هل حاول الحرس الثوري الإيراني فِعلًا اغتِيال بولتون انتقامًا للجِنرال سليماني؟
بينما تتصاعد التهديدات الأمريكيّة بالانتقام من إيران بعد اتّهامها بالوقوف خلف “مُؤامرة” مزعومة لاغتيال جون بولتون مُستشار الرئيس السّابق دونالد ترامب للأمن القومي، يخرج علينا الجِنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي بتهديدات باغتيال المُجاهد زياد النخالة زعيم حركة الجهاد الإسلامي، ويتباهى بأنّ القتلة سيصلون إليه في أيّ مكانٍ في العالم، بِما في ذلك إيران التي وصل إلى عاصمتها مُؤخَّرًا.
إذا بدأنا بالتّهديدات الأمريكيّة ورواية مزعومة غير مُؤكّدة بأيّ وثائق رسميّة حول اغتيال المُستشار بولتون، يُمكن القول أنه تباهى أكثر من مرّةٍ بوقوفه خلف العديد من التدخّلات الأمريكيّة لقلب أنظمة حكم في العالم بالوسائل العسكريّة، وآخِرها في فنزويلا، ووعد المُعارضة الإيرانيّة بالاحتِفال بانتِصارها بعد عامٍ في طِهران، وكان من أكثر المُتحمّسين والدّاعمين للحرب في العِراق وأدّت إلى استِشهاد أكثر من مِليونيّ عِراقي مُعظمهم من الأطفال والنساء، وأيّد بقُوّةٍ جميع الهجمات الإسرائيليّة على قِطاع غزّة ولبنان، أيّ أن يديه مُلطّخة بدِماء المِئات، وربّما الآلاف، وهذا لا يعني تبرير اغتِياله، بل تقديمه إلى العدالة كقاتل ومُجرم حرب.
أمريكا التي تدّعي احتِرام القانون، وحُقوق الإنسان، وتُعارض الاغتيال، ويُهَدِّد جيك سوليفان مُستشارها الحالي للأمن القومي بالرّد بقوّة على أيّ اعتِداء على مُواطنيها، وخاصَّةً المسؤولين السّابقين، تتفاخر باغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بينما لا تُحَرِّك ساكنًا لاغتيال دولة الاحتِلال للصحافيّة الفِلسطينيّة المهنيّة شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسيّة الأمريكيّة، وقبلها الناشطة الأمريكيّة ريتشيل كوري التي فرمتها سكّينة جرّافة إسرائيليّة في قِطاع غزّة لاحتِجاجها على هدم أحد البُيوت ظُلمًا وعُدوانًا.
لم نسمع أو نقرأ أن أيّ من الإدارات الأمريكيّة المُتعاقبة، جمهوريّة كانت أو ديمقراطيّة، جرّمت أو احتجّت على عمليّة اغتيال إسرائيليّة، لمُواطنين فِلسطينيين أو لبنانيين أبرياء أو مُسلّحين، أو حتى أمريكيين، بل نملك الأدلّة والوثائق أنها تُشجّع مِثل هذه العمليّات الخارجة عن القانون وتدعمها، وتتستّر عليها، وتحميها بحقّ “الفيتو” في الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
الانتقام لاغتيال الحاج سليماني قادمٌ لا محالة، ولا نعتقد أن الحرس الثوري الإيراني سيَغفِر لمُغتاليه جريمتهم، أفرادًا أو حُكومات، كما أننا نَجزِم بالرّد الانتِقامي نفسه من قِبَل حركة الجهاد الإسلامي، وباقي فصائل المُقاومة في الضفّة والقِطاع ثأرًا لاغتِيال شُهدائها ومُقاتليها، ويكفي التّذكير بأنّ حركة “حماس” نفّذت أربع عمليّات “استشهاديّة” انتقامًا لاغتِيال المهندس يحيى عياش 1995، وأن الجبهة الشعبيّة لتحرير فِلسطين اغتالت الوزير المُتطرّف رحبعام زئيفي في أكتوبر عام 2001 في فندق حياة ريجنسي في القدس المحتلّة ثأرًا لاغتِيال زعيمها أبو علي مصطفى، فالمسألة مسألة وقت وتوقيت، والصّراع طويل، والحُروب معارك وجولات، ويومٌ لك ويومٌ عليك، ونَفَس الشّعوب العربيّة والإسلاميّة طويل، والبادئ المُحتَل أظلم.
المُجاهد زياد النخالة الذي التقيته لأربع ساعات تقريبًا في حديثٍ صحافيّ أثناء زيارتي الأخيرة لبيروت قبل ثلاثة أسابيع، رجلٌ صلب مُؤمن لا يخاف الشّهادة، وقال لي أكثر من مرّةٍ أنه يتمنّاها، ويتوقّعها في أيّ لحظة، بل ويستغرب أنه ما زال على قيد الحياة حتّى الآن، وأكّد أنه ليس أفضل من كُلّ الشّهداء الذين سبقوه، فِلسطينيين كانوا، أم عربًا، أم مُسلمين.
تهديد غانتس بنقل حرب الاغتيالات مع المُقاتلين الفِلسطينيين إلى خارج الأراضي المُحتلّة خَرقٌ لكُلّ الخُطوط الحُمر، وتهديد بزعزعة أمن واستِقرار الكثير من عواصم ومُدُن العالم التي يُمكن أن تكون مسرحًا لهذه العمليّات في المُستقبل المنظور، ونحن الذين عايشنا جولات هذه الحرب في أوروبا في السّبعينات والثّمانيات من القرن الماضي نعني ما نقول، والتّفاصيل باتت مُوثّقة في كُتُب التّاريخ.
باختصارٍ شديد نقول إن حرب الاغتيالات الأمريكيّة الإسرائيليّة في فِلسطين المُحتلّة، والعِراق وإيران وسورية واليمن وليبيا ستُعطي نتائج عكسيّة عسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا، علاوةً على نزعها اللّثام عن الوجوه البَشِعَة للذين يُشعلون فتيلها، أو الذين يدعمونها ويُحرّضون عليها، واختاروها كوسيلة لتأجيج النّزاعات حربيًّا، وصبّ الزّيت على نِيرانها، كبديلٍ للحِوار، والحُلول السلميّة، ويكفي أن نُذَكِّر بأنّ الولايات المتحدة أصرّت على إضافةِ نَصٍّ في الاتّفاق النووي الجديد بتعهّد طِهران رسميًّا بعد الإقدام على أيّ عمليّة انتِقام لاغتِيال سليماني اعترافًا من قِبَلها بخطئها، ورُعبًا من النّتائج المُترتّبة عليه.
اغتيال المُجاهد زياد النخالة في طِهران لن يقلّ خُطورةً عن اغتيال سليماني إن لم يكن أخطر، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن اغتِياله في بيروت بالنّظر إلى تحذير السيّد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، الذي تعهّد بأنّ أيّ اغتِيال على أرضِ لبنان للضّيوف الفِلسطينيين أو غيرهم سيتم الرّد عليه بقُوّةٍ فورًا.
خِتامًا نقول إن الشعب الفِلسطيني شعب مسالم يحِبّ الحياة مِثل كُل الشّعوب الأخرى، ولكنّه لا يخاف الحرب والشّهادة، إذا كُتِبا عليه دفاعًا عن أرضه وحُقوقه، وكرامته الوطنيّة، ولعلّ الابتِسامة العفويّة البريئة الصّادقة التي ارتسمت على وجه السيّدة المُرابطة والدة الشهيد إبراهيم النابلسي وهي تحمل نعشه أثناء تشييعه بحُضور الآلاف أفضل شرح وتأكيد لما نقوله.. والأيّام بيننا.