عن الكيان الصهيوني جوياً وصاروخياً، وأنها تحتضن قواعد عسكرية تضم عشرات آلاف الجنود الأميركيين (وغيرهم)، وأنها مستمرة في فك الحصار اليمني عن الكيان الصهيوني، وفي حصار المقاومة، وفي خنق أبسط تعابير تأييدها داخلياً.

حتى المطالبة بفك الحصار عن غزة في الشارع، وأحياناً في وسائل التواصل الاجتماعي، باتت عملاً “إجرامياً” في عُرف تلك الأنظمة…  فكيف نصدقّ خطابها، وهي تقدم دعماً ملموساً للعدو الصهيوني؟!

إلى هنا، لا يُلام المراقبُ إنْ لم يأخذ بيانات الأنظمة وتصريحات مسؤوليها على محمل الجد، وإنْ قفزَ عنها بسرعة البرق إلى ما يليها من تقارير وأخبارٍ.

أما حين تصبح تلك البيانات والتصريحات مدعاةً للتساؤل في الإعلام الغربي، وحين تصبح مقدمةً لتحليلات سياسية تنحو إلى أن الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لأوانه، فإن علينا التوقف هنيهةً لفهم ما يجري.

لنأخذ مثالاً من تقرير في مجلة “تايم ماغازين” الأميركية، في 30/6/2025، بعنوان “العالم العربي قلقٌ بشأن النظام الجديد في الشرق الأوسط”، يبدأ بالجملة الآتية: “انتهت الحرب بين إيران وإسرائيل.  لكنّ العالم العربي يصارع عواقبها”.

والمقصود بـ “العالم العربي” هنا، كما عادةً، هو الأنظمة العربية، وهو خطأ شائع لأن البلدان لا يجوز أن تُختزلَ بأنظمتها أولاً، ولأن وصف الوطن العربي بأنه “عالمٌ”، ثانياً، يمثل انحيازاً أيديولوجياً لا مصطلحاً علمياً محايداً.

ومن البديهي أن مصطلحات مثل “الشرق الأوسط”، جديد أو غير جديد، و”الاتفاقيات الإبراهيمية”، أو “السلام مع إسرائيل”، كلها مخترقة، كما جرت الإشارة في مواضع أخرى.

المهم أن تقرير “تايم” يقول إن الأنظمة العربية ليست مرتاحة للعدوان على إيران.  وكانت “تايم” ذاتها نشرت تقريراً رئيساً في 22/6/2025 تحت عنوان “شرق أوسط جديد يتكشف أمام أعيننا”.  وهذا يعني أن هيئة التحرير راجعت ذلك التوجه في ضوء التفاعل مع الحرب عربياً وإسلامياً.

يفصّل تقرير “تايم” الثاني، في 30/6/2025، أن تحفّظ الأنظمة العربية على قصف إيران، التي كانت ستكون تلك الأنظمة سعيدة جداً “لو جرى استبدال نظامها بآخر أكثر براغماتيةً وأقل عقائديةً”، يعود إلى سببين أساسيين:

1 – انفلات “إسرائيل” في غزة، قتلاً وتدميراً، واستمرارها في قصف لبنان، واحتلالها أراضٍ جديدة في الجولان.

2 – المقاييس المزدوجة التي يطبقها الغرب في المنطقة، والتي تنتهي دائماً بحماية “إسرائيل” من عواقب انتهاكاتها، سياسياً وقانونياً.

مرة أخرى، لا يتعلق الأمر بالمقاومة في غزة، أو حتى بما يرتكبه العدو الصهيوني فيها، أو بإيران، برأيي المتواضع، بل بـ “رؤية نظام إقليمي جديد تأمن فيه إسرائيل العقاب، في حين تملي المعايير الأمنية على جيرانها”، بحسب تعبير تقرير “تايم”.

يتعلق الأمر بالخوف إذاً، خوف الأنظمة العربية أنها في ظل منظومة إقليمية من هذا النوع سوف تصبح كريشة في مهب الريح، منعدمة الوزن، وعرضة في أي لحظة للضرب والعقوبات وزعزعة الاستقرار عندما يقرر الكيان الصهيوني أن أحدها لم يراعِ، بصورة أو بسرعة كافية، هذا الاعتبار أو ذاك المتعلق بأمن “إسرائيل” القومي، أي إذا لم تنصع تماماً لمحددات استراتيجية الأمن القومي للكيان الصهيوني.

فمن يضمن ألا تدور الدائرة على مصر مثلاً إذا أصرت على منع تهجير الغزيين إلى سيناء؟  من يضمن ألا يستهدف الطرف الأميركي-الصهيوني الأردن إذا رفض مشروع تهجير أهل الضفة الغربية، بينما يجري تهويدها على قدمٍ وساق؟

من يضمن ألا تُستهدَف السعودية، بالعقوبات أو غيرها، إذا رفضت الانخراط في ما يسمى “الاتفاقيات الإبراهيمية” قبل إيقاف المجزرة الصهيونية المستمرة في غزة، مراعاةً لمشاعر مواطنيها أو لمنزلتها في الوطن العربي والعالم الإسلامي؟

باختصار، من يضمن ألا تصبح الحصانة المطلقة التي تمنحها المنظومة الجديدة في “الشرق الأوسط” للكيان الصهيوني عصا سحريةً لابتزاز الأنظمة العربية في أي ملف، حتى لو لم يكن أمنياً؟

نتحدث عن وصاية صهيونية مطلقة هنا، وهذا خطير، حتى بالنسبة للأنظمة العربية، لأنه يتضمن احتمال تقويض الأنظمة وتفكيك البلدان.

إن هذا الخوف مهم اليوم في تشخيص المشهد الراهن، لإيران، وللمعارضين العرب الذين ينطلقون من حسابات وطنية وقومية.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى