هل ما زال نبأ وفاة البغدادي على الدرجة نفسها من الأهمية بعد استعادة المُوصل وقريبًا الرقّة؟

تناولنا في هذا المكان أنباء كثيرة عن مقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” مُشكّكين في كل مرّة بعدم صحتها، لعدم وصول معلومات مُؤكّدة في هذا الصدد من مصادر موثوق بها، ولهذا من الصعب الخروج عن هذا النهج في التعاطي مع تقارير إخبارية صادرة عن أكثر من مصدر، تُؤكّد أن الرجل انتقل إلى الرفيق الأعلى دون إعطاء المزيد من التفاصيل حول العثور على جثّته، أو مكان دفنه.

الجيش الروسي أعلن في 16 حزيران (يونيو) الماضي أن البغدادي قُتل في غارةٍ شنتها طائرات حربية روسية على اجتماع مُفترض لقادة التنظيم قرب مدينة الرقّة كان يشارك فيه، وأكّد مُتحّدث باسمه مقتله هذه المرّة مئة في المئة، لكن قيادة التحالف الأمريكي لم تُؤكّد هذه التقارير، وتحفّظت بالطريقة نفسها على أنباء مُماثلة صدرت عن السيد رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتسريب مضمون وثيقة عثر عليها الجيش العراقي أثناء اقتحامه أـحد مقرّات “الدولة الإسلامية” في الحي الغربي من مدينة الموصل بعد الاستيلاء عليه يوم الأحد الماضي.

البغدادي، على عكس زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، مُقل في الظهور الإعلامي، ولم يظهر بالصوت والصورة إلا مرّةً واحدة عندما أعلن قيام دولة الخلافة من على منبر الجامع النوري الكبير، وسط الموصل القديمة، قبل ثلاث سنوات، وآخر تسجيل صوتي منسوب إليه بثّته مواقع تابعة للتنظيم كان في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تزامن مع بدء هجوم القوّات العراقية على الموصل، حيث طالب مُقاتليه بالثّبات و”الجهاد حتى الشهادة”.

بعد استعادة القوات العراقية مدينة الموصل كاملة، وبعد تضحيات كبيرة، وإعلان السيد حيدر العبادي رئيس وزراء العراق النصر الكبير وتحرير المدينة رسميًا، بات نبأ وفاة البغدادي أقل أهميّة، فالصدمة الكُبرى كانت خسارة التنظيم لعاصمته العراقية، مُضافًا إلى ذلك أن قيادته “جماعية”، ووفاة البغدادي ربّما لا تكون بحجم وفاة زعيم تنظيم القاعدة وتأثيرها، لأن اختيار خليفة له لن يكون مُهمّة صعبة.

السؤال المُحيّر، ويحتاج إلى إجابة، هو عن مصير القيادات الميدانية لتنظيم “الدولة” بعد الاستيلاء على مقرّهم في مدينة الموصل، ولماذا اقتصر الحديث عن وثيقة واحدة جرى العثور عليها تقول “أن الدولة باقية حتى أن قتل البغدادي”، وفما هو مصير الوثائق الأخرى التي من المُفترض أن تتحدّث عن أسرار التنظيم، وهيكليّته القيادية، وولاياته الإسلامية، وخُططه المُستقبلية؟

ربّما يُجادل البعض مُحقًّا، أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذه الوثائق ومضامينها، خاصة أن عُمر إعلان نجاح عملية استعادة الموصل لم يزد عن يومين، ولكن الهُجوم على الموصل بدأ قبل تسعة أشهر، وجرى اعتقال العديد من العناصر، واقتحام مقرّات عديدة في شرق الموصل وغربها، وكان الإفراج عن المعلومات شحيحًا ولا يُشفي غليل الباحثين.

وفاة البغدادي تُشكّل صدمة كُبرى لتنظيم “الدولة” لكن الصدمة الأكبر في اعتقادنا هي خسارته للموصل، وربّما الرقّة قريبًا، مما يعني أن “الخلافة الإسلامية” التي أعلنها البغدادي قبل ثلاث سنوات، وكانت حدثًا مُزلزلاً، قد انتهت عمليًا، وإن لم تنتهِ كفكرة.
استعادة المُوصل والرقّة ومقتل البغدادي، إذا تأكّد، قد يكون نهاية مرحلة وبدء أُخرى، ما زالت غير واضحة المعالم، لكن الأمر المُؤكّد أن جذور أيديولوجية هذا التنظيم التكفيري المُتطرّف باتت عميقة، وربّما تُنبت فروعًا لا تقل خُطورة عن “الغابة” الأم في المُوصل والرقّة.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى