هل تلتقط أوروبا العجوز الفرصة الإيرانية لحفظ ماء الوجه؟
بين الأسباب التي دعت إلى إطلاق لقب “أوروبا العجوز” الشائع، أن القارة الأوروبية قد شاخت مع بزوغ وليدها في أميركا الشمالية الذي أفقدها نور شعاعها. لكن الشيخوخة الأوروبية قد يكون أساسها المرض العُضال الذي أصاب القارة الأوروبية نتيجة التحاقها بالهيمنة الأميركية إعجاباً بالمولود الغرائبي، على حساب الجزء المتنوّر في تاريخها وحضارتها.
لم يعد مسؤول أوروبي يمكنه أن يخفي الخطر الداهم الذي يتعرّض له الاتحاد الأوروبي والأزمات الحادة في المجتمعات الأوروبية المهدّدة بانفجارات غير مسبوقة. ففي القمة الأوروبية الأخيرة في رومانيا المدعوّة إلى “رؤية استراتيجية مستقبلية”، يساور المسؤولون القلق والخوف على أوروبا بسبب العجز عن مواجهة الأزمات وفقدانها القدرة على وقف الانحدار في المتغيرات الدولية.
وبينما تتفاءل أنجيلا ميركل “بأن أوروبا قادرة على القيام بعمل مشترك من أجل السلم والرخاء”، يدق إيمانويل ماكرون ناقوس الخطر بقوله “إن أوروبا تحتاج إلى تجديد نفسها أو أنها معرّضة للسقوط”.
اللافت أن مظاهر الشيخوخة تتجسّد في مساعي المسؤولين الأوروبيين للبحث عن إدارة الأزمات بالوعود البرّاقة، أملاً بتخفيف المخاطر الناتجة عن أسبابها ومن دون التطرّق إلى معالجة الأسباب التي أدّت إلى هذه النتائج. وخير دليل على ذلك أعراض شلل مرض الشيخوخة، أن أوروبا عقدت اتفاقاً مع إيران بعد مباحثات طويلة في مباحثات 5+1 أدّت إلى التزام أوروبا بتعهدات أكّدت على الإلتزام بها بعد نقض ترامب الاتفاق.
لتفادي العقوبات الأميركية على الشركات الأوروبية، تعيد أوروبا إحياء تشريع أوروبي أصدرته العام 1996 لتفادي العقوبات الأميركية على كوبا. وبناء على الآلية المعروفة باسم “إنستكس” جرى تعيين الخبير المالي الألماني بيير فيشر وإنشاء مؤسسة مقرها في باريس، لكي تشرف على التجارة مع إيران وتحويل الأموال إلى الشركات الأوروبية التي تبيع المنتجات الصناعية والأدوية التي تشتريها إيران من أوروبا. وفي المقابل أنشأ المصرف المركزي الإيراني “مؤسسة التجارة والمال” للإشراف على التعامل بالمثل.
لم تلتزم أوروبا بتعهداتها، بل انتهجت طريق التسويف والمماطلة طوال سنة كاملة على الرغم من ترداد الحديث وتصريحات الزعماء عن الالتزام والتأكيد على أن إيران ملتزمة بتعهداتها وفق الاتفاق النووي.
والأدهى من ذلك أن أوروبا حاولت إفراغ الاتفاق من محتواه واستكمال ما يسعى إليه ترامب، في مطالبتها التأجيل والتفاوض على بنود لم يشملها الاتفاق النووي منها:
– التفاوض حول النشاط الصاروخي الإيراني الذي تجاوزته إيران في مباحثات الاتفاق النووي.
– الطلب من إيران الدخول في “فريق العمل المالي”، وهي منظمة أنشأتها مجموعة الدول السبع كمنظمة دولية عام 1989 “لمكافحة الإرهاب” وتبييض الأموال والتعاون في سبيل ذلك بين الدول الأعضاء وعلى رأسها “إسرائيل”.
إيران التي تسعى إلى وضع حدٍ للمماطلة والتسويف الأوروبي، تمنح أوروبا مهلة 60 يوماً أملاً بأن تختبر أوروبا نفسها إذا كانت ترغب بحفظ ماء الوجه أو أنها تبحث عن ذرائع ما تسميه مصالحها مع الولايات المتحدة، وهي لا تتعدّى مصالح بعض الشركات الأوروبية الكبرى التي باتت وحدها تمثّل مصالح أوروبا السياسية، وأن حماية المصالح التجارية لهذه الشركات تعوّض عن خسارة الدور الأوروبي بين الدول والمنظومة الدولية.
في حقيقة الأمر السبب الأساس وراء تقاعس أوروبا، ليس ما تزعمه حفاظاً على مصالحها في اختصار أوروبا إلى حماية مصالح الشركات الكبرى الأوروبية، إنما السبب هو التهديد الأميركي وعدم طموح المسؤولين الأوروبيين إلى الحد من الهيمنة الأميركية أملاً بمعالجة عوارض مرض الشيخوخة.
فنائب الرئيس الأميركي مايك بنس يهدّد أوروبا بأن الآلية الجديدة تزيد الشرخ بين أوروبا وأميركا. والإدارة الأميركية تهدّد بفرض العقوبات على الآلية الجديدة وتعيّن وزير الخزانة السابق جاك لو من أجل هذه المهمة.
رفض المهلة الإيرانية هو استمرار لما سبق في التهرّب من استعداد أوروبا لتنفيذ تعهداتها، بل التهرّب من استعدادها لمعالجة عوارض مرض الشيخوخة، أو لا يُصلح العطّار ما أفسد الدهر.
الميادين نت