هل خرجَت الأوضاع في لبنان عن السّيطرة وبات الملايين من شعبه يُواجِهون خطَر المجاعة فِعلًا؟
جاءت صرخَة السيّدة ميشيل باشيليت مُفوضيّة الأمم المتحدة لحُقوق الإنسان التي أطلقتها اليوم السبت وحذّرت فيها مِن أنّ الوضع في لبنان بات خارجًا عن السّيطرة، وأنّ هُناك الآلاف الذين يُواجهون خطر المجاعة، جاءت هذه الصّرخة صادمةً، ولكنّها لم تَكُن مُفاجئةً، في ظِل الضّغوط الأمريكيّة المُتصاعِدة التي تجاوزت كُل الخُطوط الحمراء بمَراحلٍ.
السيّدة باشيليت ضربت أمثلةً عديدةً تُعزّز مخاوفها حول احتِمال حُدوث الانهِيار الاقتصادي، مِثل القول بإفلاس آلاف الشّركات، وخسارة اللّيرة اللبنانيّة 80 بالمِئة مِن قيمتها، وانقِطاع التيّار الكهربائي بشَكلٍ مُنتظمٍ، ولكنّها تجنّبت الحديث عن الحِصار الأمريكيّ التجويعيّ الذي أخَذ أشكالًا مُتعدّدةً لم تتردّد السفيرة الأمريكيّة في لبنان دوروثي شيا في المُباهاة بها، وأبرزها المُطالبة بخُروج “حزب الله” مِن الحُكومة، وتحميله مسؤوليّة عدم وصول المُساعدات الماليّة المطلوبة، والمُطالبة بتشكيلِ حُكومة لبنانيّة جديدة غير خاضِعة لنُفوذه.
مُفاوضات الحُكومة اللبنانيّة مع صندوق النقد الدولي للحُصول على قرضٍ بعِشرين مِليار دولار، وتحرير 11 مِليار أُخرى تعهّدت بها الدول المانِحة، انهارت للأسباب نفسها، ولكن مع تغليفها بمطالبٍ إصلاحيّةٍ قاسيةٍ جدًّا.
الإدارة الأمريكيّة الحاليّة خطّطت جيّدًا لإيصال لبنان إلى الانهِيار، وليس حافّته، عندما سارَعت بإصدار قانون “قيصر” ضدّ سورية، ورفضت منح السلطات اللبنانيّة أي إعفاءات اقتصاديّة، خاصّةً مُرور البضائع اللبنانيّة غبر المعبر البرّي الوحيد إلى العالم على سورية، وذهبت هذه الإدارة إلى درجة منع قوّات اليونيفيل الدوليّة مِن شِراء أي بضائع مِن المُدن اللبنانيّة الجنوبيّة حتى تزيد الخِناق على أهل الجنوب الحاضِنة الطبيعيّة لحزب الله، وتُضاعِف مِن مُعاناتهم المعيشيّة.
الوضع في لبنان يتطوّر من سَيّءٍ إلى أسوَأ بصفةٍ يوميّةٍ، والحُكومة التي تعيش حالةَ إفلاس تُقدّم مُساعدات غذائيّة لأكثر مِن 200 ألف أسرة تحت خطّ الفقر، ومُعظم المُستشفيات أغلقت أبوابها لانقِطاع التيّار الكهربائي ونقص الأدوية، والموارد الماليّة، الأمر الذي يعني أنّ الانفِجار باتَ وشيكًا.
الشيخ نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله أكّد اليوم في تصريحاتٍ صِحافيّةٍ أنّ حُكومة السيّد حسان دياب الحاليّة لن تُقدّم استقالتها نافِيًا بذلك شائِعات راجت في هذا الخُصوص، وقال “الاستِسلام ليس مَوجودًا في قاموس حزب الله وأنصاره” في تَحَدٍّ لهذهِ الضّغوطات ومَن يَقِف خلفها أو يُساعِدها.
السيّد حسن نصر الله زعيم الحزب أكّد في خِطابه قبل الأخير أنّ لبنان لن يجوع ولن يركَع، وأنّ المُقاومة اللبنانيّة لن تتخلّى عن سِلاحها، لأنّ هذا التخلّي يعني إعطاء الفُرصة للآخَرين لتصفيتها، وإنهاء وجودها، وإذا وصلت الأمور إلى القتل جُوعًا، فإنّها ستَقتُل مَن يُريد قتلها.
دولة الاحتلال الإسرائيلي انهزمت في لبنان مرّتين، الأولى عام 2000 عندما انسحبَت مِن الجنوب اللبنانيّ، أو ما يُسمّى بالحِزام الأمني، تقليصًا للخسائر، ومِن جانبٍ واحدٍ، والثانية في حربِ عام 2006 الذي ستحتفل المُقاومة بالانتصار فيها بعد بِضعَة أسابيع، ولا نَستبعِد حُدوث حرب جديدة تنتهي بالنّتائج نفسها ولكن مع فارقٍ أساسيٍّ وهو أنّ المُقاومة ومِحورها قد تكون من يُطلِق رصاصتها الأُولى.
أمريكا تجاوزت كُل الخُطوط الحمراء وربّما تحتاج إلى من يُذكّرها بأنّها خَسِرت 241 جُنديًّا مِن المارينز قُتِلوا في هُجومٍ في بيروت عام 1983، وقطْع الأرزاق من قطعِ الأعناق، والجُوع كافِر.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية