يرى بعض المفكريين السياسيين أن تقنية (الذكاء الاصطناعي ) سيكون لها أثراً حاسماً في صراعات النفوذ الجيوسياسية . و ينتقد ( إيان بريمر) أن شركات التكنولوجيا تطور( النظام التكنولوجي القطبي ) الذي يعطي لهذه الشركات سلطة قوية تجعلها أساسية ومؤثرة على طاولة القرار الدولي.. فهل يأخذ النظام الدولي الذي يتشكل الآن قوة التكنولوجيا المعلوماتية الصاعدة في الحسبان ؟؟ وهل سيعامل النظام الدولي الجديد قوة التكنولوجيا هذه كقوة عظمى لها مميزات و صلاحيات الدول الكبرى ؟؟ وكيف سيضمن النظام الدولي متعدد الأقطاب الحد من مخاطر الذكاء الاصطناعي ؟؟ وهل يمكن أن يراقب مثل هذه التكنولوجيا التي يتجاوز ضرر أنفلاتها أذى السلاح النووي ؟؟ والمصيبة الأكبر إذا استطاعت قوى الإرهاب التكيف مع هذه التكنولوجيا والاستفادة منها كما استفادت من الإنترنت في العقدين الماضيين ..
يجمع العلماء أنه في العام 35 20 سيكون للذكاء الاصطناعي سيطرته في كل مكان، خاصة و أنه تكنولوجيا تتطور بسرعة مذهلة. وإذا كان العام 35 20 أقرب إلينا من أنفاسنا فإن ضرورة الاستعداد للإستفاده من هذه التكنولوجيا، وضبط عملها، والسيطرة على احتمالية تهديدها باتت ضرورة ملحة بقوة، خاصة وأن هذه التكنولوجيا ستغير مفهوم القوة وستعدل مبدأ سيادة الدول، وستفكك فكرة الدولة القومية.كل ذلك يجعل تنظيم وضبط هذه التكنولوجيا بحاجة إلى تعاون الدول والشركات لأن السيطرة على امكانيات ضرر هذه التكنولوجيا اكبر من إمكانية أي دولة بمفردها. ويحتاج الأمر للتعاون الدولي أو القاري او الاقليمي في أضعف الإيمان..
سارعت أوروبا إلى المبادرة فأنشأت فعالية اوروبية أطلقت عليها (عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي ) وهي منتدى مخصص لتنسيق حوكمة الذكاء الاصطناعي بما يمكن الاستفادة منه والحد من أضراره. وتسمية الفعالية بـ ( عملية هيروشيما ) يحمل فهماً واضحاً لمخاطر هذه التكنولوجيا في حال إنفلاتها . وفي يونيو الماضي أقر البرلمان الأوروبي مشروع ( قانون الذكاء الاصطناعي ) لكنه لن يطبق إلا في العام 26 20 . و بسبب التطور المتسارع لهذه التكنولوجيا ربما تستطيع أن تتجاوز سيطرة هذا القانون قبل نفاذه، إلا أن تضمن روحا تطويرية تستجيب لتطورات هذه التكنولوجيا ريثما يحين تطبيق القانون . كما نادى الأمين العام للامم المتحدة جوتيريش بـ (ضرورة إنشاء هيئة مراقبة دولية تنظيمية للذكاء الاصطناعي ) بينما أمريكا ما زالت تترك الأمر للقوانين السارية. ويقول النائب الأمريكي تيد كروز أن ( الكونجرس لا يعرف ماذا يفعل بحق الجحيم ) بينما الصين حصرت هذه التقنية في إطار سيطرة الدولة.
العالم يواجه تحدي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتبادر التكتلات الدولية لإقرار نظم وقوانين و سياسات تسابق تطور هذه التكنولوجيا كي تروضها وتجعلها في خدمة الإنسان بعيدا عن تهديده بما يمكن أن يسبب الأذى والضرر للحياة البشرية في حال التقصير عن الاستعداد لمنع انفلات مثل هذه التكنولوجيا الجبارة والقدرة .
تشكل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي فاعلاً جديداً متطوراً ضرورياً في الحياة العصرية ، كما تشكل هذه التكنولوجيا في حال عدم تنظيمها احتمالية تهديدات ومخاطر كبيرة يمكن أن تنتج عن أنفلاتها. وبسبب قوة هذه التكنولوجيا وإمكانيات انتشارها وتأثيرها عبر الحدود تفرض على الجميع التعاون والتنسيق والتنظيم للسيطرة عليها. وإذا كانت الكتل الكبرى الأوروبية والصينية والأممية سارعت للدعوة للتعاون في هذا الإطار .. فماذا عن الدول العربية ؟؟ هل تفكر هذه الدول بالتعاون في العمل للإستفاده من هذه التكنولوجيا وتجنب مخاطرها؟؟ هل يمكن أن نرى المملكة العربية السعودية التي تتصدى لقيادة القطبية العربية ، هل يمكن أن نرى المملكة تضيف إلى رؤيتها 30 20 مقتضيات و ضرورات 35 20المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ؟؟ وهل يمكن أن يعي الحكام العرب أن تهديدات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ستطال الاقتصاد والخدمات والمناخ والصحة والنقل…. وستصل إلى القوى الجيوسياسية؟؟؟ هل سيفهم الحكام العرب أن عليهم التفكير بقضايا العصر و اتخاذ القرارات المناسبة الملائمة لمواجهة أي أخطار مستجدة ..؟؟
في عالم يستعد للدخول في عالم متعدد الأقطاب، وفي نظام مالي يتحضر للاعتراف بقوة التكنولوجيا كقطب فاعل ومؤثر، وفي عالم باتت المخاطر التي تهدده تتجاوز السيادة أو الدولة القومية والإيولوجيات المعلبه. مثل هذا العالم لا يجوز للعرب ولا يستقيم للدول العربية أن يغيب عن الاستعداد ليكونوا فاعلين فيه او متحضرين لمواجهة أخطاره . لا يجوز أبدا ان نبقى في الماضي بينما المستقبل الداهم أكثر تهديدا وخطرا خاصة لمن لا يتحضر له ولا يتهيأ للإستفاده منه ، و لا يعمل للتحصن تجاه مخاطره ..