هل يشهد عام 2023 حرباً شبه عالمية بسبب تايوان؟
أغلب المعطيات والأحداث والمواقف المتشنجة والمتناقضة والمرتبطة بمشكلة الصين – تايوان المزمنة، تتزاحم وتتسارع اليوم، لتَظَهر الأجواء في شرق آسيا مواتيةً لاندلاع المواجهة المنتظرة بين الدولة الأم ( الصين ) من جهة والجزيرة الضالّة (تايوان ) وحلفائها من جهة أخرى.
وفي الوقت الذي تبدو فيه هذه المواجهة وكأنها أصبحت حتمية وسوف تنطلق بين لحظة وأخرى، تعود في نهاية المطاف، الأطراف المعنية كلها، إلى الهدوء والتريّث، وإلى اتباع سياسة ضبط النفس، مع الإبقاء على مستوى التوتر السياسي والدبلوماسي نفسه، ومع محافظة كل طرف على مواقفه المتشنّجة نفسها.
لا شك في أن الجميع يعترف بأن الحرب في تلك المنطقة الحساسة من العالم لن تكون نزهة أبداً، وبأن أي مواجهة عسكرية بين أطراف الاشتباك الاستراتيجي الحالي هناك، ستكون مدمّرة وغير محسوبة النتائج، لا في التوقيت الزمني لانتهائها، ولا في المساحة الجغرافية لانتشارها، وأن أياً من الأطراف المنخرطة مباشرة فيها، أو المؤثّرة بفعالية في اندلاعها، لن يكون قادراً على ضبط إيقاعها، وسوف تفلت من كل الضوابط والخطوط العامة لأي مواجهة، والسبب في كل ذلك يعود إلى الأسباب الآتية:
صحيح أننا نتكلم عن منطقة بحرية بعيدة آلاف الكيلومترات شرقاً عن مسرح الصراع الدولي التقليدي بين أوروبا والشرق الأوسط، ولكنها المنطقة الأكثر ازدحاماً في العالم اليوم، بالقطع العسكرية البحرية الأكثر تسليحاً بقدرات تقليدية وغير تقليدية، وبحاملات الطائرات العملاقة، والتي تواكبها مروحة واسعة من الطرادات والغواصات وسفن الإنزال، مع انتشار واسع لحشود ضخمة من الوحدات المجوقلة ووحدات الإنزال البحري الأكثر تمرساً في قتال العمليات الخاصة.
صحيح أيضاً أنه، نظرياً وعملياً، لا مجال لمقارنة قدرات الصين الضخمة بقدرات تايوان المتواضعة، الأمر الذي يعطي بكين فرصة مؤكدة لإنهاء أي مناورة أو عمل عسكري ضد الجزيرة المتمردة، بالسرعة الممكنة وبالشكل المناسب والسهل من دون أي مضاعفات، ولكن….
تايوان في هذه المواجهة، لن تكون في موقف وموقع منعزل عن حلفائها الغربيين، وفي طليعتهم الولايات المتحدة الأميركية، وأساساً، تمرُّد تايوان على الصين، لم يكن ليحصل، إلا برعاية ودفع وتوجيه أميركي بامتياز، وحتماً، لولا الموقف الأميركي الداعم لهذا الانفصال، لكانت المشكلة انتهت منذ فترة طويلة، وبعودة تايوان إلى حضن الصين التاريخي والجغرافي والسياسي والشعبي.
صحيح أيضاً، أن الصين تدرك جيداً هذه المعطيات والوقائع كلها، وتعلم أن أي مغامرة عسكرية لإنهاء انفصال تايوان عنها لن تمر مروراً سهلاً، ولن يهضمها الأميركيون وحلفاؤهم بتاتاً، ولكن….
من خلال إجراء الصين تقديراً دقيقاً وشاملاً ومركّزاً لما وصلت إليه الأمور في شرق آسيا بشكل عام، وفي شمال غرب المحيط الهادئ بشكل خاص، من المفترض أن تأخذ في الاعتبار النقاط الآتية:
– حساسية وخطورة ما يجري من تحركات عسكرية وبحرية لافتة للأميركيين وحلفائهم، في مثلث الاشتباك الاستراتيجي الأكثر حساسية اليوم، (بحر اليابان – جزيرة تايوان و مضيقها – بحر الصين الجنوبي) ، مع تسارع تركيب تحالفات غب الطلب مثل أوكوس وكواد (تجمع أستراليا وبريطانيا والهند واليابان، إلى الولايات المتحدة الأميركية طبعاً).
