هل يستعدّ نتنياهو لمُقامرةِ اجتِياح لبنان بعد تَعاظُم خسائره في الجبهة الشماليّة؟
عبد الباري عطوان
اغتِيال دولة الاحتِلال الإسرائيلي صباح اليوم للحاج وسام الطويل أحد القادة العسكريين الكبار، ومسؤول إدارة عمليّات “حزب الله” بقصف سيّارته في جنوب لبنان يُؤكّد أن بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي هو الذي يسعى لتوسيع الحرب، وشنّ هُجوم شامل على لبنان باعتِبار هذا الهُجوم بات حتميًّا بعد تفاقم الخسائر في الجبهة الشماليّة الفِلسطينيّة المُحتلّة، وتهجير أكثر من 230 ألف مُستوطن هربًا إلى ملاجئٍ آمنة في الجنوب.
فهذا الاغتِيال، ولهذا القائد العسكري البارز في الحزب جاء بعد بضعة أيّام من اغتِيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، بصاروخ طائرة مُوجّه في قلبِ الضّاحية الجنوبيّة لبيروت في استفزازٍ مُتعمّد، الأمر الذي يُؤكّد ما ذكرناه سابقًا، أيّ تزايُد احتِمالات شن عُدوان إسرائيلي شامل على لبنان، وتوسيع دائرة الحرب وجبهاتها في مِنطقة الشّرق الأوسط.
نتنياهو المأزوم سياسيًّا والمهزوم عسكريًّا حذّر أمس حزب الله من أنه يُخطِئ كثيرًا في تقدير قوّة إسرائيل مُنذ عام 2006 حتّى اليوم، ولكن ما يحدث هو العكس تمامًا، لأنّ هذه الاغتِيالات التي يُقدم عليها الجيش الإسرائيلي في تصعيدٍ لافت هذه الأيّام، ستترتّب عليها رُدود صاعقة، قد تُؤدّي إلى إشعال فتيل حربٍ إقليميّة، وفتح “حزب الله” مخازن صواريخه ومُسيّراته على مصراعيها وقصف البُنَى التحتيّة في عُمُق دولة الاحتِلال.
***
من الواضح أن السيّد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” اتّخذ قرار إعلان الحرب الشّاملة، وعزّز اغتِيال الشّهيد الطويل اليوم هذا القرار، وقبلها قصف قاعدة “ميرون” الجويّة الإسرائيليّة بالصّواريخ يوم السبت الماضي وتدميرها كثأرٍ “أوّلي” على اغتيال الشهيد العاروري، هذا التوجّه للمُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة، فالحزب لم ينتقم بالطّريقة والسّرعة ونفسها لاغتِيال الحاج عماد مغنية، وسمير القنطار، وحسن عكاشة، ورضى الموسوي، ومصطفى بدر الدين.
السيّد نصر الله حذّر في خِطابه الذي ألقاهُ عصر يوم الجمعة الماضي دولة الاحتِلال من الإقدام على أيّ هُجومٍ ضدّ لبنان عندما قال “إذا شنّ العدوّ حربًا على لبنان فسيكون قتالنا بلا سُقوفٍ أو قواعدٍ، وبلا حُدود، وبِلا ضوابط، فنحنُ لسنا خائفين من الحرب ولا نخشاها”.
ما يقصده السيّد نصر الله من هذه الفقرة التي اختار كلماتها بعناية، يُمكن تلخيصه بالقول إن الرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي على لبنان سيكون “مُوَسَّعًا”، وستستخدم فيه جميع الأسلحة، وخاصَّةً الصّواريخ الدّقيقة والمُسيّرات، واجتِياح الحُدود من قِبَل كتائب الرضوان، وتحرير قُرى، وقواعد عسكريّة، ومُستوطنات.
دولة الاحتِلال هي التي قد تعود إلى العصر الحجري وليس لبنان، وربّما تختفي، جُزئيًّا أو كُلِّيًّا، من الوجود في حال تِكرارها لخطئها القاتِل في قطاع غزة وفتح الجبهة اللبنانيّة وتوسيعها، لأنّ “حزب الله” لن يكون وحده في هذه المعركة، وستنضم إليه جبهات أُخرى مِثل كتائب الحشد الشعبي في العِراق، والجيش اليمني في صنعاء، فالأولى انتقلت من مرحلةِ قصف القواعد الأمريكيّة في سورية والعِراق، إلى مرحلة استِهداف مينائيّ حيفا وإيلات وحقل “كاريش” اللّبناني المُحتل في البحر المتوسّط، أمّا الثانية (اليمن) فتتأهّب لصدّ أيّ عُدوانٍ أمريكيٍّ لإعادة فتح البحر الأحمر، ومضيق باب المندب للسّفن الإسرائيليّة.
