هل يستعيد الغرب زمام المبادرة في سوريا؟
تواجه الدول الغربية مأزقاً في سوريا في مواجهة استراتيجية موسكو، لكنهم يستطيعون، بحسب خبراء، العودة إلى مواقعهم من جديد “إذا تعثّرت الحملة العسكرية الروسية وتغلّبت الحاجة إلى التعاون على الحسابات السياسية”.
وفقد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة السيطرة في النزاع السوري، منذ بداية الضربات الجوية الروسية التي تتوالى بلا توقّف وعرض القوة البحرية من قبل موسكو باستخدام صواريخ عابرة.
وقال مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس توماس غومار إن “الروس يقومون بإنشاء فقاعة فوق سوريا ويتحدّون التفوّق الجوي الذي كان يتمتع به الغربيون”.
وتواصل طائرات التحالف غاراتها على سوريا لكن طائرات الـ”سوخوي” الروسية تُزعجها إلى درجة أنها اضطرت للتخلّي عن بعض المهام باعتراف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) نفسها.
وأطلق 26 صاروخاً عابراً من سفن ترسو في بحر قزوين على بعد 1500 كلم عن الأراضي السورية، في خطوة اعتبرها غومار “رسالة سياسية واستراتيجية قوية جداً (…) روسيا تقوم برفع قدراتها للردع غير النووي” بقدرة على الضرب في عدد من الميادين.
وتتّهم واشنطن، التي فوجئت بذلك، موسكو بأنها تدعم في هجماتها الرئيس السوري بشار الاسد، وتتوقّع ان يتكبّد الجيش الروسي “خسائر” بشرية قريباً.
ويُتابع الأميركيون، بعجز، عمليات القصف الروسية للمعارضة السورية “المعتدلة” التي كانت تُحاول تنظيم صفوفها من دون جدوى.
ورأى الخبير العسكري في معهد “رويال يونايتد سرفيسز” في لندن ايغور سوتياجين أنه كما حدث في جورجيا في العام 2008 واوكرانيا في العام 2014، يمتنع الغربيون عن الردّ العسكري وهو الأسلوب الوحيد برأيه “القادر على وقف العمليات الروسية فوراً”.
أما المحلّل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن جوليان بارنس داسي فرأى أن “لا أحد في الغرب يرغب في الدخول في حرب مع روسيا لأن التصعيد قد لا يؤدي سوى الى مزيد من العنف ومزيد من الهجرة”.
وأضاف أن روسيا تتحمّل أيضاً “مسؤولية كبيرة” في الأزمة لأن حملة الضربات الجوية التي تشنّها يُمكن أن تدفع المعارضة المعتدلة الى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”-“داعش” ما يُضاعف التهديد الارهابي.
وتابع قائلاً: “نأمل أن تضغط روسيا على الأسد لوقف عمليات قصف المدنيين ببراميل متفجرة وفتح الطريق أمام مساعدة انسانية تؤمن بديلاً (لمساعدات) الجماعات الجهادية”.
وتمكّن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من استعادة زمام المبادرة على الساحة الدولية باقتراحه من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة تحالفاً واسعاً ضدّ “داعش” ثم بشنّ عملياته في سوريا، لكن انتصاره ليس مؤكداً.
وقد ينجح بوتين في إعادة دور بشار الأسد وتعزيز المصالح الاستراتيجية لروسيا في المنطقة والظهور في موقع قوة على طاولة المفاوضات.
أما مدير مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية كاميل غران، فرأى أنه إذا لم تنجح هذه المناورة كما خطّط لها الروس “قد يلاحظون إلى أي درجة يُعاني الجيش السوري من ضعف على الأرض”، فقد يقرّرون “العمل على تقريب المواقف”.
وأضاف أن الاستراتيجية الروسية التي ترتكز على دعم مفتوح للأسد واللجوء إلى القوة “ليست على درجة كافية من التركيز لتكون مجدية”.
وتابع قائلاً إن “بوتين يعرف كيف يكون براغماتياً أيضاً. ففي اوكرانيا نجح إلى حد ما في المناورة في مينسك (عملية السلام) باعتقاده أنه في موقع قوة أو أنه يستطيع أن يحصل على المزيد خلال أكثر من ستة أشهر”.
وإذا استعاد العمل الدبيلوماسي زمام الأمر، قد يستوحي أطراف الأزمة من الصيغة التي استُخدمت في الملف النووي الإيراني أي مجموعة “5+1” (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والمانيا) التي تفاوضت مع طهران.
وأكد المُحلّل يوجين رامر من مركز الدراسات والتحليلات في مركز “كارنيغي” الأميركي: “حان وقت إعادة العمل بهذه الصيغة التي أثبتت جدواها في أزمات أخرى كان يعتقد أنها غير قابلة للحل (…) ويُمكن أن تسمح باشراك إيران الدولة الفاعلة الأساسية في سوريا التي يبدو الحل غير ممكن من دونها”.
صحيفة السفير اللبنانية