تحليلات سياسيةسلايد

هل تلجأ واشنطن لـ”غزو” الدول التي تعتقل نتنياهو وتُسلّمه …

خالد الجيوسي

مع اقتراب وصول الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يشعر الجمهوريون فيما يبدو بالثقة المُتزايدة، ويرفعون سقف تهديداتهم حينما يتعلّق الأمر بدولة الاحتلال الإسرائيلي، وحماية قادتها من أي تهديد، وصولاً لحد اعتقالهم بموجب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، ووزير حربه المُقال يوآف غالانت بتُهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة وارتكاب إبادة جماعية في غزة واستخدام سلاح التجويع ضد الفلسطينيين.

 

التهديد صدر عن السيناتور الجمهوري توم كوتون، الذي وصف المحكمة بـ”الصورية”، وهدّد بقانون ما يُعرف باسم “قانون غزو لاهاي”، وقال كوتون في منشور له على منصة “إكس”: “(المدعي العام للحكمة الجنائية الدولية) كريم خان متعصب ومجنون والويل لمن يحاول تنفيذ أمر الاعتقال الخارج عن القانون، واسمحوا لي أن أذكركم جميعا -وديًّا- بأن القانون الأميركي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية معروف باسم قانون غزو لاهاي لسبب وجيه. فكّروا في الأمر”.

ويرفع السيناتور المذكور سقف تهديده، مُستندًا إلى قانون لاهاي، والذي وقع في 3 أغسطس/ آب 2002 على قانون “حماية العسكريين الأميركيين”، والذي يعطي الولايات المتحدة صلاحية استخدام القوة العسكرية لتحرير أي أميركي أو مواطن من دولة حليفة للولايات المتحدة محتجز لدى المحكمة الجنائية الدولية التي تتخذ من لاهاي بدولة هولندا مقرًّا لها.

ويسمح قانون لاهاي للرئيس باستخدام الوسائل الضرورية كافّة لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأمريكية سواء كان مُحتَجزًا أو معتقلًا من قبل المحكمة الجنائية العليا أو بالنيابة عنها أو بأمر منها.

وينص قانون غزو لاهاي على منع المحكمة الجنائية الدولية من مُمارسة أي إجراءات أو متابعات قانونية ضد الأشخاص المشمولين بحماية الولايات المتحدة الأمريكية أو المُتحالفين معها أو الذين كانوا محميين منها أو كانوا متحالفين معها، مع ضمان عدم إلقاء القبض على أي منهم أو احتجازه أو محاكمته، سواء من لدن المحكمة الجنائية الدولية أو من ينوب عنها، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن ستلجأ لتطبيق هذا القانون ضد المحكمة الجنائية، وضد الدول التي أعلنت أنها ستعتقل نتنياهو حال وصوله لأراضيها.

وهدّد عدد كبير من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، المحكمة الجنائية الدولية بمُعاقبة أفرادها بعد إصدارها مذكرتي الاعتقال، وأبرز المعرضين للعقوبة هو المدعي العام للمحكمة كريم خان.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب المُقال يوآف غالانت، وفي حين أنّ إسرائيل ليست عضوا في المحكمة، أصبحت 125 دولة عضوا فيها مطالبة -قانونيا- باعتقال نتنياهو إذا وطئت قدمه أراضيها، وهو ما يجعله منبوذًا في معظم أنحاء العالم.

السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام هو الآخر هدّد الدول التي قد تعتقل نتنياهو وغالانت، قائلاً إن واشنطن يُمكن أن تنظر في فرض عواقب على الدول التي تتعاون مع الحكم. وفي بيان أصدره أمس الخميس، قال “إذا لم نتحرّك بقوّة ضد الجنائية الدولية بعد قرارها الشائن، نحن نرتكب خطأ فادحًا”.

وضرب غراهام فيما يبدو كل علاقات بلاده بالاتحاد الأوروبي عرض الحائط لأجل خاطر قادة الكيان، حيث يعد رسالة سيُحذّر فيها قادة الدول الأوروبية من اتّباع توجيهات الاتحاد الأوروبي لإنفاذ أوامر الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وغالانت، وأوضح أنه سيُرسل خطابًا إلى الاتحاد يقول فيه “نعتقد أن هذا خارج نطاق ولايتهم القضائية، إنه مارق ومتهور. أي شخص يساعد ويحرض على هذا الجهد المتهور سيكون في الجانب الخطأ من الولايات المتحدة”.

