هلع الإمبراطوريّة الأميركيّة: بوادر ضعف وارتباك
الولايات المتحدة، كقوّة عظمى، ليست على ما يرام. الإمبراطوريّة تعاني من انقسامات داخليّة حادّة لم تشهدها منذ الحرب الأهليّة. والسيطرة الأميركيّة الكليّة على مقدرات الكون تضعف مع بروز قوى مُنافسة. صحيح أن الأداء العسكري الروسي لم يصل إلى مستوى التنافس المتساوي مع القوة العسكرية الأميركيّة لكن هذا الدعم الهائل بنحو 150 ملياراً من المساعدات العسكريّة الغربيّة لأوكرانيا يشكّك بصحّة التسخيف الغربي لأداء روسيا في الحرب. حتى لو أن روسيا ما زالت عسكرياً في مصاف الدول النامية إلا أن أميركا تتعامل معها على أنها خطر جدّي (وقد أعادت القيادة العسكرية والسياسية الأميركيّة النظر في دراسة وتخطيط الأخطار الاستراتيجية التي تواجه السيطرة الأميركية من أجل تعظيم الخطر الروسي عمّا كان عليه في تقديرات سابقة). ومهما كان الأداء العسكري الروسي أقلّ من المتوقّع فإن الزخم الغربي في دعم أوكرانيا بدأ مسيرة لن تنتهي من بناء القوة العسكرية الروسية. الصلف الأميركي أشعل صراعاً سيستمرّ لعقود طويلة وهو حتماً سيضعف من السيطرة الأميركيّة على العالم. تستطيع أن تقارن وضع الجيش الألماني في العشرينيّات من القرن الماضي مع ما أصبح عليه في عقد واحد من الزمن. أميركا بنزقها تحثّ روسيا على تدعيم وتفخيم تسلّحها كي تصبح أقوى. هي مثل مثال العبد والسيّد في «فينومينولوجيا الروح» لهيغل، كيف أن السيّد من دون أن يدري يدفع العبد للتحرّر.
أميركا تعيد تشكيل منظومة أعدائها وأصدقائها، وحالة الهلع التي انتابتها بعد اشتعال جبهة أوكرانيا سرّعت من رزنامة صعود الصين. الصين كانت في حالة صعود بطيء ومدروس وصامت، تماماً كما أراد لها مؤسّس الحقبة الحالية، دينغ شياو بنغ. كانت الصين تعمل على سكّة دعم البنى التحتيّة للدول النامية وهذا ما أفقد أميركا صوابها. السفيرة الأميركيّة في لبنان، كما سفراء أميركا في كل دول العالم، تحذّر البلدان من تلقّي المعونة الصينيّة لأن الصين- بحسب الزعم الوقح لأميركا- تنتظر شروطاً في المقابل. أميركا قلقة من مساعدات صينية إنسانيّة وتعتبرها (هي و«ميغافون») عملاً عدوانيّاً. وهل أن الدعم والتمويل الأميركي (خارج دولة إسرائيل) غير مشروط؟ أميركا، مثلاً، تفرض شروطاً مهينة على الجيش اللبناني وعندما أطلق ضابط رشقة رصاص باتجاه العدوّ في حادثة العديسة في 2010 قامت قيامة الكونغرس واستُدعي قائد الجيش يومها، جان قهوجي، على عجل وأُبلغ رسميّاً بأن رصاصة واحدة ضد إسرائيل ستقضي على كل الدعم الأميركي للبنان (لم تُطلق رصاصة ضد جندي إسرائيلي مذّاك). أميركا تفرض شروطاً لاستمرار دعمها وتفرض شروطاً من أجل تلقّي الدعم. لكن كيف تجلّى القلق أو الهلع الأميركي في السنة الماضية؟
1) التطابق في المواقف في دعم آلة الحرب بين قيادة الحزبيْن. لم أرَ مثل هذا التطابق بين أقصى اليمين وأقصى اليسار في كل السنوات بعد حرب فيتنام (ويشمل التطابق عصبة الأربعة اليساريّين في مجلس النواب). الإصرار على التطابق يعبّر عن قلق وجودي داهم. الإجماع سيّد الموقف وأي حيد عن دعم الحرب المطلق يُفقد المرء مشروعيّته السياسيّة (حتى اليساري، برني ساندرز، ضرب التحية العسكريّة وأعلن تأييده لمواقف بايدن، الذي يشكل اليوم أكبر خطر على السلام العالمي منذ أن أمرَ هاري ترومان بقصف المدنيّين اليابانيّين بقنابل نوويّة). هذا التراص غير عادي ولم تشهد الحروب الأميركية الباهظة الثمن هذا الإجماع من قبل. صحيح أن محافظ فلوريدا، رون دي سانتس (وهو المرشح الأكثر جديّة للرئاسة عن الحزب الجمهوري) تجرأ واعتبر أن دعم أوكرانيا لا يشكل مصلحة حيويّة للولايات المتحدة وأن الحرب ليست إلا خلافاً حدوديّاً، لكنه سرعان ما اضطر إلى التراجع والتنديد ببوتين والتعبير عن حق أوكرانيا في الدفاع.
2) استيلاء الاستخبارات الأميركية بطريقة غير مباشرة على مجمل التغطية الغربيّة للحرب. تجول في الإعلام الأميركي والأوروبي (والعربي «المستقل» التابع، خصوصاً مواقع تمويل سوروس ودول حلف شمال الأطلسي) ولا تجد أي اختلاف. اليسار واليمين والوسط متفقون، و«الخضر» في ألمانيا أكثر حماسة لإشعال الحرب العالمية الثالثة من غيرهم. وكل مصادر المعلومات عن الحرب مستقاة من المصادر نفسها: وزارة الدفاع الأميركية والبريطانية وأجهزة استخباراتهم. صحيح، هناك نسب أخبار إلى مصادر في القيادة العسكرية الأوكرانية لكنها قيادة تابعة تنفّذ الأوامر الأميركية بحذافيرها. وهناك طبعاً مراكز الأبحاث التي تستضيف «خبراء» يستفيدون من عقود مع مواقع الحرب الأميركيّة، وجلّهم من المسؤولين السابقين واللاحقين.
3) الإنفاق الهائل لمنع التطوّر التكنولوجي للصين. رصد الكونغرس في عهد بايدن مئات المليارات من أجل دعم صناعة الرقائق الميكرو دعم (وخلق) صناعات تحصّن المجتمع الأميركي ضد الاستيراد التكنولوجي من الصين. هناك عقوبات هائلة مفروضة على الصين وأميركا تحارب شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة، «هواوي». كي تفهم أسباب الهلع الأميركي: نعقد مقارنة مع سنوات الحرب الباردة. هل خشيت أميركا يوماً من انتشار البضائع والتكنولوجيا الصينيّة في الغرب؟ هل وصل الاعتماد الاستهلاكي العالمي على أجهزة راديو سوفياتية إلى درجة أن أميركا حاربت انتشارها وحظرتها من الاستعمال؟ لا، لم تكن البضائع السوفياتية في وارد منافسة البضائع اليابانية والأميركيّة. منذ الخمسينيّات، اعتبرت أميركا أنها تفوّقت تكنولوجياً وعسكريّاً.
4 الاتكال الحصري على القوى الصلبة. من كان يتخيّل أن عهد جورج بوش الذي ارتبط بالحروب والغزوات تحدّث عن القوّة الناعمة أكثر من عصر بايدن، الديموقراطي؟ أميركا تعلن جهاراً أن صراعها مع الصين وروسيا لن يُحسم إلا بالقوة العسكريّة وحدها. أميركا مشاركة في الحرب، وبولندا ليست إلا موقعاً متقدّماً للقوات العسكرية الأميركيّة تحت ستار حلف شمال الأطلسي. كأن أميركا فقدت الثقة بنفسها وقدراتها وباتت تجد أنها مضطرة للضرب خبط عشواء. ليس من حديث عن كسب العقول والقلوب، كما كان الحديث في الماضي. الميزانيّة العسكريّة وصلت إلى أعلى حد لها في إدارة الديموقراطي جو بادين. لم يستطع حتى الجمهوريّين المزايدة عليه في هذا الصدد.
أميركا بنزقها تحثّ روسيا على تدعيم وتفخيم تسلّحها كي تصبح أقوى. هي مثل مثال العبد والسيّد في «فينومينولوجيا الروح» لهيغل، كيف أن السيّد من دون أن يدري يدفع العبد للتحرّر
5) خسرت أميركا معركة كسب الرأي العام العالمي لمصلحة الحرب في أوكرانيا. في الأشهر الأولى، كانت «نيويورك تايمز» لا تتورّع عن نشر عناوين من نوع «العالم وراء بايدن»، أو «كلّ الدول تدين روسيا». وفي نص المقالات بهذه العناوين كنت تتبين أنهم يعنون العالم الغربي فقط. وعبارة «المجتمع الدولي» الشائعة الاستعمال في لبنان لم تعنِ يوماً إلا حلف شمال الأطلسي. صحيح أن أميركا تؤثّر في اقتراع دول العالم في الأمم المتحدة عبر الضغط والتهديد والتمويل. نعرف القصّة منذ تفصيل التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة عشيّة صدور قرار تقسيم فلسطين في عام 1947. أميركا توصّلت إلى النتيجة المتوخّاة بالتهديد والوعيد (راجع في هذا الشأن الفصل في كتاب وليد خالدي القيّم، «من الملاذ إلى الغزو»). العالم لم يسرْ في مسار الـ«ناتو». يستطيع الـ«ناتو» أن يزهو بدعم المواقع العربيّة «المستقلّة» التي يموّلها بالاشتراك مع سوروس، لكنه فشل في كسب الرأي العام في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. كيف يمكن لأميركا أن تزعم أن العالم يدعم موقفها وهناك الهند والصين وفيتنام وكوريا الشمالية وباكستان ودول الخليج، وخصوصاً أفريقيا، خارج نطاق حلفها الحربي؟ أميركا أرسلت وزير الخارجية ثم نائبة الرئيس (لأنها من أصول هندية وأفريقيّة) إلى أفريقيا لكن روسيا كسبت السباق. حكام أفريقيا شرحوا لوزير الخارجية الأميركي، وأمام الكاميرات، أنهم لا يزالون يشعرون بدين للاتحاد السوفياتي الذي دعم نضالهم من أجل التحرّر فيما كانت أميركا تدعم الأقليات البيضاء وأدواتها من الأفارقة في القارّة. كانت جولة وزير الخارجية الروسي أقل كلّفة.
6) يتفلّت حلفاء أميركا من تحت سيطرتها. إسرائيل بالرغم من الحجم الهائل للتمويل عبر العقود فإنها اجترحت سياسة خاصّة بها نحو الحرب في أوكرانيا (نشر مكتب «خدمة أبحاث الكونغرس» أخيراً دراسة يرد فيها أن حجم الدعم الأميركي لإسرائيل بلغ 158 مليار دولار. قد يكون المبلغ أقلّ اعتباراً في زمن التمويل الغربي الهائل لأوكرانيا لكن التقرير المذكور يذكر أن إسرائيل هي أكبر متلقٍّ للتمويل الأميركي منذ الحرب العالميّة الثانية). حلفاء أميركا الخليجيّون يتفلّتون وإن قليلاً من السيطرة الأميركيّة الكليّة ويعقدون اتفاقات مع الصين في الوقت الذي تُعلن فيه أميركا حالة عداء مطلقة للصين (في مكالمة هاتفيّة قبل أيّام تحدّث محمد بن سلمان مع الرئيس الصيني عن «الشراكة الاستراتيجيّة» بين البلديْن). ما كان يمكن تصوّر تفلّت دول الخليج من السيطرة الأميركية، وتحدّي الإرادة الأميركيّة، في زمن رونالد ريغان. كان النظام السعودي يموّل كل الحركات الرجعيّة التي كانت أميركا الرجعية تباركها، من الحزب الديموقراطي المسيحي في إيطاليا إلى عصابات اليمين (الكونترا) في نيكاراغوا إلى مجرمي حركة جوناس سافمبي في أنغولا. لا يمكن للحلفاء أن يتفلّتوا، وإن قليلاً، من السيطرة لو لم يشعروا بأن السطوة الإمبراطوريّة لم تعد على ما كانت عليه من قبل. السياسات الخارجيّة لحلفاء أميركا لم ترق لها في الحرب الأوكرانيّة. والاقتراع في الأمم المتحدة لا يمكن أن يُعد انتصاراً كما كان بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. عندما قرّر جورج بوش الأب أن يذهب إلى الأمم المتحدة في عام 1991 وينقض اقتراع الهيئة العامة في 1975 لمصلحة قرار يعتبر أن الصهيونية هي حركة عنصريّة، ماشت دول العالم النامي إرادة بوش وذلك خوفاً من رأس الإمبراطوريّة الواحدة.
7) قدرة أميركا على عزل أعدائها تنقص باستمرار. بات لها عدد هائل من الأعداء. عقوبات تلي العقوبات، وتصيب الأقربين والأبعدين. عقوبات على إيران وكوبا وكوريا الشمالية وسوريا ثم عقوبات على الصين وروسيا. عندما تفرط في استعمال العقوبات فإنك بذلك تحثّ الأعداء على رصّ الصفوف والتحالف من أجل ردّ أثر العقوبات. ها هي الصين وروسيا تعملان من أجل تقويض العقوبات الأميركيّة والعمل على إيجاد وسيلة تعامل ماليّة خارج السيطرة الأميركيّة. وإيران تتعامل مع الصين وروسيا من خارج نظام العقوبات الأميركي. حتى الإمارات: هي متهمة اليوم في أميركا بإيواء أثرياء قريبين من بوتين، وأن الدولة باتت مركزاً لتهريب وتبييض الأموال (من إيران وروسيا). والسعوديّة تقبل وساطة صينيّة للتصالح مع ألدّ أعداء أميركا وإسرائيل (طبعاً، للسعودية حساباتها الخاصّة، ولي عودة لها لاحقاً) ومجرّد تحدّي الإرادة الأميركيّة يضعف من سطوة أميركا كقوّة عظمى. والتصالح الجاري بين دول الخليج وبين النظام السوري على الرغم من مجاهرة الإدارة الأميركيّة بمعارضتها دليل آخر على التفلّت في معسكر الحلفاء. أين كانت أميركا التي تأمر فتُطاع من قبل كل حلفائها؟
الغرب بات كتلة متراصّة أكثر مما كان حلف وارسو. لا مجال للاختلاف، وأميركا تسعى لضمّ الجميع. هناك نقاش حقيقي في سويسرا عن جدوى الحياد. تاريخ أوروبا يُعاد صنعه
8) حجم الإنفاق الأميركي على الحرب في أوكرانيا ليس دليل قوّة أبداً. أميركا تثبت في إعلانات المزيد من التمويل والتسليح للطرف الأوكراني أنها في حالة عجز وليس في حالة تقرير مصير الحرب. لو أن روسيا مهزومة كلياً، كما توحي وسائل الإعلام الغربي، فلماذا كل هذا الإنفاق والتسليح الغربي لأوكرانيا؟ حتى الاعتراف بالفساد في داخل القيادة الأوكرانية وتسيّب أكثر من مليار دولار من المال الغربي لم يعد النظر بقرارات التمويل الهائل. والإصرار على مدّ أوكرانيا بالسلاح له مردود سلبي على حالة الجاهزيّة العسكريّة الغربيّة (هناك اعتراف بذلك في فرنسا وأميركا بالنسبة إلى قاذفات الصواريخ. المخزون الاستراتيجي للبلدين بدأ يضعف وأميركا أمرت بتسريع وتيرة تصنيع قذائف الصواريخ والمدافع لأنها وجدت بطئاً في الإنتاج). أميركا اليوم مجتمع حربي. هناك حالة اقتصادية غير مزدهرة وتفاقم من أزمة السكن والمرتبات والغلاء لكن تمويل أوكرانيا يسود على غيره من أولويّات الإنفاق. هذه الحالة لا بدّ لها أن تنعكس في الانتخابات وهذا ما أراد المحافظ دي سانتيس أن يفعله، وكان رئيس مجلس النوّاب، كيفن ماكرثي، قد قال كلاماً مشابهاً في آخر العام الماضي.
9) كان للتعامل الأميركي مع الحرب الروسيّة مردود استراتيجي عكسي. يُحسب لريتشارد نيكسون في أواخر الستينيّات أنه وجد فرصة للنفاد الاستراتيجي من خلال التقارب مع الصين لعزل الاتحاد السوفياتي. عندما يكون هناك على الساحة الدولية ثلاثة أقطاب كبار، فإن أسوأ وضع ممكن لأي قطب منهم أن يكون على عداء شديد مع القطبيْن الآخريْن. إنّ التقارب بين الصين والولايات المتحدة في السبعينيّات كان عاملاً مهماً في عزل الاتحاد السوفياتي وفي سقوط الإمبراطورية الشيوعية في ما بعد. لو أن الاتحاد السوفياتي سبق أميركا في التقارب مع الصين وفي دفن حالة العداء المستحكم بين الصين والاتحاد السوفياتي لكان ذلك أمدّ بعمر الإمبراطوريّة الشيوعيّة، ولعلّه كان مؤثّراً في عزل الولايات المتحدة. لكن التحجّر الأيديولوجي تحكّم بالعهد البريجنيفي. لم ير بريجنيف حرجاً من التقارب مع واشنطن (ومن قبول هدايا السيارات الأميركيّة الفاخرة التي ضمّها لمجموعته من السيّارات الفاخرة الشيوعية). اليوم أميركا بعنادها ورعونتها، افتعلت معجزة. قرّبت الصين وروسيا وضمتهم إلى تحالف استراتيجي لم يكن في حسبان الصين أبداً. الصين كانت شديدة الحذر في القيام بأي خطوة يمكن أن تثير حساسيات أميركيّة. لكن بيانات مؤتمر الحزب الحاكم الأخيرة لم يترك مجالاً للشك: الصين على قناعة أن أميركا ستعاديها بكل الطرق. كانت الحرب في أوكرانيا فرصة استراتيجيّة لدفع الحكومة الأميركيّة لتحسين العلاقة مع الصين وإبعادها عن روسيا. وكانت الصين في بداية الأزمة على مسافة أبعد نسبياً من روسيا وكانت قد عبّرت عن رفض خرق السيادة. وبدلاً من الاستفادة بحسب نهج الربح والخسارة في صنع القرار، فإن جو بايدن نبذ كل السلوك المعهود في تقرير المصلحة الاستراتيجيّة. من يقرّر أن يوحّد خصميْه في خضم المعركة؟ هذه مثل قرار هتلر بغزو الاتحاد السوفياتي بعد أن كان قد وقّع معه اتفاقية عدم اعتداء لتحييده في حملته الأوروبيّة. لا شكّ أن بايدن سيواجه حكم التاريخ كواحد من أقلّ الرؤساء حكمةً، من منظور المصلحة الأميركيّة. وخلافاً لإدارات سابقة، فإنه لا يلقى العون أو الإرشاد من قبل نائبة الرئيس التي قد تكون من أقلّ نواب الرئيس حكمةً ومعرفةً وقدرةً وكفاءةً. بايدن، قرّر أن يصعّد نحو كل أعداء أميركا في وقت واحد: صعّد ضد إيران وضد كوريا الشمالية وضد روسيا وضد الصين. وفي إيران، كان يمكن له أن يضبط النشاط الإيراني في دعم روسيا، لو أنه سارع إلى العودة إلى الاتفاق النووي من زمن أوباما. لا، هو قرّر أن هناك فرصة لإسقاط النظام الإيراني (وإسقاط النظام حلم يراود كل رئيس أميركي من عهد كارتر إلى اليوم). بايدن ضمن رصّ صفوف أعدائه كما أنه أعطى للصين فكرة واضحة جداً عن طريقة تعاطيه مع سيطرة صينيّة محتملة على تايوان من خلال حملة عسكريّة. وهذا التوافد المستمرّ من قبل أقطاب الحزبين إلى تايوان وإعلان بايدن أن الولايات المتحدة ستتدخّل عسكرياً للدفاع عن تايوان يستفزّ الصين لكنه يجعلها أكثر استعداداً للمعركة المتوقّعة. هذا الموقف الأميركي في إعلان نيّة التدخّل العسكري لدعم تايوان يناقض عقوداً من السياسات المبهمة الإعلان من قبل أميركا، مسايرةً للصين. تعرف الصين أنها تتعامل مع قوة غاشمة لا تقبل حتى بالمنافسة الاقتصادية، فما بالك بالمنافسة العسكرية.