– مضمون وخطورة وحساسية ما أعلنته اليابان مؤخراً بشأن استراتيجيتها العسكرية الجديدة، برعاية أميركية صرفة، بما تحمله من تحدٍ واضح لبكين، وبما تحمله أيضاً من إطلاق العنان لموازنة عسكرية ضخمة، تخطت كل الخطوط الحمر، وكل التوقعات، وبما تتضمنه من مشاريع سريعة لامتلاك صواريخ كروز بحرية أميركية بعيدة المدى، وقادرة على حمل رؤوس تقليدية أو نووية، بالإضافة إلى منظومات رصد وإنذار جوي وبحري، أميركية وبريطانية الصنع، مع منظومات دفاع جوي غربية من الأكثر تطوراً، ومنها منظومة “ايجيس” الأميركية، الدفاعية والهجومية في الوقت نفسه، لتشكل اليابان بهذه القدرات، نقطة ارتكاز برية وبحرية جد متقدمة ضد الصين، قادرة بسهولة على استهداف سواحلها ومرافئها ومطاراتها القريبة من تايوان ومن بحر اليابان.
مبدئياً، كل ما ورد أعلاه، لناحية الاشتباك العالي المستوى الذي تغذيه واشنطن ضد بكين في بحر الصين الجنوبي، أو لناحية التحالفات المذكورة ( أوكوس وكواد ) والتي خُلقت أميركياً لتستهدف الصين، بالإضافة إلى خطورة الاستراتيجية العسكرية اليابانية الجديدة على موقع الصين وموقفها، قد يكون من الممكن أن تستوعبه الأخيرة وتتعايش معه، على أساس أنه موقف تقليدي وغير جديد، لم تتخل عنه واشنطن منذ فترة طويلة، لا بل وضعته في أساس استراتيجيات أمنها القومي الأخيرة، ولكن…
أن تخلق واشنطن اليوم ومن خلال تحقيق صفقات متتالية من الأسلحة النوعية لتايوان بمليارات الدولارات، وأن يؤخذ تمويلها ببنود واضحة في موازنة الدفاع الأميركية لعام 2023، بما تتضمنه من صواريخ دفاعية وهجومية وأنظمة دفاع جوي، وصواريخ ساحل – بحر طراز هاربون، وصواريخ طراز سايد ويندر، وعقود صيانة لأنظمة الرادارات ولأنظمة الرصد البحري، فقد رأت الصين أن في الأمر أبعد من دعم تقليدي لتايوان كي تدافع عن نفسها، بل رأت فيه بكين مشروعاً خطيراً، يحمل الآتي:
– لا يمكن أن تكون هذه الأسلحة الهجومية التي ستمتلكها تايوان قريباً، إلا لاستهداف الصين فقط دون غيرها، حيث الوضع الجيوسياسي في تلك المنطقة يفترض ذلك حكماً.
– من الطبيعي والمنطقي من الناحية العسكرية- الاستراتيجية، أن تكون تايوان، بقدراتها النوعية المفترضة، نقطة الامتداد الثانية لجبهة بحرية في مواجهة الصين، تبدأ من اليابان كنقطة أولى، بعد أن انطلق بناؤها مع استراتيجية طوكيو العسكرية الجديدة.
من هنا، ترى الصين وبأمّ العين، أن كل ما يجري في شرق آسيا من انتشار عسكري ومن تحالفات، يرمي إلى استهدافها والضغط عليها ومحاصرتها.
وترى الصين أيضاً، ومن خلال متابعتها بدقّة لمسار الأمور في شرق أوروبا ضد روسيا، بعد أن استهدفت الأخيرة باستراتيجية حصار انطلاقاً من أوكرانيا والبحر الأسود، مماثلة لما تتعرض له اليوم (الصين)، انطلاقاً من جبهة اليابان – تايوان، وكيف اضطرت موسكو إلى المبادرة السريعة بتنفيذ عمل عسكري استباقي خاص في أوكرانيا، دفعت في سبيله حتى الآن كثيراً من الخسائر، ولم تتضح معالم نتائجه بعد، وذلك بسبب ضخامة الدعم الغربي لكييف، وبسبب تأخر الروس بعض الوقت في اتخاذ القرار…
انطلاقاً من كل ذلك، لم يعد أمام الصين، وحفاظاً على أمنها القومي، ودفاعاً عن موقعها في شرق آسيا وعلى الساحة الدولية، إلا أن تأخذ القرار الصعب، والذي لا بد منه، وتنفذ عملاً عسكرياً سريعاً، لإنهاء انفصال تايوان بالقوة، وإعادتها إلى حضنها التاريخي، وتفتيت نواة جبهة ( اليابان – تايوان ) العسكرية قبل اكتمالها واشتداد ساعدها.
الميادين نت