هُناك رأيان يُؤكّدان حتميّة خُروج “إسرائيل” مهزومةً من أيّ حربٍ يكون “حزب الله” خصمها فيها:
الأوّل: أمريكي حيث نقلت صحيفة “واشنطن بوست” تقييمًا استِخباراتيًّا جرى تقديم نُسخة منه إلى الرئيس جو بايدن يُؤكّد “أنه سيكون من الصّعب على إسرائيل أن تنتصر في أيّ حربٍ ضدّ “حزب الله” في ظِلّ انخِراطها حاليًّا في حرب غزة.
الثاني: جاء في مقالٍ كتبه ونشره الجنرال المُتقاعد إسحق بريك في صحيفة “هآرتس” شدّد فيه على أن الجيش الإسرائيلي الذي يعيش حاليًّا في حالةٍ من الفوضى، والتسيّب، غير مُؤهّل لخوض حرب ضدّ “حزب الله”، وليس في حالة جاهزيّة عسكريّة عالية تُؤهّله للفوز فيها، وأن كتائب “الرضوان” ستُحرّر مُستوطنات وبلدات في الجليل، وسيكون من الصّعب إخراجها منها.
يتّسم الموقف اللبناني على صعيد الحُكومة والمُقاومة معًا بالقُوّة والصّلابة والتّكامل، حيث تشترط الحُكومة الانسِحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانيّة المُحتلّة قبل أيّ حديثٍ عن تطبيق لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، وتُصر المُقاومة على وقفٍ فوريٍّ لإطلاق النّار، وانسِحاب القوّات الإسرائيليّة من قطاع غزة، في مُقابل أيّ بحثٍ في الطّلبات الغربيّة بوقف توسيع الحرب، أو بحث الهُدوء على الجبهة اللبنانيّة، وجرى إبلاغ هذه الرّسالة بوضوحٍ أمس إلى جوزيف بوريل وزير خارجيّة الاتّحاد الأوروبي أثناء زيارته للبنان ولقائه السيّد محمد رعد رئيس كُتلة دعم المُقاومة في البرلمان.
على الضفّة السياسيّة الإسرائيليّة المُقابلة نَجِدُ انقسامات مُتفاقمة داخِل المُؤسّسة السياسيّة، فاليوم طالب يئير لابيد زعيم المُعارضة بتفكيك الحُكومة الائتلافيّة الحاليّة التي يرأسها نتنياهو، وانسِحاب رُموز المُعارضة الثّلاثة المُشاركين فيها، بيني غانتس، وغادي إيزنكوت، وجدعون ساعر منها فورًا، لأن نتنياهو لا يَصلُح للقيادة، وأن استمرار وجودهم في هذه الحُكومة يُطيل في عُمرها، ويمنح رئيسها الشرعيّة.
حرب غزة كلّفت دولة الاحتِلال 60 مِليار دولار حتّى الآن، والرّقم في تصاعدٍ، وبات “حزب الله” أمام تصعيدٍ حتميٍّ للانتِقام لقائدين، الأوّل الشّهيد وسام الطويل أحد قادته، والثاني الشّهيد العاروري الذي لم يكتمل الثّأر له بعد.
***
الجُهود الجبّارة التي تبذلها الولايات المتحدة لمنع توسّع الحرب في الشّرق الأوسط، من خِلال جولة أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة في المِنطقة تُواجه فشلًا ذريعًا، ومن غير المُستبعد أنها قد تكون جاءت مُتأخّرة، وربّما سعى، ويسعى نتنياهو، إلى هذا الفشل، لأنّ “التّهدئة” تعني الاعتراف بالهزيمة، ووقف العُدوان، وتُمهّد الطّريق له لقضاءِ ما تبقّى من حياته في السّجن، وبدء العد التنازليّ لزوال “دولة إسرائيل”.
نختم بالقول: إذا كانت “إسرائيل العُظمى” فشلت وبعد 3 أشهر، والدّعم العسكري والمالي الأمريكي، والتّواطُؤ الأوروبي، وبعض العربي، في هزيمةِ المُقاومة في قطاع غزة المُحاصر الصّغير مساحةً، فهل ستنجح في هزيمة “حزب الله” وأذرع المُقاومة الأُخرى في لبنان واليمن والعِراق؟ مجنون يحكي وعاقِل يسمع!
صحيفة رأي اليوم الألكترونية