وتُطرح تساؤلات حول المخاطر “الجدّيّة” التي يُمكن أن يتعرّض لها نتنياهو، وهو في طريق سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حال تعرّض طائرته لمشكلة تقنية، أو الحاجة للتزوّد بالوقود، ويسأل ديفيد ماي، مدير الأبحاث بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، وهي جهة بحثية قريبة من إسرائيل، فأين يُمكنه الهُبوط؟ هل ستعتقله دولة أوروبية؟ سيكون اعتقاله استفزازيًّا للغاية ليس فقط ضدّ إسرائيل، ولكن أيضًا ضدّ واشنطن.

ويبدو أنّ تأثير قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت، وقعه ثقيل على دولة الاحتلال، وغير مسبوق، حيث دفعت المخاوف مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق لدى واشنطن، للطلب من الحكومة الأميركية بمُعاقبة أعضاء المحكمة وفرض عقوبات على أي دولة تُوافق على ما صدر منها تجاه قادة إسرائيل.

ولا تعترف كُل من إسرائيل والولايات المتحدة باختصاص الجنائية الدولية، التي ليس لديها شُرطة لتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عنها، لكن تُعرّض تلك المذكرات المسؤولين الإسرائيليين لخطر التوقيف في بلدان أخرى، بما في ذلك معظم دول القارة الأوروبية.

وكان لافتًا، وصادمًا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بأن دول أوروبية كثيرة، تعهّدت بما فيها أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) مثل فرنسا وبلجيكا وهولندا وتركيا، بتأييد حكم الجنائية الدولية ودافعت عن استقلالها، وبهذا أصبح نتنياهو أول زعيم دولة يواجه مثل هذه المذكرة بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إثر حربه في أوكرانيا.

الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن سارعت لإدانة القرار وعملت على حشد دولي لمنع تنفيذه، كما وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ”المُشين”، وللمُفارقة أن الإدارة الأمريكية لم تصف مذكرة اعتقال الرئيس الروسي بذات التوصيف.

تجدر الإشارة إلى أن قرار المحكمة الجنائية، أنه يمنع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من إلقاء أي خطاب في المستقبل في الأمم المتحدة، على خلفية أن الأمم المتحدة لن تدعو شخصًا إلى المنصّة مطلوبًا بقضايا جرائم دولية، وهذه ليست المرّة الأولى التي تصدر فيها أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين، ولكن ما يُميّز هذا الأمر بالاعتقال بأنه صادر عن محكمة دولية وليست محاكم محلية

إلياف ليبليخ الأستاذ المحاضر في القانون الدولي في جامعة تل أبيب، وصف وضع إسرائيل بعد صدور القرار في مقال نشره في صحيفة “هآرتس” بقوله إنّ إصدار أوامر الاعتقال ضدّ نتنياهو وغالانت هو “أخطر لحظة انحدار قانوني في تاريخ إسرائيل”.

بكُل حال، قرار اعتقال نتنياهو يُمكن للأخير أن يتجنّبه بعدم السفر للدول التي هدّدت باعتقاله، ولكن الحقيقة الثابتة بأنه بات على نتنياهو التفكير مثل اللصوص والهاربين والقتلة حتى يتمكّن من الإفلات من الاعتقال والمُحاكمة، وسيكون ممنوعًا من الصعود على منصّة الأمم المتحدة بصفته قاتلًا منبوذًا، وإن شاءت الأقدار وجرى اعتقاله، سيكون على الولايات المتحدة برئيسها المُنتخب ترامب الذي يتباهى بعلاقته الشخصية مع نتنياهو، بأن يُعلن تفعيل قانون لاهاي، ويذهب غازيًا لهولندا حيث تقع لاهاي لحماية حليفه نتنياهو من المُحاكمة، وإنقاذه من الحجز، أو اللجوء إلى منع تقديم مُساعدات عسكرية أميركية لأي حكومة تساند المحكمة الجنائية الدولية، وهو الخيار المرجح والأقل كُلفة وفق التقديرات.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى