هل يرغب العدوّ في جولة حرب أو أيام قتالية؟
بعد وقت، ستروي المقاومة في لبنان تفاصيل الإطباق الاستخباري للعدوّ على طول الجبهة المفتوحة عند حدود فلسطين المحتلة. يعرف العدوّ جيداً أن لدى المقاومة في لبنان خبرة كبيرة في التعامل مع عمليات الرصد. صحيح أن الإجراءات الدفاعية لا تنجح دائماً في حماية المقاومين، لكن الجهد المبذول يعكس قدرة عملياتية على تتبّع أدوات عمله في الرصد والتعقب. وبعدما نجحت المقاومة في تعطيل معظم منصات الرصد الثابتة في مواقع الحافة الأمامية، لجأ العدوّ إلى الاعتماد على قدرات تقنية يمكنها القيام بهذه المهمة من دون حاجة الى قواعد أرضية. لكنه يدرك، أيضاً، أن المقاومة تكيّفت الى حدّ كبير مع هذا النمط من الرصد والتعقب، وأن خبرة 42 سنة من المواجهة الصاخبة والصامتة، مكّنت القيادات الميدانية من صياغة آليات جديدة، غير متطابقة وغير متجانسة، لكنها تسمح بتنفيذ العمليات بحسب ما تفرضه الوقائع الميدانية أو السياسية.خلال 72 ساعة، اضطرّ جيش الاحتلال الى الاعتراف بوقوع 22 إصابة في صفوف جنوده، منذ وقوع قوة كوماندوس في شرك متفجر قرب بلدة الضهيرة، مروراً بالقوة التي كانت تخدم منصة للدفاع الجوي في بيت هيلل قرب كريات شمونة، وصولاً الى القوة التي كانت تتحصّن أمس في أحد منازل بلدة عرب العرامشة قبالة علما الشعب في الجانب اللبناني. وهي حصيلة تثير ذعراً لدى قيادات العدوّ وجمهوره. وثمّة تحليلات عجيبة غريبة صدرت وستصدر، حول ما يحصل، وما إذا كان لعمليات المقاومة صلة بالمناخ السائد بعد الرد الإيراني. مع ذلك ينبغي فهم الأمر في سياقه المنطقي، أي سياق الخط البياني لعمليات المقاومة التي تقوم على قاعدة عملياتية – سياسية.
تدرس المقاومة حركة العدوّ الثابتة والمتحركة في العمق الحدودي القريب مع لبنان. لديها وسائلها في جمع المعلومات الكبيرة، ويتاح لها، بجهد خاص، الوصول الى معطيات صلبة حول تحركات قوات الاحتلال التي نشطت خارج المواقع التقليدية التي لا يمكنه البقاء فيها طويلاً، وهي لا تتّسع أساساً لجنوده في الأحوال الطبيعية ولا بعد تعزيز قواته في الأسابيع الأخيرة. كما أنّ بإمكان المقاومة الحصول على ما يكفي من معلومات ميدانية لتقرر نوع العمليات التي ستقوم بها، وقد تعاظمت قدرتها على خلق فرص عملياتية، وخصوصاً أنه ليس بمقدور قوات الاحتلال الاختباء كل الوقت، كما أن تحويل مستعمرات الشمال الى ثكنات عسكرية مغلقة لا يفيد في إخفاء حركتها. ولدى المقاومة قدرة على تمييز هويات البشر المنتشرين في هذه المستعمرات، بين سكان مدنيين رفضوا الإخلاء، وعسكريين يتحركون أحياناً بثياب مدنية ويستخدمون سيارات عادية ويسكنون منازل تركها سكانها عنوة. وكل هذا يسمح باختبار الهدف الأنسب.
ليس مهماً التفصيل العملياتي خلف ما يجري منذ ما بعد انتهاء أيام عيد الفطر في جنوب لبنان. المهم هو أن جيش العدو تعرّف في الأيام الأربعة الماضية إلى أسلوب عمل، يؤكد أن لدى المقاومة حلولاً عملياتية لخياراته الإلزامية، من التموضع العسكري المستحدث للقوات بعيداً عن عيون المقاومين، وطريقة نشر قطع عسكرية حساسة في مناطق خلفية وحرجية لإخفاء المركبات والمعدّات وحتى الجنود، الى عمليات الاستطلاع في نقاط حساسة يفترض أن تكون خالية من أيّ عناصر بشرية في الجهة المقابلة. وفي الحالات الثلاث، بإمكان المقاومة استخدام أسلحة عابرة للحواجز الطبيعية: من الصواريخ الموجّهة الى المسيّرات الذكية مع حفلة ألعاب نارية تتولّاها صواريخ الكاتيوشا.
كل ما تقدّم له أسبابه الميدانية. لكن إطاره السياسي مرتبط بقرار قيادة العدوّّ: هل تذهب إسرائيل الى حرب واسعة أو حتى إلى أيام قتالية مع لبنان؟
صحيفة الاخبار اللبنانية