هل من “بروتوس” في دائرة بوتين المُحيطة؟
هل من “بروتوس” في دائرة بوتين المُحيطة؟رغم الدعاية الأمريكيّة السلبيّة التي يجري ترويجها عن ضعف الجيش الروسي في إمداد قوّاته بالطعام، والوقود، وهو الأمر الذي يُعطّل تقدّمه، لا تزال الأعين مُسلّطةً على الخطّة التي يتّبعها الكرملين، والقيادة السياسيّة والعسكريّة الروسيّة، للسّيطرة على أوكرانيا، وإسقاط العاصمة كييف، وحكومة الرئيس المُمثّل فولوديمير زيلينسكي، فالتقديرات الاستخباريّة ترى أن لا وجود نوايا لتراجع الرئيس الروسي فلادمير بوتين عن حربه هذه رغم العُقوبات، والامتعاض الدولي، إلا بتحقيق أهدافه، وإنهاء خطر أوكرانيا، وحكومتها التي يراها نازيّة جديدة، وتابعة للولايات المتحدة، وتسعى لامتلاك “سلاح نووي”.
الاستخبارات الألمانيّة وفي تقارير بثّتها وسائل إعلام ألمانيّة، ترى أن بوتين سيُواصل التقدّم نحو كييف، والهدف الروسي هو السيطرة أوّلاً على شرق أوكرانيا، لتُصبح كييف العاصمة سهلة للاستيلاء عليها لاحقاً.
نقطة أخرى تلفت لها الاستخبارات الألمانيّة، وتشرح سبب عدم نهاية الحرب بالسّرعة التي اعتقدها البعض، إلى أن الجيش الروسي لم يستخدم إلى الآن، إلا بعض أنظمة سلاحه، وبعض الوحدات لا تزال جاهزة على الحُدود، ولم يجر الاستعانة بها بعد.
النقطة الأكثر لفتاً، ومُفاجأة وفقاً لتقديرات الاستخبارات الألمانيّة الخارجيّة، أن الجيش الروسي قام بتقديم جنوده الأكثر شباباً، والأقل خبرة حتى الآن إلى الخُطوط الأماميّة، وهُم في غالبيّتهم يخدمون الخدمة الإلزاميّة في الجيش، أيّ ليسوا مُدرّبين بالشّكل الاحترافي، وهذه الخطوة مُتعمّدة روسيّاً لإرهاق الجيش الأوكراني الذي يُقاتل بكامل عتاده، ويعتقد أنه نجح في صد جيش روسيا (ثاني أقوى جيش في العالم)، فيما لا يزال ينتظر الجنود الروس الأكثر خبرة وعتادًا الهُجوم لفرض حلقات حصار حول المُدن.
بالتّزامن، وفي المُقابل تُصِر الولايات المتحدة الأمريكيّة، على ترويج فرضيّة عدم تحقيق الجيش الروسي لأهدافه، وأن الوقائع لم تكن كما يُريدها على الأرض، في حين يُواصِل الروس عمليّتهم العسكريّة، وبدون ضجيج إعلامي، واللافت أن وسائل الإعلام الروسيّة تُمارس نوعاً من الصّمت المُتعمّد، ولا تُسارع لاستعراض إنجازات الجيش الروسي في أوكرانيا، والعمليّات في المُدن الكُبرى، رغم كُل ما يجري ترويجه من خسائر تلحق به، أو شائعات تراجعه، وانسحابه لصالح الأوكران، أو حتى تقدّمه.
وتتشدّد بشَكلٍ صارم القيادة الروسيّة بخُصوص الحرب الروسيّة، وتفرض رقابة على المُحتوى الإعلامي، تمثّل في إصدار مجلس النواب الروسي (الدوما) الجمعة نصًّا يتضمّن عُقوبات بالسّجن وغرامات شديدة لكل من ينشر “معلومات كاذبة” يُمكن أن تصل الى 15 عامًا إذا أدّت “معلومات كاذبة” إلى “عواقب خطيرة” على القوّات المسلّحة الروسيّة.
وما يُؤكّد حالة التنبّه للتأثيرات السلبيّة لتغطيات الإعلام الغربي في الحرب، منعت السلطات الروسيّة وسائل الإعلام من استخدام معلومات غير البيانات الرسميّة حول غزو أوكرانيا، كما حظرت استخدام كلمات مثل “الحرب” و”الغزو”، وهو ما يعني حصر جميع المعلومات بالحُكومة، لمنع تناسل الشائعات، واللغط، ووفقاً للأدبيّات الروسيّة، فإن هذه العمليّة هي “عمليّة خاصّة” محدودة تهدف إلى “حماية” السكّان الناطقين بالروسيّة في أوكرانيا من “إبادةٍ جماعيّة”.
وفيما تصاعدت الدعوات الأمريكيّة لاغتيال بوتين، أو اعتقاله، والانقلاب عليه، وصلت إلى حد دعوة السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام إلى قيام شخص ما باغتيال بوتين، وباحثاً عن بروتوس في روسيا الذي قتل الحاكم الروماني غدرًا، وهو من المُقرّبين منه (قصّته الشهيرة حتى أنت يا بروتوس)، الأمر الذي دفع السفارة في واشنطن المُطالبة بتفسير للأمر، ووصفه بالأمر الإجرامي، أمام هذا تُشير الاستخبارات الألمانيّة أنه لا دليل على تعريض نفوذ بوتين للخطر بعد حرب أوكرانيا، كما أن الدائرة المُحيطة به مُوالية له ما يعني عدم وجود “بروتوس” في دائرته، والحديث عن مرضه، لا يوجد دلائل تُشير وفق الاستخبارات أنه مريض.
ورغم كُل هذا، لا تنفي الاستخبارات الألمانيّة، وجود توقّعات عند الروس في البداية بتقدّم أسرع، للاستيلاء على مدن ذات أهميّة استراتيجيّة مثل خاركيف، وتشيرسون، ماريوبول، أوديسا، وكييف، وأن الأسلحة التي زوّد بها الغرب أخّرت هذا التقدّم الروسي، ولكن مع هذا، سيظل سقوط العاصمة كييف حتميّاً، ويبقى السؤال حول التوقيت وفق الاستخبارات.
ويُتيح الجيش الروسي للمدنيين حتى الآن الفرار، ويفتح لهم ممرّات آمنة، وكُل من يتبقّى في المدن، هو راغب في القتال، وهو عدو للجيش الروسي.